شاهد.. تجهيز لجان امتحانات الترم الثاني بمدارس القاهرة لاستقبال الطلاب غداً    اليوم.. مجلس النواب يناقش حساب ختامي موازنة 2022/2023    سعر الريال السعودي بالبنوك اليوم الثلاثاء 7-5-2024    فرصة للمخالفين في البناء.. بدء تلقي طلبات التصالح اليوم بالمحافظات    سعر الدولار بالجنيه اليوم الثلاثاء 7-5-2024 .. الآن في البنوك والسوق السوداء بعد الإجازة    أسعار الخضروات اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في قنا    أسعار الأسمنت اليوم الثلاثاء 7 - 5 - 2024 في الأسواق    سعر كيلو العدس، أسعار العدس اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في الأسواق    جيش الاحتلال يعلن السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح    ماذا نعرف عن مدينة رفح التي تهدد إسرائيل باجتياحها عسكرياً؟    إصابة الملك تشارلز بالسرطان تخيم على الذكرى الأولى لتوليه عرش بريطانيا| صور    الجيش الإسرائيلي: تم إجلاء الغالبية العظمى من السكان في منطقة العمليات العسكرية شرقي رفح    صباحك أوروبي.. صراع أرسنال وسيتي.. مصير جواو فيليكس.. وثقة ميلان    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الاتحاد السكندري بالدوري    ميدو: الزمالك رفض التعاقد مع علي معلول    5 محافظات تشهد سقوط أمطار متفاوتة الشدة | عاجل    اليوم، عرض عصام صاصا على الطب الشرعي لإجراء تحليل مخدرات    حالة الطرق اليوم، كثافات متحركة بمحور صفط اللبن وشارعي شبرا مصر ورمسيس    الزراعة: 35 ألف زائر توافدوا على حدائق الحيوان والأسماك في شم النسيم    بعد قليل.. بدء محاكمة المتهم بإنهاء حياة طفلة مدينة نصر    غدًا.. انطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل والشهادة الإعدادية بالوادي الجديد    7 نصائح لعلاقة ودية بعد الانفصال مثل ياسمين والعوضي.. «ابتعدي عن فخ المشاكل»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    هل يجوز أداء سنة الظهر القبلية أربع ركعات متصلة.. مجدي عاشور يوضح    صدق أو لاتصدق.. الكبد يستعد للطعام عندما تراه العين أو يشمه الأنف    ياسمين عبد العزيز:" عملت عملية علشان أقدر أحمل من العوضي"    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الثلاثاء 7 مايو 2024    «القاهرة الإخبارية» تعرض لقطات لفض شرطة الاحتلال بالقوة المظاهرات في تل أبيب    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    ياسمين عبدالعزيز: «بنتي كيوت ورقيقة.. ومش عايزة أولادي يطلعوا زيي»    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    خبير لوائح: أخشي أن يكون لدى محامي فيتوريا أوراق رسمية بعدم أحقيته في الشرط الجزائي    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    وسائل إعلام أمريكية: القبض على جندي أمريكي في روسيا بتهمة السرقة    مصر تستعد لتجميع سيارات هيونداي النترا AD الأسبوع المقبل    ميلكا لوبيسكا دا سيلفا: بعد خسارة الدوري والكأس أصبح لدينا حماس أكبر للتتويج ببطولة إفريقيا    شبانة ينتقد اتحاد الكرة بسبب استمرار الأزمات    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    وكيل صحة قنا يجري جولة موسعة للتأكد من توافر الدم وأمصال التسمم    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    البيت الأبيض: لا ندعم أي عملية عسكرية إسرائيلية تستهدف المدنيين الفلسطينيين برفح    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    الفرح تحول ل مأتم.. أول صورة ل شاب لقى مصرعه في حادث مروري خلال زفة عروسين بقنا    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    "أنا مش بحبه أنا بعشقه".. ياسمين عبد العزيز تدخل في نوبة بكاء    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذالا تفرج الأجهزة الأمنيةعن سجل عمليات أشرف مروان لمواجهة الادعاءات الإسرائيلية؟

من المدهش أن مصر تلتزم الصمت تجاه محاولات إسرائيل لتشويه سمعة «أشرف مروان» وتلبيسه ثوب الخائن لوطنه وشعبه
أشرف مروان
الآن وبعد مرور ثلاث سنوات علي قصة سقوطه المفاجيء من شرفة شقته في منطقة بيكاديلي سيركاس في حي مايفير الراقي وسط لندن في السابع والعشرين من شهر يونيو عام 2007، مازالت قضية أشرف مروان مفتوحة علي مصراعيها بعدما بدأ القضاء البريطاني في إجراء تحقيقاته العلنية بناء علي ظهور شواهد جديدة بالقضية
عائلة مروان تقف خلف تحريك القضية بعد كل هذه السنوات العجاف التي ظلت إسرائيل خلالها ومازالت تردد تلك القصة الصبيانية العابثة عن أن مروان كان جاسوسا بامتياز لصالحها وأنه خان بلده وعمل تحت عباءة جهاز المخابرات الاسرائيلية( الموساد).
