بحوث جنوب سيناء يستقبل وفود طلابية لتعزيز التعلم التطبيقي في البيئات الصحراوية    وزير الخارجية يدعو إلى سرعة تشكيل "القوة الدولية" في غزة    وزارة الدفاع الروسية تعلن استيلاء قواتها على قريتين أخريَيْن شرقي أوكرانيا    القاهرة الإخبارية: غياب الاحتفالات الرسمية بعيد الاستقلال يعكس عمق التحديات التي تواجه لبنان    وفاة نبيل خشبة أمين صندوق اتحاد كرة اليد    بذكريات الهاتريك.. مرموش يسعى لاستعادة تألقه في البريميرليج أمام نيوكاسل    تاريخ مواجهات الأهلي وشبيبة القبائل قبل لقاء اليوم    فريق قادرون باختلاف يتألق على مسرح وزارة الشباب والرياضة في أسيوط    إسلام سمير: طموحاتي اللعب للثلاثي الكبار.. وأتمنى استمرار عبد الرؤوف مع الزمالك    إيداع اللاعب رمضان صبحي في قفص الاتهام    "التضامن": بدء سداد قيمة رسوم اشتراك الرحلة من الحجاج بداية من غد الأحد    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    أكاديمية الشرطة تنظم دورة تدريبية عن كيفية كشف تزوير وثائق السفر    غرفة السياحة تشيد بجهود الأجهزة الأمنية في مكافحة عمل سماسرة الحج والعمرة    وزارة الصناعة: تخصيص 100 قطعة أرض لمشروعات صناعية جديدة في 16 محافظة    جهاز تنمية المشروعات يشارك في قمة المعرفة التي تنظمها مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة    عاشور: زيارة الرئيس الكوري لجامعة القاهرة تؤكد نجاح رؤية الوزارة في تعزيز الشراكة العلمية    دعم العمالة المصرية بالخارج وتوفير وظائف.. جهود «العمل» في أسبوع    انتخابات النواب، إقبال متواصل للمصريين بالخارج في اليوم الثاني داخل 4 دول    رئيس الوزراء يشارك في فعاليات قمة مجموعة العشرين «G20» بجوهانسبرج    حملات مرورية.. الأوناش ترفع 39 سيارة ودراجة نارية متهالكة    خاص| لجنة من «تعليم القاهرة» تبدأ التحقيق في وقائع مدرسة سيدز للغات    وفاة شاب إثر اصطدام دراجته النارية بشجرة على طريق بحيرة قارون بالفيوم    مصرع عنصر جنائي شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة بقنا    سوريا.. فرق الإطفاء تكافح لإخماد حرائق غابات في اللاذقية وسط صعوبات    إنقاذ حياة مريض بعد جراحة معقدة لإزالة سدة بالشريان السباتي بمستشفى السنبلاوين    وزيرة «التخطيط» تبحث مع «بروباركو» الفرنسية خطط تمويل و تمكين القطاع الخاص    انتخابات النواب بالخارج.. إقبال كبير للمشاركة بانتخابات النواب باليوم الأخير في السعودية وسلطنة عمان |صور    إقبال المصريين على سفارة مصر بباريس في اليوم الثاني للتصويت بانتخابات مجلس النواب    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    تشيلسي في مواجهة سهلة أمام بيرنلي في البريميرليج    مخرجة لبنانية: مهرجان القاهرة منح فيلمي حياة مستقلة وفتح له أبواب العالم    بعد تصدره التريند.. موعد عرض برنامج «دولة التلاوة» والقنوات الناقلة    استخدمت لأداء المهام المنزلية، سر عرض تماثيل الخدم في المتحف المصري بالتحرير    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    فاركو يواجه سيراميكا بحثا عن استفاقة في الدوري    عاشور يناقش مع خبراء تطوير التعليم العالي بالاتحاد الأوروبي تعزيز آفاق التعاون الدولي    وصفات من مكونات طبيعية لتنظيف القولون في المنزل    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 22 نوفمبر 2025    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    موعد تطبيق