أرجو ألا يغضب منى “الإخوان” إذا ما قلت إنهم لا يجيدون لعب السياسة، وإنهم يفتقدون لمشروع سياسى حقيقى.. وأنهم بأفاعيلهم الغريبة أفسدوا الطبخة التى كانوا يعدونها.. هذا الانطباع خرجت به وأنا أتابع بعض تفاصيل المشهد الراهن وما سبقه من مشاهد منذ صعود نجم الإخوان على المسرح السياسى بعد سنوات طويلة من القهر والاعتقال والمطاردة والمصادرة.فالمشهد الراهن وما سبقه من مشاهد يوحى للمراقب بأن الإخوان قد فوجئوا بأنهم أصحاب سلطة وأصحاب قرار، وأنهم لم يتوقعوا، حتى فى أحلى أحلامهم، أنهم سيمسكون بأيديهم مقاليد البلاد والعباد، لذلك لم يستعدوا لكل ذلك فى مشروعهم الخاص، فارتبكوا وترددوا، ولم يجدوا ما يقدمونه للمصريين والعالم إلا النموذج الذى ساد طويلاً فى مصر والذى كان سبباً رئيسياً لثورة 25 يناير، وهو نموذج النظام المباركى والحزب الوطنى المنحل، فلم يفعلوا إلا ما كان يجيده النظام السابق والحزب المنحل وهو التكويش على السلطة وإقصاء الخصوم والانفراد بالمشهد السياسى. فالإخوان، كما هو ظاهر للعيان، يعيشون حالة من الارتباك والتخبط وعدم وضوح الرؤية تجاه أخطر الملفات التى تواجه مصر الآن خاصة ملفى الدستور ورئاسة الجمهورية.. ففيما يتعلق بالدستور أدى ارتباك الإخوان وعدم وضوح الرؤية لديهم منذ البداية إلى جر البلاد كلها فى «سكة الانتخابات التشريعية أولاً»، وهو ما أدخلهم ومعهم البلاد والعباد فى دوامة لا فكاك منها، مازالوا ومازلنا نتلمس طرق الخروج منها حتى الآن.. وزاد الطين بلة.. إصرار الإخوان على الهيمنة على اللجنة التأسيسية لإعداد مشروع الدستور، وهو ما أبطلته المحكمة، فعادوا من جديد للمربع صفر فى محاولة لإعادة الكرة فى ظل سباق مع الزمن ليس فى صالحهم ولا صالح أحد. فالانتخابات الرئاسية لم يتبق عليها إلا أسابيع قليلة، وبالتالى فإذا لم يتم الانتهاء من إعداد الدستور، فستبدأ الانتخابات الرئاسية أولاً، ويتكرر نفس الخطأ الذى وقع فيه الإخوان، بل أوقعونا فيه جميعاً منذ أكثر من سنة، ونظل أسرى للدوامة التى لا فكاك منها.. أما فيما يتعلق بالرئاسة.. فقد بدأ أداء الإخوان متردداً ومهزوزاً منذ البداية، فبعد أن أكدوا مراراً وتكراراً أنهم لن ينافسوا على مقعد الرئاسة.. فوجئنا بهم يطرحون مرشحاً واثنين فبعد رفض الأول، طرحوا الثانى وهو الدكتور محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة، وهو الذى لم يدخر أى جهد فى إخفاء حالة ارتباكه وتردده هو الآخر.. فمرة يؤكد أنه يخوض الانتخابات الرئاسية نزولاً على تكليف الجماعة وليس باقتناع شخصى منه، ومرة لا يجد ما يستدعيه من أعماق أعماق التاريخ.. إلا نموذج الفتح الإسلامى لمصر ويتقمص دور عمرو بن العاص، وكأن مصر كلها إما كفرة فجرة فسقة أو أصحاب ديانات أخرى وهو ما يمثل إهانة بالغة لمصر مسلميها قبل أقباطها.. وحتى بعد أن سيطر الإخوان على مجلس الشعب وجلس واحد منهم وهو الدكتور سعد الكتاتنى على نفس مقعد أحد أساطين الحزب الوطنى المنحل وهو الدكتور فتحى سرور.. لبس الكتاتنى قميص سرور، وتقمص إخوانى آخر شخصية أحمد عز الذى كان يدير المجلس بالإشارة وبالهمس واللمس والصمت الرهيب، بل تقمص نواب الإخوان أنفسهم دور نواب الحزب المنحل حيث يؤمرون فيطيعون.. ويصرخون و«يدبدبون» لإعداد تشريعات غير دستورية لإقصاء هذا الطرف أو ذاك. وحتى لا أكون متجنياً.. أرى أن للدكتور الكتاتنى مبادراته التى لا تخطئها العين فى إدارة شئون مجلس الشعب.. فهو صاحب مبادرة تعليق جلسات مجلس الشعب أسبوعاً كاملاً لغضبه من الحكومة ومن رئيسها ووزرائها، فالكتاتنى بعد أن فكر وتدبر لم يجد إلا طريقة «مش لاعب» كوسيلة للاعتراض على الحكومة والمطالبة بإقالتها.. وهى طريقة جديدة تماماً يمارسها البرلمان لأول مرة فى تاريخه منذ أنشئ فى عشرينيات القرن الماضى.. فمن المعروف أن هناك طرقاً برلمانية عديدة للاعتراض على الحكومة.. فهناك طلب الإحاطة والاستجواب وسحب الثقة، لكن الكتاتنى أضاف إليها طريقة «مش لاعب».. أو طريقة «الأمص»، وهى طريقة يلجأ إليها الأطفال عندما يغضبون من آبائهم وأمهاتهم..!! وأنا شخصياً، رغم أننى من النادر أن أشيد بأداء الحكومة أو وزراء الحكومة، فإننى أرى أن الجنزورى ووزراء حكومته يعملون فى ظل ظروف بالغة التعقيد.. ولذلك على الجميع وفى مقدمتهم مجلس الشعب ورئيسه ونوابه، أن يراعوا هذه الظروف، ويساعدوا الحكومة على الخروج من مسلسل الأزمات الراهن، ولا أبالغ إن قلت بل مسلسل المؤامرات التى يحيكها أعداء الداخل والخارج ضد أبناء هذا الوطن.. إننى أتمنى أن يعيد الإخوان صياغة مشروع حضارى تنموى يساعد على نهضة هذا البلد بالفعل، وأن يعيدوا النظر فى أدائهم والذى أصبح محل انتقاد قطاعات كبيرة من الشعب، مما أفقدهم مساحة كبيرة من التأييد كانوا يتمتعون بها.. أعتقد أن إعادتها يحتاج لسنوات وسنوات ولأداء ورؤية تختلف تماماً عن الأداء والرؤية الحالية.