لن ينسى التاريخ دوماً جبابرة الظلام الذين سطروا تاريخاً مكتوباً بدماء ضحاياهم.. ولن ينسى أهالى الضحايا أيضاً أسماء جلاديهم.. من نسى هتلر وبوكاسا ومنجستو وميلوسوفيتش وأخيراً وليس آخراً راتكو ميلاديتش السفاح الصربى الذى أشرف على ذبح أكثر من 10 آلاف مسلم بوسنى أثناء حرب البوسنة والهرسك والمعروفة باسم مذبحة سربرينتشا والتى دارت رحاها فى الأعوام 1991 وحتى 1995 وقد أحيا أهالى الضحايا ذكراها العشرين فى 6 إبريل الماضى مطالبين بالقصاص العادل لذويهم وذلك بعد أن تم القبض على ملاديتش والذى ظل متنكراً وهارباً لمدة 16 عاماً لتبدأ منذ أيام إجراءات محاكمته فى لاهاى أمام المحكمة الجنائية الدولية. وتذكر جريدة التايمز الأمريكية أن ملاديتش يواجه 11 اتهاماً وكلها متعلقة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها الجيش الصربى تحت قيادته خلال حرب البوسنة والهرسك والتى تجاوز حجم ضحاياها 150 ألف قتيل وتشريد ما يقرب من 400 مليون مسلم بوسنى عن ديارهم وأهليهم فى حرب وصفها البعض بأنها الأبشع فى التاريخ الأوروبى الحديث وأن تفاصيل أحداثها البشعة أدانت ليس مرتكبيها فحسب ولكن كل من يتشدقون بأنهم حماة الحرية والديمقراطية فى العالم. وتعود تفاصيل هذه الحرب إلى أنه بعد تفكك الاتحاد السوفيتى ووفاة الرئيس اليوغسلافى السابق جوزيف بروز تيتو بدأت يوغسلافيا فى التفكك إلى سلوفينيا وكرواتيا ثم البوسنة والهرسك والتى اندلعت بسببها حرب أهلية ضروس بين الجيش الصربى الوريث الوحيد للجيش اليوغسلافى السابق والمسلح بالأسلحة الثقيلة وشعب مسلم أعزل لا يملك من العتاد والسلاح ما يدافع به عن نفسه وأهله وسط عالم يفتقد لأدنى مشاعر الإنسانية والتحضر وبعد أن نجح الجيش الصربى فى مسعاه تدخلت منظمة الأممالمتحدة وأرسلت قوات لحفظ السلام والتى ارتكب أمامها وبمباركة هولندية مذبحة سربرنيتشا الشهيرة والتى أدانت معها التهاون الأوروبى والإسلامى لتنتهى هذه الأحداث المفجعة بإصدار عدة أحكام بالإدانة للرئيس اليوغسلافى السابق سلوبودان ميلوسوفيتش والذى مات فى سجنه أثناء محاكمته والثانى رئيس جمهورية الصرب رادوفان كاراديتش المسجون حالياً ويتم محاكمته منذ عام 2009 ويواجه نفس الاتهامات التى يواجهها المتهم الثالث راتكو ملاديتش والغريب أن ملاديتش قد يدان بأدلة من صنع يده فقد تم العثور على مذكراته وعدة أشرطة تتضمن أوامره لقواته بخط يده وبصوته فهو كغيره من عتاة المجرمين مغرمين بالتاريخ ويرغبون فى ترك مذكراتهم لتخليد ذكراهم ولم يدر فى خلده أن ينجح أحد فى العثور عليها وقبل محاكمته لتكون هى الدليل الحى على جرائمه وقد وجدت هذه الوثائق والمذكرات مدفونة تحت جدار وهمى فى منزله بعد الاستعانة بمعدات مسح ألمانية متطورة وهنا تقول صحيفة ديلى تلجراف إن مثول سفاح البلقان للمحاكمة هو انتصار للعدل ودليل على التحضر. وينتظر ملاديتش حكما بالسجن مدى الحياة رغم محاولات محاميه لإظهاره بمظهر المريض والادعاء بإصابته بسرطان الغدد اللمفاوية وهو ادعاء كاذب كما جاء فى التقرير الذى قدمه برونو فيكاريتش المسئول الأول عن تقديم أدلة الاتهام والذى وصف ادعاء المرض بالتزوير وهكذا تسقط حلقة جديدة من سلسلة الطغاة غير آبهين بصرخات ضحاياهم التى ستطاردهم حتى قبورهم.