فى الذكرى الأولى للثورة التونسية تمكنت القوى السياسية من وضع الخطوات والهياكل الأولى لبناء الدولة.. ومنذ أيام انتخب المجلس التأسيسى التونسى المنصف المرزوقى «المعارض» رئيسا للجمهورية.. بعد خلافات عاصفة حول الدستور.. وهوية الدولة.. وتجنب سيطرة الإسلاميين لكن يبدو أن التوافق بين الطرفين الإسلاميين والعلمانيين سمة المرحلة التى تركز فى أولوياتها على تشكيل الحكومة خلال الأسبوع الجارى ثم العمل فورا فى الملفات الاقتصادية التى أدت إلى اشتعال الثورة. ودخل الرئيس التونسى المنصف المرزوقى قصر قرطاج بعد انتخابه من قبل المجلس التأسيسى التونسى.. وهو زعيم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية «يسارى قومى» وقد جاءت هذه الخطوة بعد جدل واسع على القانون التأسيسى المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلطات.. خاصة أن هذا الدستور المؤقت يمكن تونس من الدخول فى مرحلة الاستقرار وخطوة أولى لتوزيع السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وتحديد صلاحياتها تمهيدا لصياغة دستور نهائى لتونس.. وتأتى هذه الخطوة وسط مخاوف من هيمنة حركة النهضة التى فازت فى الانتخابات من تجريد رئيس الجمهورية من صلاحياته.. ومنح صلاحيات مطلقة لرئيس الحكومة حمادى الجبالى، وهو مرشح حركة النهضة لكن هذه القسمة تحتاج لتوازنات وتنازلات بين كل الأطراف السياسية فى تونس وصولا إلى التوافق وأن تتجاوز الأطراف السياسية حساباتها الحزبية لصالح إنجاح أول نموذج ديمقراطى فى الوطن العربى وتكون فى مستوى تطلعات الشعب التونسى الذى نجح فى خلع الرئيس السابق الدكتاتور زين العابدين بن على وأن يتم التركيز على التعامل مع الوضع الاجتماعى والأمنى والاقتصادى لتونسالجديدة. ولا شك أن انتخاب المنصف المرزوقى رئيسا لتونس فى الذكرى الأولى لاندلاع الثورة.. يؤكد استعادة شرعية السلطات التنفيذية بعد أن صادق المجلس الوطنى التأسيسى على القانون المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلطة لحين الانتهاء من وضع دستور الجمهورية الثانية وتنظيم انتخابات عامة جديدة. يذكر أن النص القانونى الذى وضع لإدارة البلاد قد أوضح فى ديباجته على أن المجلس الوطنى التأسيسى هو السلطة الشرعية الأصلية والمكلفة من الشعب بإعداد دستور يحقق أهداف الثورة التونسية وبالإشراف على إدارة شئون البلاد. ونص أيضا القانون على مهام رئيس الجمهورية وأبرزها.. تمثيل الدولة التونسية وتوليه مع رئيس الحكومة رسم السياسة الخارجية للدولة بالتشاور والتوافق بينهما.. وتعيين رئيس الحكومة والقيادة العليا للقوات المسلحة.. وإنهاء الحرب وإعلان السلم بعد موافقة ثلثى أعضاء المجلس الوطنى التأسيسى. ومن المتوقع أن يسلم رئيس الحكومة الحالية «تسيير الأعمال» الباجى قائد السبسى. السلطة لرئيس الوزراء الجديد والمرشح بقوة حمادى الجبالى.. فيما تردد أنباء عن تولى صهر راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة الإسلامية حقيبة الخارجية بينما يتولى وزير المالية مهامه من حزب التكتل من أجل العمل والحريات اليسارى وتدور التوقعات حول الوصول إلى حكومة توافق وطنى من العلمانيين والإسلاميين لقيادة البلاد إلى بر الأمان فى هذه المرحلة الصعبة من تاريخ تونس. واللافت للنظر فى التجربة التونسية أن الرئيس المنصف المرزوقى قد استقال من رئاسة الحزب حتى يكون رئيسا لكل التونسيين وأن يتفرغ لمسئولياته وقد جاءت هذه الاستقالة قبل أداء حلف اليمين الدستورية وأعقبها بدعوة رؤساء الأحزاب والأعضاء فى المجلس الوطنى التأسيسى إلى إجراء مشاورات حول تشكيل الحكومة الجديدة وفى إطار توافقى دون إقصاء أو تهميش وفى خطابه إلى الشعب أكد المرزوقى أنه لا يمكن أن تقوم ثورة مضادة لثورة «17» ديسمبر المجيدة التى أطاحت بابن على وتعهد المرزوقى بالعمل من أجل تحسين مستوى معيشة المواطنين وضمان الحق فى الصحة والتعليم وحقوق المرأة.. وشدد على أن من بين مسئولياته والقوى السياسية مكافحة الفساد ونبذ إرادة الحزب الواحد وإعطاء كل الفرص للتداول السلمى للسلطة. وتعهد المرزوقى أيضا بسعيه الدءوب للارتقاء بالمجتمع التونسى وحل جميع مشاكله وعلى رأسها البطالة والتى اعتبرها مسألة كرامة قبل أن تكون مشكلة اجتماعية واقتصادية كما تعهد بالعمل من أجل تحقيق أهداف الثورة وحفظ الاستقرار والإسراع فى الإصلاحات العاجلة وتشجيع الاستثمار وتنمية المناطق المحرومة وإيجاد الموازنة العادلة والمصالحة وأكد على أهمية الاحتفاظ بالهوية العربية الإسلامية للتونسيين والانفتاح على كل الشعوب وأكد أنه سيحمى كافة الحريات للمنتقبات والمحجبات والسافرات وأن يحترم التعددية الفكرية فى المجتمع التونسى.