منظومة السيارات الجديدة بديلة التوك توك فى الجيزة    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    شيكو بانزا يظهر فى مران الزمالك الأخير استعدادا ل زيسكو بعد وفاة شقيقه    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    منظمة الصحة العالمية: أكثر من 16.5 ألف مريض بغزة في انتظار الإجلاء الطبي    سعر الجنيه الإسترلينى اليوم السبت فى البنوك 22-11-2025    اليوم.. محاكمة 6 متهمين بقضية "خلية مصر الجديدة"    «يوميات ونيس».. العمل الذي صنع ذاكرة جيل ورسّخ قيم الأسرة في الدراما المصرية    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    تطورات مثيرة في قضية سرقة عصام صاصا للحن أغنية شيرين    استشارية: خروج المرأة للعمل لا يعفي الرجل من مسؤولية الإنفاق أبدًا    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    محمد التاجي: لولا تدخل السيسي ل"طبل" الجميع للانتخابات وينتهي الأمر دون كشف التجاوزات    محمد التاجي: اعتذار محمد سلام اللحظي خلق «شماتة» ويتعارض مع تقاليد المهنة    مصطفى حجاج يكشف حقيقة الخلاف بينه وبين هاني محروس    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجاسوسية والجواسيس 19 عندما قال أشرف مروان لم أكن عميلا مزدوجا
نشر في أكتوبر يوم 13 - 11 - 2011

كثير من الإسرائيليين على قناعة تامة بأن رجل الأعمال المصرى الراحل، أشرف مروان كان عميلا لهم، وأطلقوا عليه الأسماء الكودية التى تتعامل بها أجهزة المخابرات.. لكن مالا يريدون فهمه حتى الآن أن أشرف مروان- رحمه الله- كان بطلا من أبطال مصر وأنه وجماعة آخرون غيره استطاعوا أن يتلاعبوا بأجهزة مخابراتهم وأن يفيدوا بلدهم أيما إفادة.
ونحن هنا نحاول أن نلقى مزيدا من الضوء على الملف الذى لم يغلق من خلال الحديث الأول والأخير بين أشرف مروان والمؤرخ الإسرائيلى أهارون برجمان، الذى كان أول من صرّح باسم مروان فى كتابه (حروب إسرائيل).
بقيت الرسالة الأولى من بين ثلاث رسائل كما هى على جهاز «الأنسر ماشين» الخاص بالمؤرخ الإسرائيلى برجمان: الساعة 13:52 (هاللو. هاى أما بخصوص الكتاب. اتصل بى على المحمول. شكرا).
«بخصوص الكتاب» كان الكود الذى يستخدمه رجل الأعمال المصرى الراحل د. أشرف مروان لكى يعرف نفسه فى أحاديثه مع المؤرخ الإسرائيلى المقيم فى لندن د.أهارون برجمان.
الرسالتان الأخريان على جهاز الرد الآلى (الأنسر ماشين) الخاص ببرجمان وردتا خلال الساعة ونصف الساعة التالية وتدوران حول نفس الموضوع، وبمجرد وصول برجمان إلى منزله وسماعه للرسائل الثلاث الواردة من أشرف مروان، اتصل به وقررا اللقاء فى اليوم التالى واتفقا على أن يقوم أشرف مروان بالاتصال ثانية لتحديد الوقت والمكان.. وكانت هذه هى المحادثة الأخيرة بين الإسرائيلى أهارون برجمان وأشرف مروان.
ففى اليوم التالى المحدد للقاء-27 يونيو 2007- تم العثور على مروان جثة هامدة أسفل شرفة شقته بالعمارة التى يسكنها فى لندن، وظروف الوفاة غير واضحة.
يقول الصحفى الإسرائيلى يوسى ميلمان المتخصص فى شئون الجاسوسية والمخابرات بصحيفة هآرتس: إن مروان رجل الأعمال المصرى وعميل الموساد طوال السنوات الأربع التى سبقت نشوب حرب أكتوبر 1973، والذى أمد إسرائيل بإنذار استراتيجى بخصوص الخطط المصرية للهجوم- لم ينجح حتى آخر يوم فى حياته فى أن يفهم لماذا قام رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية إيلى زعيرا، وعدد من الصحفيين بالكشف عن هويته؟!
