أقل ما توصف به هذه الجريمة أنها عملية تزوير فى بطولات رسمية، فقد لجأ صاحب الضربة الجوية إلى تسديد ضربة عديمة الشرف والنزاهة إلى قلب واسم وكبرياء المهندس الأول لحرب أكتوبر بإجماع كافة الخبراء وهو الفريق البطل: سعد الدين الشاذلى.. وللأمانة شارك فى الجريمة أيضاً الرئيس المؤمن بطل العبور أنور السادات.. والحكاية وما فيها أن الشاذلى الذى تولى رئاسة أركان حرب الجيش المصرى من 16 مايو وحتى 13 ديسمبر 1973.. وعندما تم اختياره لهذا المنصب متجاوزا فى الأقدمية بعض الزملاء.. كانت القيادة ترى فيه رجلا يليق بهذه المرحلة فهو عقلية استثنائية فى تاريخ العسكرية المصرية.. فهو مؤسس وقائد أول فرقة مظلات وقائد أول قوات عربية فى الكونغو.. والملحق العسكرى لمصر فى لندن (61 - 1963).. وقائد لواء مشاه فى حرب اليمن.. وقائد القوات الخاصة فى حرب 67 الذى توغل فى سيناء حتى بلغ حدود فلسطين دون غيره من سائر قيادات الجيوش التى انسحبت على الفور..وهو قائد جيوش منطقة البحر الأحمر الذى منع العدو الصهيونى من الوصول إليها وقطع يده الممدودة إلى هذه المنطقة.. ثم هو رئيس الأركان ومهندس أكتوبر وصاحب وجهة النظر التى تقول بأن النصر على إسرائيل يمكن رغم فارق.. الإمكانات والتسليح لصالحها.. بشرط أن نعرف نقاط ضعفها وأهمها استمرار الحرب لفترة طويلة مما يؤدى إلى انهيارات فى الشارع الإسرائيلى لأن غالبية الرجال والشباب هم قوام قوات الاحتياط.. كما أن مظلة الدفاع الجوى المصرية مداها حوالى 12 كيلو متراً وهى تستطيع ردع الطيران الصهيونى وتدمير مدرعاته إذا حاولت الاقتراب، وبالتالى تكون مفاتيح الحرب فى أيدينا.. وبناء عليه تم وضع خطة «المآذن العالية» التى أصبحت فيما بعد تسمى «بدراً» وكان واضحا منذ اللحظة أمام السادات.. وشرح له كيف أن الجيش الإسرائيلى له فلسلفة معينة فى القتال سوف يتم بناء الخطة على حرمانه من كل ما يملك من مزايا جوية.. مقابل استثمار ما لدينا من إمكانات.. وتم التدريب المحكم على كل خطوة واعاد الشاذلى بناء جيش غالبيته من أصحاب المؤهلات وتم اختيار توقيت الحرب بعناية بالغة، وفى عيد الغفران وفى سرية تامة جرت التحركات ولم يكن هناك من يعرف بتفاصيل وميعاد الهجوم المصرى إلا قلة قليلة.. وتم التنسيق مع الجبهة السورية ثم جاء الدعم العربى من ليبيا والجزائر والكويت والعراق والسعودية والمغرب والسودان. وفى الساعات الأولى للعبور العظيم تم كل شىء فى سهولة كأنها مناورة: أو طابور تدريبى بالمفهوم العسكرى وعلى حد تعبير الشاذلى فى مذكراته التى أورد فيها كل شىء بمنتهى الأمانة. والعجيب أن الرجل كان عمليا للغاية فقد شرح الخطة.. ودوره فيها وما فعله غيره ولم ينسب لنفسه فقط بطولة مطلقة.. وأعطى كل ذى حق حقه بأمانة وموضوعية وهو ما أوحى البعض إلى مبارك بأنه إفشاء لأسرار عسكرية رغم ما مضى عليها من سنوات وبناء عليه تمت محاكمة الشاذلى بتهمة الخيانة فى عهد مبارك وتجريده من كافة الأوسمة والنياشين والمزايا.. وفى تكريم أبطال أكتوبر فى مجلس الشعب على يد السادات.. تجاهلوا الشاذلى بعد أن ارسلوه إلى لندن كسفير.. وكان الخلاف قد اندلع على أثر ما عرف بالثغرة عندما توغلت جيوش إسرائيل غرب القناة بين الجيشين الثانى والثالث تحت قيادة «شارون».. بعد أن أصر السادات وبوجهة نظر سياسية على تطوير الهجوم لتخفيف الضغط على الجبهة السورية وهو ما عارضه الشاذلى لأنه يكشف الغطاء