وفقا لتصريحات جوانا نيكول مسئولة ملف القضية في محكمة التحقيق بمنطقة ويستمنستر، التي تنظر أمامها القضية،فإن قرار بدء التحقيق العلني اتخذ خلال اجتماع شارك فيه رئيس المحكمة والشرطة ومحامي أسرة مروان.
وستكون مهمة التحقيق العلني الذي طال انتظاره ويتزامن مع الذكري الثالثة لوفاة مروان الغامضة، حسب وصف الشرطة تحديد ما إذا كانت الوفاة جنائية أو حادثا عاديا أو انتحارا.
من المدهش أن اسرائيل لا تزال تتحدث بهذا الشكل غير اللائق عن مروان الذي لم يكن شخصا عابرا في تاريخ هذا البلد كما لم يكن مجرد مصري قتل في الخارج في ظروف غامضة.
ومن المدهش أيضا أن الدولة المصرية مازالت تعتصم بالصمت حيال هذه الترهات الاسرائيلية التي تثير الغثيان والاشمئزاز في محاولة يائسة لتشويه سمعة الرجل وتلبيسه ثوب الخائن لوطنه وشعبه.
مازالت أوراق ملف مروان محجوزة في أروقة جهاز المخابرات العامة في انتظار اللحظة المناسبة لنشرها، ذلك أنه ليس كل ما يعرف يقال وفقا لتلك القاعدة الذهبية التي يعمل بها أي جهاز مخابرات في العالم، بيد أن القضية بدأت تأخذ منحي يستحق التوقف عنده كي يعلم المصريون حقيقة ما فعله مروان وحجم تلك الأسرار الخطيرة التي تمنع بلاده حتي بعد وفاته من البوح بها.
في عرف المخابرات فإن مروان الذي خدم بلاده بوطنية وفي سرية تامة وفي ظروف خاصة مازالت لسيرته علاقة ببعض الأسماء المعروفة في عدة دول عربية وغربية، وخروج تلك الأسرار في هذا التوقيت لن يفيد أحداً.
وحتي يأتي اليوم الذي يكشف فيه رجال كوبري القبة عن تفاصيل ملف مروان دعونا نلقي نظرة علي الرجل الذي رحل في ظروف مأسوية لاتليق بما أنجزه وقدمه.
يتطلب الأمر الكثير من الثبات الانفعالي والثقة بالنفس لكي تنظر مباشرة إلي أعين رئيس دولة يتمتع بكاريزما القيادة والسيطرة والزعامة بوزن وحجم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لكي تطلب منه يد ابنته للزواج، ويتطلب الأمر أيضا الكثير من الحنكة والبراجماتية لكي توافق علي العمل مع خليفته الرئيس الراحل أنور السادات ولا تنظر خلفك لأصدقائك ومعارفك من مراكز القوي الذين التهمهم السادات طعاما علي مائدة الإفطار قبل أن يلتهموه هم علي مائدة العشاء.
