والمشهد تكرر بحذافيره.. مما يدلل على أن الطوبة الملعونة تأبى إلا أن تقسم رأس المجند الغلبان والغازات المسممة تعاند فى غباوة يدعمها الخرطوش والرصاص المطاطى وأيضاً الحى ليسقط «ميتا» كل من كتبت عليه الأقدار أن يدخل فى زمرة الضحايا ويتحول إلى تعويض يشرب أهله الذل والمرار كى يتوصلوا إليه ولو بعد حين.. وقد يتحول إلى مصاب ديته وظيفة حكومية وشقة فى مساكن الإيواء. وهذا الفتى الذى ذهب خلف فريقه.. فإذا به يعود إلى أهله جثة يتسلمونها من مشرحة زينهم بطلوع الروح، وتتحول المباراة إلى مجزرة.. والبساط الأخضر إلى بحر من الدماء.. وفوز النادى المصرى الثمين إلى هزيمة كبرى لمصر كلها، لا الحكومة التى انحنى ظهرها واشتعل رأسها شيبا قادرة على ملاحقة الغليان ومنع الطوفان.. ولا الثوار الأطهار استطاعوا أن يغسلوا من فوق ثيابهم وأيديهم بقعة ملوثة مصنوعة من مادة البلطجة.. ولا الداخلية قادرة على خدمة الشعب واصطياد أرباب الانفلات والإجرام.. إلا من خلال التضحية بالشعب.. ولا الشعب الذى تجرع كؤوس الخيبة والمرارة وقلة القيمة أظهر لهم أنيابه القادرة على خلع «اتخن تخين» من الفاسدين والمجرمين.. ولا أمريكا التى تصدر لنا عبوات الحرية والديمقراطية والدولة المدنية.. تتوقف عن وضع أنفها فى كل صغيرة وكبيرة فى حياتنا.. حماية لأمن إسرائيل والخوف على مصالحها. ولا الملاعين الذين ارتدى أغلبهم الملابس البيضاء أو الزرقاء خلف قضبان السجون لم يكفوا أيديهم عن بلاد نهبوها ولم يبق منها إلا العظام.. وأهدروا كرامتها على أعتاب اللئام إلا من أنفاسها القليلة التى تربطها بالحياة، ثم حدث ولا حرج عن «الهانم» التى تتحرك على راحتها وكأنها مازالت «ستنا تاج على راسنا» الأولى والأخيرة.. معها الفلوس وعندها اتصالات وفلول حزبهم الوطنى فى الخدمة.. وشلة «قابضين يا ريس» جاهزة بالدموع وبضرب الودع ووشوشة الدكر وكما قالت واحدة منهن يقال لها «شيخة» الست سوزان حفيدة الرسول ولا يجب إهانتها وإذا حاكمتم مبارك فسوف يخرج لنا الثعبان الأقرع لكى يلتهم كل من ظلمه جهارا نهارا. فى الملعب مباراة الموت كشفت عورات أساليبنا الحالية.. وأكدت أن المسألة فيها «إنّة».. وأن اللعب شغال.. قبل مباراة الأهلى والمصرى بمراحل.. وسيناريو الانفلات وإن كان يستهدف الفوضى، لكنه يتم بمنتهى النظام والتخطيط والتدبير الابليسى.. وليس من السهل كشفه إلا أن يقع الأشرار والعصابة فى المكيدة وينقلب السحر على الساحر، فهل يدخل عقلك أن تنسحب الشرطة فى أيام الثورة وفجأة تهب الحرائق وتبدأ عمليات السرقة الأتوماتيكية فى أقسام الشرطة ويتم تهريب المساجين والاستيلاء على الأسلحة وحرق المحاكم كأنها سيمفونية.. فى أوركسترا إجرامى بقيادة المايسترو «بلطوج» الأكبر نعم توحدت مصالح منتخب المسجلين الخطر ومن تضرروا من جبروت باشاوات الشرطة وآثار أكفهم مازالت مختومة على قفاهم.. والشلاليت مطبوعة على الخلفيات تحت شعار الشرطة فى خدمة الشعب.. ومع هؤلاء كانت العصابة التى وجدت نفسها بعد أن كانت تحكم وتتحكم فى مصائر الناس أجمعين وفى يدها مفاتيح كنوز المحروسة.. يرفعون من يحبون ويذلون من يبغضون.. وقد انسحبت كراسى العرش من تحتهم.. وقال كبيرهم صراحة إما أنا أو الفوضى؟!.. ولأن المسافة بين قصر الرئاسة وأوكار البلطجية ليست بعيدة بوجود وزارة للداخلية مهمتها حفظ النظام وحمايته ولو اضطرت فى ذلك للتضحية بالبلد كلها. ولاحظ يا سيدى أن هذه الداخلية إذا أرادت أن تهز هلالها فعلت.. وقد رأينا ذلك أيام الانتخابات بالتعاون مع رجال الجيش، لكن إذا دقت ساعة الانفلات رأيت أرباب الإجرام يخرجون من كل مكان كأنهم جراد منتشر. وحصيلة ما جرى فى موقعة الجمل.. تم فى معارك الجحش والكلب والبرص التالية وقد جرت فى محيط شارع محمد محمود وعند مسرح البالون وعند مجلس الوزراء ومؤخرا فى استاد الموت بمدينة بورسعيد الباسلة.. ولاحظ فى كل الأحوال أن الانفلات دائما وأبداً يحاول استثمار التجمعات والمظاهرات، واختراق صفوف الثوار.. وارتداء ثياب الشهداء والمصابين.. والاختفاء خلف ستائر الحق بالباطل. والسؤال العبيط الساذج: من المستفيد من الانفلات ويريد لمسرح الحياة فى بر مصر أن يكون عرضه الوحيد هو الفوضى. نجوم الانفلات الذين تضيق عليهم دائرة القانون.. تكاد حبال المشانق تناديهم.. يتصورون أن الفوضى هى خلاصهم الوحيد.. مهما توزعت شخصياتهم بين السجون المختلفة. اللصوص وعتاة الإجرام مثلما تعيش الجرذان فى مياه الصرف الصحى.. لا يعيشون إلا فى الحرائق وتحت موسيقى الخراب والدم. أعوان وأذناب وصبيان وسماسرة ديمقراطية أمريكا وإسرائيل سابقة التجهيز.. كلما مشينا خطوة لا تعجب أهلهم.. يبدأ سعيهم المشئوم لإعادة عجلة الثورة إلى نقطة الصفر.. وحتى يمكن السيطرة على مجريات الأمور.. ويكفى حسرتهم على كنزهم الاستراتيجى الذى لا يمكن تعويضه.. ناهيك عن الأقارب أو قُل العقارب الذين يتحدثون بلغتك ولهم نفس دينك وتجمعهم سماء العروبة الواحدة معك.. لكن مصرنا الراسخة الشامخة عقدتهم وعفريتهم.. يريدونها فقيرة منكسرة بعد أن علمتهم وأخذت بأيديهم إلى مناطق النور والتحضر.. ودائما وأبداً فلوسهم هى سلاحهم.. بارك الله لهم فيها.. وبارك فى عقولنا التى بدأت «تسيح وتهنج». فرعون السرير المحمول.. أو المخفى الذى يتوارى خلف يديه أو نظارته السوداء الذى يأبى ويرفض حتى ساعته وتاريخه أنه قد حصل على لقب «مخلوع» ويتعامل كما يقول محاميه كرئيس.. وتحت يده قاعدة من الفلول يهمها أن تستمر «الميغة» على حس سيادته.