ويضيف ميلمان أن مروان تصادق مع برجمان بصورة مفاجئة وتدعو للاستغراب رغم أن برجمان هذا كان أول من أشار إلى اسمه صراحة فى وسائل الإعلام.. والاثنان كانت بينهما أحاديث مطولة.. تليفونية فى معظمها على امتداد السنوات الأخيرة.
شرطة لندن من جانبها قررت عدم وجود شبهة جنائية فى ظروف وفاة أشرف مروان، وبناء عليه تم إغلاق ملف القضية، لكن الصحفى الإسرائيلى ميلمان يقول: تبقى هناك ثلاثة احتمالات: الاحتمال الأول أن يكون قد انزلق من الشرفة، لكن كل من شاهد سور البلكونة العالى يجد صعوبة فى قبول مثل هذا الاحتمال، والاحتمال الثانى أن يكون قد غرق فى حالة اكتئاب شديدة وأراد أن يضع نهاية لحياته بسبب أن الأمن والمخابرات والقانون فى إسرائيل لم يمنعوا نشر اسمه صراحة، والاحتمال الثالث أن يكون بعض الكبار فى مصر قد ألمحوا إليه بمعرفتهم لتفاصيل ما قام به و(نصحوه) بالانتحار.. ويضيف الصحفى الإسرائيلى لكن جنازته فى القاهرة والتى شارك فيها الكبار من نظام الحكم تشير إلى مدى احترامهم له ولدوره وتجاهلهم لما نشر عن قيامه بالتجسس لصالح إسرائيل.
حكاية المظروف/U/
وفى مقابلة خاصة مع صيحفة هآرتس الإسرائيلية يقول برجمان: «إذا اتضح أن هذه المأساة قد حدثت نتيجة الكشف عن اسمه فسوف أحاسب نفسى طويلا»، وأضاف برجمان- 50 عاما ويعمل محققا فى شبكة ال بى.بى.سى وله العديد من الكتب عن الشرق الأوسط : (من الواضح لى من خلال معرفتى به أن اتصاله بى ثلاث مرات خلال ساعة ونصف الساعة يعنى أنه كان يواجه مشكلة كما أن نبرة صوته لم تكن هى نبرة صوت أشرف مروان الذى عرفت.
ويقول الصحفى ميلمان: قبل حوالى أسبوع من العثور على جثة مروان أسفل شرفته، أرسل برجمان لمروان مظروفا يضم بعض المقالات التى تدور حول التحكيم القضائى فى إسرائيل، بخصوص دعوى السب والقذف التى رفعها رئيس المخابرات العسكرية الأسبق زعيرا ضد رئيس الموساد الأسبق تسفى زامير، ففى عدة مقابلات أجراها زامير مع الصحافة اتهم زعيرا بأنه هو الذى سرب اسم مروان للصحفيين، وبذلك كشف أسرار الدولة العليا، وزعيرا من ناحيته أنكر مثل هذه الاتهامات، والمعروف أن زعيرا فى كتابه عن حرب أكتوبر لم يشر إلى مروان بالاسم.
ويضيف ميلمان أن الذى قام بالحكم فى هذه الدعوى، وهو القاضى السابق تيودور أور، رفض دعوى زعيرا من أساسها وقرر أنه قام بالفعل بالكشف عن اسم مروان.
ويستطرد ميلمان ويقول: وعلى افتراض أن أيا من الرسميين الإسرائيليين لم يحافظ على علاقته بالعميل المصرى، فإن برجمان هو الإسرائيلى الوحيد الذى كان يتحدث معه فى السنوات الأخيرة، وقد دار آخر حديث بينهما على هذا النحو:
برجمان: هاللو.. كيف حالك؟
مروان: بخير، كيف حالك أنت؟ تسلمت مظروفك.
أوضح برجمان لمحدثه نتائج الحكم فى الدعوى، وفى مرحلة معينة- يقول برجمان- سأله مروان (إلى أين وصل الموضوع فى النهاية؟).
برجمان: خلاصة الموضوع أن القاضى أيضا نشر اسمك، معى تقريره، لكن لا يمكننى أن أسلمه لك.
فأنا لا أريد أن تنتهى السلطات فى إسرائيل بأمور لا أنوى القيام بها.