لكن الأمر يتطلب ما هو أبعد وأعقد من ذلك بكثير عندما تلاحقك تهم الخيانة والعمالة للعدو رقم واحد للشعب المصري( إسرائيل) من دون أن تنبس ببنت شفة أو تحرك ساكنا للرد علي هذه الشائعات التي لاحقت أشرف مروان حتي مثواه الأخير.
ربما كان مروان هو أول مصري علي الإطلاق في التاريخ الذي يقف رئيس بلده علي الملأ لكي يصدر صكا ببراءته من التهم التي طاردته حيا وينفي عنه للمرة الأولي رسميا كونه عميلا للمخابرات الإسرائيلية ( الموساد).
باختياره الشخصي ولاعتبارات تتعلق بدواعي السرية المفروضة علي الأنشطة التي مارسها لصالح الدولة المصرية، كان يتعين علي مروان أن يكون تجسيدا حيا لمقولة الكلاب تعوي والقافلة تسير.
ولطالما نصح مروان ابنه جمال مالك ومدير قناة ميلودي المتخصصة في الموسيقي والغناء
كما قال في حديث مؤخراً: «ابني عندما تسير في الشارع إذا نبح كلب مسعور دعه وأكمل طريقك، كي لا تعطيه فرصة أن يقول إنّه جذب اهتمامك، أمّا إذا عضّك الكلب فخذ سكينًا واذبحه».
طبق مروان الذي لقبته الصحف المصرية في فترة عدائها له بالطفل المعجزة، هذه النصيحة علي نفسه فمضي في طريقه غير عابيء بما يتردد عن نجاح المخابرات الإسرائيلية في تجنيده وانه كان أخطر عملائها في قلب مؤسسة الرئاسة المصرية ويعمل تحت اسم حركي بابل أو الصهر في إشارة إلي مصاهرته للرئيس عبدالناصر.
يعتقد الجميع أن انكسار الصمت الرسمي الذي التزمته الدولة المصرية ومروان نفسه في حياته جاء متأخرا، بينما العالمون ببواطن الأمور يؤكدون في المقابل أن السكوت لا يعني دائما الرضا وأن كواليس ودسائس عالم المخابرات الذي دخله مروان لسنوات من بابه الواسع منعت السلطات المصرية أو حتي الراجل نفسه من نفي الروايات الإسرائيلية في هذا الصدد.
لم تكن كلمات الرئيس حسني مبارك للصحفيين المرافقين له وهو عائد علي متن الطائرة الرئاسية من العاصمة الغانية أكرا حيث شارك العام 2007 في قمة الاتحاد الأفريقي، الذي وصف مروان بأنه كان وطنيا مخلصا لوطنه، مجرد تأبين للفقيد لكنها كانت بالأساس ردا لاعتباره بشكل رسمي لا يقبل التشكيك ويقطع دابر كل ما سوقته دوائر المخابرات الإسرائيلية وآلتها الدعائية حول الرجل قبل مماته.
يومها قال مبارك أشرف مروان كان وطنيا مخلصا لوطنه وقام بأعمال وطنية لم يحن الوقت بعد للكشف عنها.. ولكنه كان بالفعل مصريا وطنيا ولم يكن جاسوسا علي الإطلاق لأية جهة». واعتبر أن ما نشر عن إبلاغ أشرف مروان إسرائيل بموعد حرب أكتوبر 1973، لا أساس له من الصحة.
الكلمات سبقتها جنازة رسمية شارك فيها كبار رجال الدولة المصرية وكان لافتا أن جمال مبارك نجل الرئيس تصدر المشيعين في رسالة أخري علنية تنفي الشبهات عن الرجل.