الجوى لقواتنا.. وبالفعل تعرضت لخسائر فادحة.. واقترح هنا سحب 4 ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب لتطويق الثغرة وبنسبة نجاح 100%.. لكن السادات رفض لأن لديه عقدة من الانسحاب.. وكان الشاذلى يسميها مناورة، وانحاذ المشير أحمد إسماعيل إلى رأى قائده الأعلى.. وفى هذا الوقت كان مبارك هو قائد الطيران وقد قام بتطويره تحت رعاية الشاذلى الذى كان مسئولا بحكم عمله عن أسلحة الجيش كلها البحرية والجوية والبرية والدفاع الجوى وهو رجل لا يترك صغيرة للمصادفة.. المشهد الحقيقى فى غرفة العمليات الرئيسية.. يتواجد القائد الأعلى وهو الرئيس وإلى جانبه وزير دفاعه أو حربيته وعلى الجانب الآخر نجد رئيس الأركان ثم بعد ذلك رئيس هيئة العمليات وكان فى هذا الوقت هو الرجل الفاضل المشير الجمسى الذى قال الكثير من الحقائق التى أوردها الشاذلى فى المذكرات التى أصدرها عن الحرب وبعد ذلك تم ابعاد الشاذلى إلى لندن.. ثم إلى البرتغال ولما قام السادات برحلته إلى الكيان الصهيونى استقال من منصبه الدبلوماسى وهاجمه واختار الجزائر كمنفى اختيارى بعد أن تربصت به القيادة فى مصر.. وظل هناك لمدة 14 عاما تقريبا.. ولما تغيرت الأحوال فى بلد المليون شهيد تخاطب مع محاميه الذى أبلغه بأن عودته إلى الوطن سوف تكون آمنة.. رغم الحكم الذى كان قد صدر بحقه.. وعاد لتهبط به الطائرة فى مكان بعيد ويتم التقاطه منها إلى السجن الحربى، وذلك فى عام 1992 دون أن تعرف أسرته، ولما توجست فيما جرى، وقد عرفوا أنه غادر الجزائر وكان على متن الطائرة العائدة بالفعل.. وأخبرت ابنته محطة «BBC» وهددت زوجته بالاعتصام أمام القصر الجمهورى.. وعرفوا أن الفريق قد تم اعتقاله لتنفيذ العقوبة الظالمة وعليه أن يكتب طلباً بالعفو من مبارك ولكنه رفض فى كبرياء.. واختار السجن بطلا كريما فى تهمة ملفقة على أن يتسول عفوا ذليلا لا يليق بما قدم للبلد بينما مبارك تغافل الرجل ودوره ووضع صورته مكانه ونسب الحرب كلها إلى نفسه حتى فى بانوراما حرب أكتوبر.. ولكن الأحرار فى البلد الذين يعرفون قدر الشاذلى تحركوا فى عز جبروت مبارك وكتبوا وقال القضاء المصرى كلمته المدويه إن محاكمة الشاذلى باطلة.. لكن الذى زوّر التاريخ لم يذعن للحكم وتجاهله.. وقد قرأت كل كتب الشاذلى عن الحرب وكل ما كتبه الآخرون عنه.. واستمعت إليه فى شهادة على العصر مصورة مع أحمد منصور بالجزيرة على مدى 8 ساعات تقريبا.. لم تتغير عنده كلمة أو تتبدل.. ويشاء السميع العليم الحكم العدل أن تصدر المحكمة الإلهية العظمى حكمها القاطع فى 11 فبراير 2011.. بان تخرج الجموع الغاضبة من مبارك الظالم لكى ترفع نعش البطل المظلوم الملفوف فى علم البلاد على الأعناق إلى مثواه الكريم وسط دعوات الملايين له بأن يسكنه المولى سبحانه وتعالى فسيح جناته وفى نفس الليلة يرحل مبارك ذليلا مجبرا عن عرشه وسط دعوات الملايين عليه باللعنات لما جناه على البلاد والعباد. ولأن الأحكام الإلهية لا نقض فيها ولا ابرام.. وهى واجبة النفاذ.. ارتفعت أسهم البطل الحقيقى لحرب أكتوبر الضابط الذى لفت الأنظار إلى شجاعته المبكرة فى حرب فلسطين عام 1948.. ثم فى الحرب العالمية الثانية ثم فى حروب مصر الحديثة بعدها لكى تكون قصة الشاذلى هى «الكبرياء» وحكاية مبارك وجريمته هى «المهانة».. ويكفيه كرجل عسكرى أنه يدخل إلى قاعة المحكمة نائما وقد اخفى وجهه خجلا وانكساراً وسبحان المعز المذل.