مروان: فاهم.. فاهم.
وعد برجمان بأن يحضر معه فى لقائهما القادم منطوق الحكم وأن يسمح لمروان بالاطلاع عليه، وتنتهى المحادثة على النحو التالتى:
برجمان: بصفة عامة، كيف حالك؟
مروان: على ما يرام، فيما عدا هذا الصداع (يقصد ما ينشر حوله).
وكانت العلاقة بين الاثنين- برجمان ومروان- قد بدأت بالشك المتبادل. يقول برجمان: عندما نشرت عام 2002 كتابا ألمحت فيه إلى أن مروان كان عميلا مزدوجا، ضلل إسرائيل ولم يطلعها على الوقت المحدد لنشوب حرب أكتوبر 1973.. لكننا تصالحنا بعد ذلك.
وحكاية «العميل المزدوج» هذه كان قد بدأها زعيرا فى أعقاب نشر نتائج لجنة أجرانات الخاصة بالتحقيق فى الفشل الإسرائيلى قبل وأثناء حرب أكتوبر 1973، وهى النتائج التى ألقت بمسئولية الفشل الاستخباراتى على عاتق زعيرا، لأنه قال قبل عدة ساعات من نشوب الحرب إن هناك (احتمالا ضعيفا) بأن يقوم المصريون والسوريون بالهجوم، لكن زعيرا أراد أن يلقى بتهمة الفشل الاستخباراتى على الموساد الذى كان مسئولا عن تشغيل العملاء.
ويقول ميلمان على صفحات هآرتس إن مروان الذى ولد فى مصر عام 1944 هو ابن ضابط كبير فى الحرس الجمهورى فى عهد عبد الناصر، وقد درس الكيمياء بالجامعة وتزوج من منى ابنة الرئيس الراحل عبدالناصر، ويضيف ميلمان: وعلى العكس مما كان يأمله فى أن يصبح اليد اليمنى للرئيس فإن عبد الناصر لم يتعامل معه بجدية، فلجأمروان إلى العمل الخاص.
وفى عام 1969 دخل مروان السفارة الإسرائيلية فى لندن وقال إنه يرغب فى العمل مع الموساد!! فتم ترتيب لقاء له مع ضابط مخابرات أراد أن يعرف من هو وماهى علاقاته وأى معلومات يمكن أن يمد إسرائيل بها، وكم يطلب مقابل ذلك، وفى نهاية اللقاء وكما هو متعارف عليه لدى أجهزة المخابرات قيل له إنهم سوف يبحثون الأمر ويتصلون به، ويضيف ميلمان: بعد دراسة الموضوع دراسة متأنية تقرر عدم اللجوء إلى مروان والاستعانة بخدماته لأنهم فى المخابرات يتحفظون بشأن من يعرضون خدماتهم تطوعا ويخشون أن يكونوا مدفوعين من قبل جهاز مخابرات منافس، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لم يكن لدى مروان معلومات ذات قيمة، لكن مروان- على حد قول ميلمان- كان مصرا، فبعد عدة أشهر جاء إلى السفارة مرة ثانية وهو يحمل معلومات مهمة، وبعد دراسة الموضوع ثانية تقرر اعتماده عميلا للموساد!
ويقول ميلمان إنه على امتداد سنوات عمله فى الموساد كانت له عدة أسماء كودية من بينها (الملاك) و(بابل) و(العريس) و(زوج الابنة).. إلخ.. وكانت اللقاءات بينه وبين ضابط المخابرات الإسرائيلى (دال) تتم فى لندن وفى مدن أوروبية أخرى كل شهرين أو ثلاثة.. وكانت معلوماته على درجة كبيرة من الأهمية لدرجة أن زامير رئيس الموساد وفى خطوة نادرة قرر مقابلته بنفسه.
فى عام 1970 توفى عبد الناصر وتولى السادات من بعده، واقترب مروان كثيرا من الرئيس الجديد ومعاونيه، وتحسن وضعه كثيرا عما كان عليه أيام عبدالناصر، وهكذا وإلى جانب أعماله الخاصة عمل كمستشار للسادات ورافقه فى رحلاته لعواصم العالم العربى، وحضر لقاءاته وتمكن من الاقتراب كثيرا من أسرار سياسية وعسكرية، وفى عام 1971 أمد إسرائيل بمعلومات استراتيجية حول قيام السادات ورجاله باتخاذ قرار الحرب ضد إسرائيل.