لكن لماذا تأخر هذا الاعتراف بوطنية الرجل ؟ علما بأن السلطات المصرية تجاهلت مطالب عدد من أعضاء مجلس الشعب بفتح تحقيق رسمي بشأن المعلومات التي تضمنها كتاب (الأسطورة ضد الواقع.. حرب يوم كيبور.. إخفاقات ودروس) لايلي زعيرا رئيس الموساد الذي زعم أن مروان قدم لإسرائيل معلومات تؤكد استعداد القاهرة ودمشق لشن حرب لكن القيادة الإسرائيلية حينذاك تجاهلت تلك المعلومات.
الرواية الإسرائيلية التي هزت الشارع المصري ولم تنفها وقتها السلطات المصرية ادعت أن مروان زار سفارة إسرائيل في لندن عام 1969 عارضا خدماته علي الموساد ليكون رجلهم في بيت عبدالناصر ورئاسة الجمهورية التي يعمل بها وأنه تطوع لتقديم معلومات لكن طلبه رفض ليتم تجنيده بعد ذلك من قبل الموساد.
ووفقا لما نشره الصحفي والمؤرخ الاسرائيلي «أهارون بيرجمان» في كتابه المعنون «تاريخ إسرائيل» فإن مروان حمل أسماء حركية مثل: «الصهر» أو «العريس» أو «رسول بابل»، وأن ما كان يرسله من تقارير كانت قراءتها مقصورة علي كبار مسئولي الدولة العبرية كما زعم أن مروان طلب قبل يومين فقط من حرب يوم السادس من أكتوبر موعداً عاجلاً مع رئيس الموساد تسفي زمير تم في اليوم التالي في لندن وأبلغه خلاله بموعد الهجوم المصري السوري المشترك.
حتي الآن لم تقدم المخابرات المصرية روايتها الرسمية ولم تعلق علي كل ما قيل وهو ما زاد الأمر غرابة لدي رجل الشارع العادي وحتي بين أوساط المثقفين والنخبة السياسية.
يقول مسئول سابق في جهاز سيادي مصري أنه عندما يتم الإفراج عن الوثائق والمستندات السرية والرسمية الخاصة بأشرف مروان التي تحتفظ بها المخابرات العامة ( المصرية) فان الجميع سيعلم عن يقين معدن الرجل وأنه كان من أشرف وأنبل الرجال الذين خدموا وطنهم وعملوا لخدمة شعبهم في صمت وبلا ضجيج أو رغبة في الشهرة والأضواء.
كلمات المسئول الأمني تتسق مع إعلان مبارك أن اشرف لم يكن جاسوسا علي الإطلاق لأي جهة وأنه في المقابل قام بأعمال وطنية لم يحن الوقت بعد للكشف عنها.
لا يعرف أحد موعدا محددا لصدور الأرشيف السري الخاص بكل العمليات والمهام السرية التي نفذها مروان لصالح المخابرات المصرية خاصة وأن الضبابية لاتزال تحول دون نشر هذه الأوراق استنادا إلي حرية المعلومات وتداولها.
لكن ليس كل ما يعرف يقال هذه هي نفسها القاعدة الذهبية لكل العاملين في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.
« ربما كان في الأمر خطورة علي حياته الشخصية لو أذيعت كل الأسرار قبل وفاته ولربما تعرض لانتقام أو مضايقات من أي نوع »، هكذا يري المسئول الأمني، الأمر الذي حار الجميع في تفسيره.
وما يجعل كلام هذا المسئول ذي مصداقية هو المعلومات الخاصة بمشاركة مسئولين مصريين في التحقيقات التي أجرتها السلطات الإنجليزية حول ملابسات مصرع مروان الذي انتهي وحيدا غريباِ في عاصمة الضباب والثلج.
ومن المدهش أن أحدا لم يعرف علي وجه اليقين ما آلت إليه هذه التحقيقات، أو ما إذا كانت قد نجحت في حسم هوية من أقدموا علي نحر مروان لكي يبدو كعملية انتحار ساذجة غير مقبولة ولا مستساغة.
