شهدت جامعة القاهرة العام الماضى أولى أزمات منع المنتقبات من دخول الامتحانات، ثم المنع من دخول الجامعة نهائيا، وهو ما دعا البعض للجوء للقضاء حتى حصلوا على حكم بإلزام الجامعة بدخولهن الامتحانات.. أما العام الحالى فشهد انطلاق المنتقبات وأصحاب اللحى الطويلة ليمارسوا أنشطتهم بكل حرية بعيدا عن سطوة جهاز أمن الدولة «المنحل» حتى أن التيارات الدينية صارت هى التى تقود الأنشطة الطلابية. لا أحد ينكر الأسر السلفية والإخوانية كان لها وجود داخل الجامعات قبل الثورة لكن جهاز أمن الدولة كان يحد من انتشار هذه التيارات بداخلها. وبعد حل جهاز أمن الدولة وطرد الحرس الجامعى وإجراء انتخابات للقيادات الجامعية بعد مظاهرات ضخمة قام بها الطلاب والأساتذة تنفست الجامعات الصعداء وذاقت طعم الحرية التى غابت عنها منذ عقود. وكما سيطر الإخوان والسلفيون على الساحة السياسية خارج أسوار الجامعة بعد الثورة فقد سيطروا أيضا على الوضع الإعلامى والخدمى بداخل أسوار الجامعة. مع بداية العام الدراسى الجديد نشطت الأسر السلفية مثل (النور والفردوس والأندلس) لتكون امتدادا للدعوة السلفية، أما أسر جماعة الإخوان المسلمين فهى (فجر الإسلام، وحياة، وبداية). وأصبحت لافتات هذه الأسر ظاهرة للجميع على جدران الكليات ومداخلها، بل من خلال أماكن وأكشاك التعريف بها المنتشرة بجوانب الجامعة. فى المقابل انتشرت أسرة النور التابعة للسلفيين فى كليات التجارة والطب والهندسة بعدما انطلقت من دار العلوم وصولا بالتجارة، بينما ظلت كليات الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية وكلية التجارة الشعبة الإنجليزية بمنأى عن هذه التيارات. ونجحت هذه الأسر فى الحصول على تأييد الطلاب نظرًا للخدمات المقدمة و التفاعل الالكترونى لهذه الأسر على موقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» فى معظم الكليات. وتنتشر هذه الأسر فى كلية دار العلوم لاسيما وأن مناهج دراستها بها الكثير من المواد الدينية واللغوية، وقد التقطت كاميرا «أكتوبر» العديد من الصور للافتات تعكس نشاط الأسر فى الجامعة مثل ورقة مكتوب عليها (هل وضعت النية قبل النزول للكلية.. من غير نية ما تجيش الكلية)، وأخرى تقول (مرحبا بكم فى دار العلوم.. كليتنا إسلامية.. من غير نية ما تجيش الكلية) هذه الأوراق الدعائية التى انتشرت داخل أروقة الكلية قامت بتعليقها أسرة «الفجر الباسم» الإخوانية وأمام الكلية يوجد مكاتب رمزية أشبه بالأكشاك لهذه الأسر موجودة فى طرقات الجامعة ليس هذا فحسب، بل لا تستعجب إذا رأيت فتاة منتقبة من أسرة «بداية» الدينية تستأذن أى طالب يسير أو يجلس مع طالبة بالجامعة وتعطيهم ورقة ملفوفة بطريقة جميلة مكتوبة عليها (بتحبها ولا بتتسلى) وبها العديد من المواعظ والتهديد والوعيد لكل من يحب فتاة فى غير الزواج. الالتحاء ليس شرطا وحيد الحسينى طالب بكلية طب قصر العينى من أسرة «النور» السلفية يقول هذه الأسر موجودة منذ 15 عاماً بكلية الطب لكن كانت ممنوعة من دخول حرم الجامعة ونحن مجموعة من الطلاب نسعى لخدمة بلدنا بمجتمع الجامعة من خلال رؤية إسلامية واضحة وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فى كل تعاملاتنا ونحن نمد أيدينا لكل التيارات المختلفة حتى نكون إيد واحدة فى بناء مصر ونرحب بالجميع للانضمام إلينا. وليس إطلاق اللحى شرطا للانضمام إلينا وتستطيع الفتيات بسهولة الانضمام إلى الأسرة مع أخواتنا لأنه لايوجد اختلاط بيننا. مؤكدا أن أسرة النور ليس هدفها الدعوة السلفية فحسب