وفى مساء 4 أكتوبر 1973، أى قبل الحرب بيومين، اتصل مروان بضابط المخابرات الإسرائيلى بشكل مفاجئ، وطلب مقابلة زامير، وحدد مكان اللقاء وموعده، وكان من الواضح أن مروان لديه معلومات مهمة للغاية بخصوص الحرب، وفى صباح اليوم التالى، سافر كل من زامير وضابط المخابرات (دال) إلى لندن، وفى العاشرة مساء التقيا مع مروان لمدة ساعة ونصف الساعة تقريبا وأطلعهما مروان على أن الحرب سوف تنشب بعد ذلك بيوم واحد، أى يوم السبت، لكن فى أى ساعة؟ هذا هو الموضوع الذى جعل الإسرائيليين يتشككون فى أمر مروان، ويصل بهم الأمر إلى تبادل الاتهامات فيما يختص بنجاحه فى تضليل مخابراتهم.
المهمم أنه فى نهاية هذه المقابلة اتصل زامير بالتليفون العادى ومن مكان اللقاء بمدير مكتبه فى إسرائيل وأبلغه باستخدام أكواد سرية متفق عليها مسبقا بنتيجة اللقاء، وتم إبلاغ السكرتير العسكرى ومنه لرئيسة الوزراء آنذاك جولدا مائير، وفى اليوم التالى نشبت الحرب وعاد مروان إلى مصر بعد مرور عدة أيام، ويضيف ميلمان أن الاتصالات معه استمرت على (نار هادئة) ولكن بالتدريج انطفأت ولم يعد لها أثر.
لم يكن عميلا مزدوجا!/U/
فى عام 1993، نشر زعيرا كتابا عن حرب أكتوبر، ثم صدرت طبعة جديدة من نفس الكتاب عام 2004 عن دار نشر (يديعوت أحرونوت)، وفى كلا الكتابين تحدث زعيرا صراحة عن (العميل المزدوج) فى حرب أكتوبر 1973 التى يسمونها فى إسرائيل (حرب يوم الغفران)، وفى أواخر التسعينيات بدأ بعض الصحفيين ومن بينهم برجمان- عن طريق زعيرا ومصادر أخرى- يخمنون من هو العميل المزدوج.
وكان برجمان هو أول من بدأ ينشر صراحة تلميحات عن هوية العميل، ففى كتابه «حروب إسرائيل Israel,s Wars» والذى صدر عام 1999 أسماه (اليد اليمنى للرئيس السادات)- وفى كتاب آخر نشره عام 2002 وكذلك فى مقال نشره فى يديعوت أحرونوت فى نفس العام، أسماه (العريس). ويقول برجمان إن هذه التسمية من تأليفه، ويضيف ألفت هذه التسمية لتكون بمثابة خط دفاعى إذا ما رفع مروان دعوى قذف ضدى، فعندئذ سوف أقول إن هذا هو اسمه فى (الموساد).
وقد نجح يوسى ميلمان الصحفى الإسرائيلى فى العثور على المؤرخ الإسرائيلى برجمان فى لوجانو بسويسرا، وهناك دار بينهما الحديث التالى:
- كيف نشأت العلاقة بينك وبين أشرف مروان؟
- أرسلت إليه مقالاتى وكتبى، وفى أول كتاب أرسله إليه كتبت اهداء «إلى أشرف مروان، بطل مصر» وبعد مقابلتى مع إحدى الصحف المصرية، اتصل بى وقال (المتحدث هو الشخص الذى كتبت عنه) ولم يحدث ولو فى مرة واحدة أن قدم نفسه باسمه، تحدثنا قليلا، وعندئذ قال: (أريد أن أقول لك ثلاثة أشياء: أولا لن أتناقش معك «بخصوص الادعاء بأنه عميل مزدوج». وثانيا أنت لك أعداؤك وأنا لى أعدائى، فلا تستمع إلى أعدائى، وثالثا يجب أن نلتقى).