عاش الرجل بكل المقاييس حياة صاخبة مليئة بالأحداث الجسام التي أتعبت قلبه وجعلته عرضة لخمس عمليات جراحية قبل أن يتجه إلي العاصمة الإنجليزية التي أحبها بشغف واختارها ملاذا أخيرا له بعيدا عن القاهرة وصخبها الاعلامي والسياسي وتفاديا لكل ما قيل عنه.
لكن رحيل مروان إلي لندن كان نهاية الرحلة فهو لم يعد منها سوي جسد مسجي في تابوت خشبي لفه علم بلاده قبل أن يواري الثري في مشهد وداعي حزين وإجراءات أمنية مشددة وجنازة رسمية مهيبة.
ظهر أشرف مروان المولود عام 1945 علي سطح الحياة السياسية في مصر لدي اقترانه بمني الابنة الثانية للرئيس عبدالناصر، التي كان قد التقاها مصادفة في أحد الأندية الرياضية وبادلته إعجابا بإعجاب ولم يحجم مروان عن التفكير في الارتباط بها رغم معرفته بشخصية والدها الرئيس.
كان مروان يحمل مؤهلات أكثر من معقولة فهو سليل عائلة ثرية حيث كان جده يحمل لقب البكوية منذ العهد الملكي ووالده كان ضابطا في الجيش وتحديدا في هيئة الإمداد والتموين.
وإلي جانب وضعه المالي المريح فقد كان مروان موظفا مدنيا في المعامل المركزية للقوات المسلحة بعدما نال بكالوريوس العلوم قسم كيمياء بدرجة جيد من جامعة القاهرة.
عندما أيقن الرئيس عبدالناصر جدية مروان في طلب الاقتران بمني وموافقتها كانت الترتيبات النهائية هي آخر ما يشغل بال الجميع.
في حفل الزفاف غنت سيدة الشرق أم كلثوم والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ ورقصت الشهيرة نجوي فؤاد في أجواء اكتست بالطابع الرسمي بعيدا عن رجل الشارع العادي.
بعد الزواج كان بديهيا أن يسعي عبدالناصر إلي الاستفادة من صهره فطلب أولا من مدير مكتبه سامي شرف إلحاق مروان بمكتبه للمعلومات والمتابعة وانتدابه من عمله الأصلي في الجيش.
كانت شخصية عبدالناصر نفسها ترفض المحاباة والمجاملة لذلك ظل دور مروان في عهده وقد اقترب من نهايته محدودا للغاية، لكن وفاة عبدالناصر منحت مروان فرصته الحقيقية علي نحو مدهش.
في منزل الرئيس ومكتبه كان مروان يتعامل مع كبار المسئولين في العالم العربي وخارجه باحترام كبير لصراحته وحديثه المباشر، ونجح في فترة وجيزة في تكوين شبكة علاقات عامة قوية مع كل زوار الرئيس سواء في مكتبه أو منزله.
بدا أن الأمر يزعج بعض من اعتادوا علي اهتمام عبدالناصر، يقول أحد أصدقائه: «كان يري أن رجال الرئيس ومساعديه لا يتركون له فرصة لإظهار قدراته، كان يشعر أنه محاصر ولم تكن تروقه أفكارهم، كما كانت نظرتهم إليه ليست علي النحو الذي يرضيه».
بعدما توفي عبدالناصر حافظ مروان علي موقعه في مكتب خليفته الرئيس الراحل أنور السادات، وكان مدهشا أن ينحاز مروان إلي السادات عندما قرر في الخامس عشر من شهر مايو عام 1970 القيام بما أسماه لاحقا ثورة التصحيح والقضاء علي مراكز القوي وهو التعبير الذي دشنه السادات نفسه في إشارة إلي كل رجال العهد الناصري الذين لم يرق لهم كثيرا محاولة السادات التمدد خارج منطقة نفوذهم أو تغيير طبيعة ما اعتادوا عليه.
وحده مروان الذي أدرك طبيعة الصراع وحسم أمره سريعا بوضع ثقله المعنوي كصهر للرئيس الراحل عبدالناصر في ميزان السادات، ومجددا بدا الأمر محيرا لرجال عبدالناصر الذين أيقنوا بعد فوات الأوان أن نظرتهم في مروان كانت صائبة.
