منذ أمد بعيد ونبرة الخطاب الأمريكى الإيرانى تستعر لحظيا فى تصاعد فذ وصولا إلى بؤرة الاحتداد والتشاحن وبلوغا لأمل الاصطدام بعد خوض جولات من التطاحن والتنافر الاستراتيجى المحقق لدرجة من الإشباع الأجوف لتلك الذات الأمريكيةوالإيرانية أيضاً!! فالمتأمل فى طابع الإشكالية المطروحة بين الذاتين يجد أنها تتسم نسبيا بتوجه ثقافى فكرى ذى بعد سياسى يتأسس على مبدأ حرمان الذات من ممارسة حقوقها المشروعة وتمكين الآخر من الانتفاع بهذه الحقوق وهو ما يجافى المنطق ويستفز سلطة العقل، وبمعنى آخر مصادرة حق إيران فى تصدير نفطها عبر مضيق هرمز على أن يتاح للآخرين هذا الحق حتى لو كانوا أعداء لإيران، وهو ما خلق بدوره دوافع عدة لدى إيران بإغلاق الممر المائى باعتباره الشريان الحيوى المتحكم بنسبة عليا فى حاجات العالم إلى النفط، وهذا إذلال للغرب وتأكيد للعنفوان السياسى وإقرار للسطوة الإيرانية على مقدراتها الاستراتيجية مستندة فى ذلك على ركيزة من ركائز الثورة الإسلامية والقائلة بضرورة المبادرة فى اتخاذ المواقف المصيرية وتأكيد أهمية الضربة الأولى، لكن هل تصمد إيران لتلك الضربة أم أنه التلويح العنترى الباعث على التوجس والرعب لدى أطراف المحيط الدولى خاصة أمريكا التى نقلت أطياف عدواها إلى كيانات أخرى لحشد رؤية سالبة تستطيع خلالها إقرار حتمية التواجه العاصف انطلاقا من أن القوة العسكرية يمكن أن تمنح شرعية سياسية وقانونية تخول لها سلطة المنح والمنع والقبول والرفض إزاء الأنظمة الطائشة أو الدول المارقة من العدسة الأمريكية. أن الاستراتيجية الإيرانية تعتمد فى ثوابتها إزاء تلك القضية على معاهدة جنيف وجامايكا اللتين رسمتا النظام الحقوقى للمياه الدولية وأقرتا إمكانية إغلاق المضيق بصفة مؤقتة أو دائمة إذا تعارض ذلك مع سيادتها وأمنها القومى جراء عبور الناقلات البحرية أو التجارية أو العسكرية، لكن ذلك وأكثر منه لا يعنى شيئا بالنسبة للإدارة الأمريكية التى تمجد فلسفة القوة وتعتبر أن كل شاردة وواردة هى ماسة بالأمن القومى الأمريكى وهو ما يعد ذريعة هائلة لأن يكون لها موقف من كافة القضايا الدولية تستطيع استثماره وتوجيهه بما يخدم صالحها العام فقط بل حتى لو أضر بمصالح دول العالم أجمع ، وهو ما يدلل عليه كم التصريحات المضادة التى يتقدمها أن الوجود العسكرى فى الخليج الفارسى سيتواصل وبشكل مكثف وأن مرور الناقلات الأمريكية بالمضيق يتفق تماما مع القوانين الدولية وهو ما مثل بدوره استفزازا صارخا للنظام الإيرانى الذى هدد بزرع ألغام فى المضيق واعتبرها إحدى نذر الحرب. وعلى ذلك ماذا لو تراجع الاتحاد الأوروبى عن حزمة العقوبات ضد إيران والتى يتصدرها منع صادراتها البترولية تلافيا لكارثة إغلاق المضيق والتى سوف تتشعب عنها كوارث أخرى أشد وطأة وذات انعكاسات مباشرة على التخطيط الدولى بأسره؟ وما هى طبيعة الفعل الإيرانى إزاء استخدام سلاح المقاطعة الغربية للبترول بجانب تجميد أرصدة المصرف المركزى؟ وكيف لأمريكا أن تمنح نفسها صكوك الغفران السياسى التى تحذر خلالها الدول من توثيق علاقاتها مع إيران؟ بل كيف لها أن تكون محل سخرية وتهكم من دول أمريكا اللاتينية التى ترى فى إيران ذلك العملاق المتحدى؟ ألا يمثل ذلك حجرا على حريات الشعوب وإرادة الأنظمة والحكومات؟ بل كيف لأمريكا أن تمارس أساليب وطرقا لا تتسق مع مسعاها نحو إقناع إيران بالعدول عن إنتاج السلاح النووى؟ وماذا لو أدت العقوبات الأمريكيةلإيران إلى نتائج عكسية كما يتوقع الخبراء والمحللون؟ وكيف لإيران أن تستقوى بدول خارجية بينما تزعم ريادتها المطلقة فى المواجهة العسكرية مع أمريكا؟ وهل كان مصادفة أن يتوافق توقيت اغتيال العالم النووى الإيرانى فى ظل المناوشات الحاضرة؟ وإذا كانت بنود الاستراتيجية العسكرية الأمريكية التى استعرضها أوباما تنطوى أولياتها على أن الولاياتالمتحدة قد تعلمت الكثير والكثير من خوضها حروبا فى العراق وأفغانستان ومن ثم فلن تتورط مستقبلا فى أى حروب أخرى ومن ثم أيضا كيف يتسنى لها الزعم بأنها سوف تنغمس فى حرب ضروس مع إيران؟ وكيف لبانوراما العنف اللفظى أن تنتهى إلى مبدأ عنصرى كذلك الذى يقول إن أعظم خطر يمكن أن يواجهه العالم هو امتلاك أى نظام إسلامى أسلحة نووية؟ ولعل التصعيد نحو الحرب إنما يؤكد بالقطع ذلك الفشل السياسى بكل أبعاده ومنعطفاته والتراجع عن سمات اللحظة الحضارية والذى يجر الجماعة الإنسانية إلى أتون اللهب ولا يمنح مكاسب خاصة لدولة دون أخرى وإنما ستتوالى سحب الخسائر مخيمة على الجميع وسوف ندرك مستقبلا أن السلام كان يمكن تحقيقه بثمن بخس وأن جرائر الحروب تمتد آثارها لعقود وقرون، بينما قضت الحكمة على الأعرج ألا يكسر عكازه على رأس عدوه كما قضت كذلك على الجبار المتعجرف أن يستوعب فكرة أن معظم النار من مستصغر الشرر وأن أعواد الثقاب تحرق مدينة !!