وفى حديث تليفونى آخر، بعد حوالى ستة أشهر، سأل مروان برجمان السؤال الذى تكرر لمرات كثيرة بعد ذلك: (لماذا يفعلون هذا بى)؟ وعلى حد قول برجمان فإنه كان يقصد إسرائيل والموساد، وعاد ليسأل المرة تلو الأخرى: لماذا يبحثون عن الانتقام؟
***
فى 23 أكتوبر 2003 التقى برجمان مع مروان للمرة الأولى والأخيرة، يقول برجمان: عند وصوله إلى بهو الفندق الذى جرى فيه اللقاء شاهدته يروح ويجىء.. طويل ونحيف.. كان يرتدى بدلة مع كوفية حمراء اللون.. احضرت له بعض الكتابات التى كتبت عنه باللغة العبرية، والتى ترجمتها إلى الانجليزية من أجله.. حكى لى بأنه يكتب كتابا، لكن هذا سوف يستغرق بعض الوقت، وأضاف أنه سوف يتشاور معى بين الحين والآخر.. وطلب أن أطلعه على الأحوال فى إسرائيل.
عندئذ سأله ميلمان ما الذى قصده؟
يبدو لى أنه أراد سماع ما يقولونه وما يكتبونه عنه فى إسرائيل، سألته عن مصر وعن رد فعلهم هناك لهذه القصة. فقال: إن المصريين غالبا لا يتحدثون فى مثل هذه الأمور.
عاد برجمان يستدعى من الذاكرة تفاصيل اللقاء الأول والأخير: (كان حذرا للغاية فى انتقاء كلماته وعصبيا بعض الشىء، وعندما مسست رابطة عنقى، أظهر بعض العصبية، فهو على ما يبدو خشى أن أقوم بتصويره أو التسجيل له سرا.
- هل سألته صراحة عما إذا كان عميلا للموساد أو عميلا مزدوجا؟
- لا، لم أضغط عليه لأنى كنت أعلم بحساسية الموضوع، لكننى سألته عن التحذير الذى بعث به أو لم يبعث به قبل الحرب.
- من المعروف اليوم أن هذا غير صحيح، وقد كتب فى ذلك الدكتور أورى بار-يوسيف فى كتابه «المراقب الذى نام» وكذلك كبار رجال الموساد، دافيد أربيل، وأورى نئمان فى كتابهما «أنشودة شكر بدون غفران».
- لا أعرف ما إذا كان هذا صحيحا أم لا.. ولكن مروان أجابنى (عدة ساعات.. وما الأهمية فى ذلك)؟.
ويضيف برجمان أن مروان ختم حديثه معه بقوله إنه كان يريد أن (يموت الموضوع برمته).
ويحكى برجمان عن حديث تليفونى آخر جرى فى أكتوبر 2006 فيقول: اتصل بى أشرف مروان هذه المرة دون أن أرسل له شيئا، كان وقتها فى الولايات المتحدة للعلاج ودار بيننا الحديث لما يقرب من 40 دقيقة، استعان بحيلته القديمة.. أن يتصل ويصمت.. وعندما سمع صوتى أغلق الخط واتصل من جديد.. طلب معرفة اسم الكتاب الجديد لأرييه شاليف (نائب زعيرا أثناء الحرب) والذى اتهمته لجنة أجرانات أيضا بالتقصير. وأضاف مروان:(بإمكانهم أن يقولوا ما يشاءون.. لكن النتيجة تتحدث عن نفسها.. جولدا مائير ارادت الانتحار.. والإسرائيليون فقدوا مئات الدبابات فى أيام الحرب الأولى.. وأنا لست سوبر مان).
ويواصل برجمان استدعاءه لذاكرته ويقول: حكى لى أشرف مروان أنه كان يكتب خطب السادات وأنهم كانوا حوالى 40 شخصا مهمتهم دفع إسرائيل إلى التفكير فى اتجاه معين.
- أى اتجاه؟
- أن يجعلوا إسرائيل تشعر بأن مصر غير قادرة على الحرب.. وقتها قال لى أشرف مروان جملة لن أنساها مدى الحياة: (لم أكن عميلا مزدوجا، ولكن كانت مصر كلها)!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.