عشية يوم الحسم جرت واقعة مشهورة تخص الخزانة الحديدية الخاصة بالرئيس عبدالناصر والتي قيل إنها تضم أسراراً ووثائق مهمة كان ناصر يحتفظ بها إلي جواره نظراً لحساسيتها وخطورتها.
يقول الدكتور محمود جامع الصديق المثير للجدل للرئيس السادات في رواية منشورة: إن مروان تصدي لمحاولة سرقة الخزانة كان سامي شرف قد طلب من بعض معاونيه القيام بها قبل اعتقاله ضمن مجموعة مراكز القوي.
عندما توجه رجال شرف لتنفيذ المهمة العاجلة والخطيرة فوجئوا بأشرف مروان يجلس بجوار الخزانة شاهرا مسدسه الشخصي مهددا إياهم بإطلاق النار عليهم إذا ما فكروا في الاقتراب من الخزانة أو وضع أيديهم عليها ( وفي رواية أخري أنها أطلق النار بالفعل علي السيارة التي يستقلونها) وبشكل ما نجح في إبلاغ السادات بحقيقة الأمر فحضر علي الفور وتسلم الخزانة في حضور مستشاره السابق حسن التهامي.
يومها كان مروان يكتب تاريخه من جديد فهو بات يحظي بثقة السادات الذي رأي أيضا في وجود مروان إلي جواره في مؤسسة الرئاسة خير رد علي من اتهموه ومازالوا بالتنكر لإرث الحقبة الناصرية وسياستها.
قبلها كان مروان هو الجسر الذي عبر منه هذا الضابط المصري الذي تمكن بحكم عمله من الحصول علي أشرطة صوتية تمثل إدانة خطيرة لكل أعداء السادات، يومها أخذ مروان التسجيلات الصوتية بنفسه إلي السادات الذي جلس يستمع في ذهول إلي مساعديه وكبار المسئولين في الدولة يتآمرون ضده بلبل .
صفقة الخزانة ثم الأشرطة إن صح التعبير مكنت مروان من الخروج من عباءة كونه محسوباً علي عبدالناصر إلي مكتب السادات الذي توثقت علاقته بها وبات يعتمد عليه في كثير من الشئون العامة والخاصة وكافأه بتعيينه مسئولا عن شئون المتابعة التي كانت سابقاً في عهدة سامي شرف..
بعدها سعي البعض إلي الوقيعة بينها وبين السادات فاتهموه بإساءة استخدام نصبه لأغراض شخصية وأنه حصل لنفسه علي عمولات ضخمة من صفقة شراء مؤسسة الرئاسة لبعض السيارات، لكن التحقيقات انتهت إلي براءته وزيادة ثقة السادات فيه
ثمة من يقول: إن علاقة مروان بعائلة عبدالناصر قد تراجعت كثيرا بعدما وثق علاقته بالسادات، لكن في كل الأحوال فقد استغل مروان الفرصة ببراعة وسرعان ما تجلت مواهبه في حل بعض الإشكاليات التي كانت تتعرض لها طلبيات السلاح التي يحتاجها الجيش من هنا أو هناك في سنوات الإعداد لحرب أكتوبر عام 1973.
لسنوات طويلة عمل مروان كحلقة وصل وربط بين السادات وكثير من العواصم العربية وخاصة ليبيا حيث نجح في نسج علاقات خاصة مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي ونائبه ( آنذاك) والمبعد حاليا عبدالسلام جلود، ولعل هذا ما يفسر حرص ليبيا علي المشاركة في تشييع جنازة مروان حيث مثلها وفد ترأسه عبدالمنعم الهوني أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة والمندوب الحالي لدي الجامعة العربية.
يقول الهوني ل«الدستور»: «كان الفقيد محبوباً لدي كل القيادات الليبية، له أسلوبه الخاص في حل أي مشكلة وكان صريحاً للغاية ونجح في توثيق العلاقات المصرية الليبية في مرحلة حرجة».