بل ننظم حملات للتبرع بالدم وإقامة مسابقات شعرية وأدبية. ويضيف الحسينى: نحن نؤكد على التعامل بمبادئ الشريعة الإسلامية، لكننا أيضاً نحترم الآخر ويوجد فى الجامعة عدد من التيارات الليبرالية ترفض الفكرة الإسلامية ونحن لا نحتك بهم ونحاول العمل فى صمت وهم لا يقدمون أى عمل خدمى وهى تيارات منزوية لا تعبر عن الواقع لكننا نؤمن بالمقولة التى تقول «اعمل ودع إنجازاتك تتحدث عنك». طالبة أخرى من أسرة النور السلفية رفضت ذكر اسمها قالت: نحن لانتدخل فى السياسة لأننا نركز فى الوقت الحالى على الأنشطة الخدمية وكسر الحاجز النفسى لشكل الملتزمين من الملتحين والمنتقبات وتغيير الفكرة النمطية عن الطالب المتدين وهو أن كل حياته تتلخص فى الدين والتدين فقط بعيدا عن الدنيا وهذا غير صحيح. لا للاختلاط ومن طلاب الإخوان المسلمين يوضح محمد إسماعيل مقرر أسرة «الفجر الباسم» بكلية دار العلوم أن الأسرة تعمل بشكل رسمى لأول مرة بعيدًا عن سطوة الأجهزة الأمنية المتمثلة فى أمن الدولة بمسمع ومرأى من إدارة الجامعة وأن نشاط الأسرة ينقسم ما بين تقديم جداول الفرق الدراسية وحفلات لتكريم المتفوقين وكذلك تنظيم رحلات ليوم واحد للفتيات والشباب كل على حدة فى يوم منفصل وذلك تأكيدًا لمبدأ عدم الاختلاط. أما الشق الدعوى فيهتم بذكر الآيات القرآنية فى المحاضرات، كذلك إطلاق حملة منع الاختلاط خارج نطاق الكلية، وذلك لحث الفتيات والشباب من كل الكليات على منع الاختلاط وتم تعليق لوحات «لا للاختلاط.. أختاه تحلى بأخلاق أمهات المسلمين»، وتم الاستدلال بالآيات القرآنية «قل للمؤمنين يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن» وهناك لوحات تخاطب الشباب «هل ترضاه لأختك» وتتضمن اللوحة صورة توضيحية لفتاة وشاب وهما معا وكتب تحتها «ولامتخذات أخدان»، «تحلى بأخلاق الرسول»، كذلك نجحت الأسرة فى إعادة تنظيم دخول المدرجات ما بين باب خصص للفتيات واللائى يبلغن ثلثى الكلية وباب آخر مخصص للشباب. وأضاف أن هدف الأسرة نشر الضوابط الشرعية لكن دون إجبار، مؤكدًا أن حملة منع الاختلاط ليست حديثة النشأة ولكنها كانت مطوية ضمن حملات التوعية منذ سنوات بمسمى (تحب بجد وترسم قلب) وذلك لأن جهاز أمن الدولة كان يحذر من هذه اللافتات ويزيلها فورًا. 6 إبريل من ناحية أخرى لم ترصد «أكتوبر» وجودا حقيقيا للتيارات الليبرالية كحركة 6 إبريل إلا من خلال المظاهرات الطلابية وكان آخرها مظاهرات رفض اللائحة الطلابية أما وجودها الخدمى والدائم فهو نادر ودعايتها ايضا محدودة ان لم تكن نادرة. وما يحدث بالجامعة عبارة عن نموذج مصغر بالنسبة لما يحدث بالميادين والشوارع ومدن الجمهورية المختلفة،حيث تحضر التيارات الإسلامية وبقوة فى الشوارع من خلال خدماتها المتعددة بينما يكتفى أصحاب الفكر الليبرالى أو اليسارى بالظهور فى الفضائيات فقط أو المظاهرات الصاخبة. من جانبه قال د. حامد طاهر نائب رئيس جامعة القاهرة سابقا وأستاذ الفلسفة بكلية دار العلوم: مادام المجلس العسكرى قد وافق على وجود الجماعات الدينية التى كانت محظورة فعلينا أن نقبل كل الشعارات الدينية التى رفعها الطلاب وما تقوم به الأحزاب الدينية بالجامعات ممكن أن تقوم به الأحزاب الليبرالية والاشتراكية والساحة مفتوحة الآن للجميع أما سبب وجود تيار دينى قوى داخل كلية دار العلوم بالتحديد فهو طبيعة الدراسة الدينية والفقهية بها ويجب ألا ننسى أن هذه الكلية تخرج فيها حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وسيد قطب المفكر والمنظر الإخوانى.