ومرة أخري قفز مروان قفزة كبيرة إلي الأمام حيث منح السادات وسام الجمهورية من الطبقة الأولي تقديرا لما قام به من جهود خلال حرب 1973، ثم عينه في العام التالي سكرتيرا للاتصالات الخارجية علي نحو جعله تقريبا بمثابة وزير مواز لوزير الخارجية المصري الأسبق( آنذاك) إسماعيل فهمي.
علي أن الدسائس والمكائد لم تتوقف من حوله حتي قرر السادات إنهاء علاقة مروان بمؤسسة الرئاسة ومكتبه الشخصي، وبالفعل في التاسع والعشرين من شهر يونيو عام 1974 عينه مقررا للجنة العليا للتسليح والتصنيع الحربي، قبل أن يصبح أول رئيس عام 1975 للهيئة العربية للتصنيع التي أنشئت في شهر أبريل من العام نفسه بمشاركة قطر والسعودية ومصر والإمارات بهدف بناء وتطوير قاعدة صناعية تكنولوجية متقدمة.
ولعب مروان أيضا دوراً مؤثراً من خلال اتصالاته الدولية في توفير قطع الغيار اللازمة للقوات الجوية أثناء رئاسته الهيئة من عام 1974 إلي عام 1979.
وفي 1987 عين سفيرا بوزارة الخارجية المصرية كنوع من التقدير لكل خدماته السابقة وفي محاولة للاستفادة به في أنشطة أخري، بعدها توجه إلي لندن ليبدأ صفحة أخري في حياته الحافلة كرجل أعمال وكرئيس للجالية هناك.
إلي لندن حمل معه مروان كل خصاله وصفاته، فأحبه المصريون خصوصا بعدما ساهم في تأسيس مقر للجالية وتبرع هو بمقرها كما حافظ علي صلات جيدة بالجميع بغض النظر عن مدي قربهم أو بعدهم عن السلطة في القاهرة.
لأسباب كثيرة تصادم مروان مع محمد الفايد الملياردير المصري المعروف بعدما دخل في تحالف مع غريمه رجل الأعمال البريطاني تيني رولاند الذي سعي لإحباط بيع سلسة متاجر هارودز الشهيرة للفايد. حينها استخدم الفايد كل أسلحة الدمار الشامل ضد مروان ورولاند قبل أن ينجح في حسم الصفقة وتفويت الفرصة علي من سعوا للنيل منه.
بمرور الوقت تمكن الفايد ومروان من تجاوز خصومتهما التي أثرت سلباً في وضع الجالية المصرية في إنجلترا، وعرفت حياة مروان أخيراً هدوءاً نسبياً لم يقطعه سوي وضعه الصحي وحالته النفسية التي تقول أسرته: إنها تدهورت بعض الشيء نتيجة لابتعاده بأوامر الأطباء المعالجين عن بعض عاداته السلوكية المعتادة.
غادر مروان الحياة الدنيا تاركاً عليها أمواله وأسطورة حياته المفعمة بالألغاز والأحاجي بالإضافة إلي ولدين جمال صاحب الفضائية الغنائية وأحمد رجل البورصة والأعمال وخمسة أحفاد هم: أشرف ومحمود ومريم جمال مروان ومحمد وأمينة أحمد مروان أبناؤه من طليقته السابقة هانيا ابنة وزير الخارجية السابق والأمين العام الحالي للجامعة العربية عمرو موسي.
وسجل حفل زفاف جمال نجل الرئيس مبارك وأمين لجنة السياسات بالحزب الحاكم في شهر ابريل عام 2007 في منتجع شرم الشيخ المخملي علي ساحل البحر الأحمر، تاريخ آخر زيارة قام بها مروان إلي وطنه قبل أن يرحل علي هذا النحو الدراماتيكي الذي يبدو أن فصوله لم تكتمل بعد رغم كل ما جري وكل ما قيل، ولكن تلك كما يقولون قصة أخري!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.