«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذالا تفرج الأجهزة الأمنيةعن سجل عمليات أشرف مروان لمواجهة الادعاءات الإسرائيلية؟

من المدهش أن مصر تلتزم الصمت تجاه محاولات إسرائيل لتشويه سمعة «أشرف مروان» وتلبيسه ثوب الخائن لوطنه وشعبه
أشرف مروان
الآن وبعد مرور ثلاث سنوات علي قصة سقوطه المفاجيء من شرفة شقته في منطقة بيكاديلي سيركاس في حي مايفير الراقي وسط لندن في السابع والعشرين من شهر يونيو عام 2007، مازالت قضية أشرف مروان مفتوحة علي مصراعيها بعدما بدأ القضاء البريطاني في إجراء تحقيقاته العلنية بناء علي ظهور شواهد جديدة بالقضية
عائلة مروان تقف خلف تحريك القضية بعد كل هذه السنوات العجاف التي ظلت إسرائيل خلالها ومازالت تردد تلك القصة الصبيانية العابثة عن أن مروان كان جاسوسا بامتياز لصالحها وأنه خان بلده وعمل تحت عباءة جهاز المخابرات الاسرائيلية( الموساد).
وفقا لتصريحات جوانا نيكول مسئولة ملف القضية في محكمة التحقيق بمنطقة ويستمنستر، التي تنظر أمامها القضية،فإن قرار بدء التحقيق العلني اتخذ خلال اجتماع شارك فيه رئيس المحكمة والشرطة ومحامي أسرة مروان.
وستكون مهمة التحقيق العلني الذي طال انتظاره ويتزامن مع الذكري الثالثة لوفاة مروان الغامضة، حسب وصف الشرطة تحديد ما إذا كانت الوفاة جنائية أو حادثا عاديا أو انتحارا.
من المدهش أن اسرائيل لا تزال تتحدث بهذا الشكل غير اللائق عن مروان الذي لم يكن شخصا عابرا في تاريخ هذا البلد كما لم يكن مجرد مصري قتل في الخارج في ظروف غامضة.
ومن المدهش أيضا أن الدولة المصرية مازالت تعتصم بالصمت حيال هذه الترهات الاسرائيلية التي تثير الغثيان والاشمئزاز في محاولة يائسة لتشويه سمعة الرجل وتلبيسه ثوب الخائن لوطنه وشعبه.
مازالت أوراق ملف مروان محجوزة في أروقة جهاز المخابرات العامة في انتظار اللحظة المناسبة لنشرها، ذلك أنه ليس كل ما يعرف يقال وفقا لتلك القاعدة الذهبية التي يعمل بها أي جهاز مخابرات في العالم، بيد أن القضية بدأت تأخذ منحي يستحق التوقف عنده كي يعلم المصريون حقيقة ما فعله مروان وحجم تلك الأسرار الخطيرة التي تمنع بلاده حتي بعد وفاته من البوح بها.
في عرف المخابرات فإن مروان الذي خدم بلاده بوطنية وفي سرية تامة وفي ظروف خاصة مازالت لسيرته علاقة ببعض الأسماء المعروفة في عدة دول عربية وغربية، وخروج تلك الأسرار في هذا التوقيت لن يفيد أحداً.
وحتي يأتي اليوم الذي يكشف فيه رجال كوبري القبة عن تفاصيل ملف مروان دعونا نلقي نظرة علي الرجل الذي رحل في ظروف مأسوية لاتليق بما أنجزه وقدمه.
يتطلب الأمر الكثير من الثبات الانفعالي والثقة بالنفس لكي تنظر مباشرة إلي أعين رئيس دولة يتمتع بكاريزما القيادة والسيطرة والزعامة بوزن وحجم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لكي تطلب منه يد ابنته للزواج، ويتطلب الأمر أيضا الكثير من الحنكة والبراجماتية لكي توافق علي العمل مع خليفته الرئيس الراحل أنور السادات ولا تنظر خلفك لأصدقائك ومعارفك من مراكز القوي الذين التهمهم السادات طعاما علي مائدة الإفطار قبل أن يلتهموه هم علي مائدة العشاء.
لكن الأمر يتطلب ما هو أبعد وأعقد من ذلك بكثير عندما تلاحقك تهم الخيانة والعمالة للعدو رقم واحد للشعب المصري( إسرائيل) من دون أن تنبس ببنت شفة أو تحرك ساكنا للرد علي هذه الشائعات التي لاحقت أشرف مروان حتي مثواه الأخير.
ربما كان مروان هو أول مصري علي الإطلاق في التاريخ الذي يقف رئيس بلده علي الملأ لكي يصدر صكا ببراءته من التهم التي طاردته حيا وينفي عنه للمرة الأولي رسميا كونه عميلا للمخابرات الإسرائيلية ( الموساد).
باختياره الشخصي ولاعتبارات تتعلق بدواعي السرية المفروضة علي الأنشطة التي مارسها لصالح الدولة المصرية، كان يتعين علي مروان أن يكون تجسيدا حيا لمقولة الكلاب تعوي والقافلة تسير.
ولطالما نصح مروان ابنه جمال مالك ومدير قناة ميلودي المتخصصة في الموسيقي والغناء
كما قال في حديث مؤخراً: «ابني عندما تسير في الشارع إذا نبح كلب مسعور دعه وأكمل طريقك، كي لا تعطيه فرصة أن يقول إنّه جذب اهتمامك، أمّا إذا عضّك الكلب فخذ سكينًا واذبحه».
طبق مروان الذي لقبته الصحف المصرية في فترة عدائها له بالطفل المعجزة، هذه النصيحة علي نفسه فمضي في طريقه غير عابيء بما يتردد عن نجاح المخابرات الإسرائيلية في تجنيده وانه كان أخطر عملائها في قلب مؤسسة الرئاسة المصرية ويعمل تحت اسم حركي بابل أو الصهر في إشارة إلي مصاهرته للرئيس عبدالناصر.
يعتقد الجميع أن انكسار الصمت الرسمي الذي التزمته الدولة المصرية ومروان نفسه في حياته جاء متأخرا، بينما العالمون ببواطن الأمور يؤكدون في المقابل أن السكوت لا يعني دائما الرضا وأن كواليس ودسائس عالم المخابرات الذي دخله مروان لسنوات من بابه الواسع منعت السلطات المصرية أو حتي الراجل نفسه من نفي الروايات الإسرائيلية في هذا الصدد.
لم تكن كلمات الرئيس حسني مبارك للصحفيين المرافقين له وهو عائد علي متن الطائرة الرئاسية من العاصمة الغانية أكرا حيث شارك العام 2007 في قمة الاتحاد الأفريقي، الذي وصف مروان بأنه كان وطنيا مخلصا لوطنه، مجرد تأبين للفقيد لكنها كانت بالأساس ردا لاعتباره بشكل رسمي لا يقبل التشكيك ويقطع دابر كل ما سوقته دوائر المخابرات الإسرائيلية وآلتها الدعائية حول الرجل قبل مماته.
يومها قال مبارك أشرف مروان كان وطنيا مخلصا لوطنه وقام بأعمال وطنية لم يحن الوقت بعد للكشف عنها.. ولكنه كان بالفعل مصريا وطنيا ولم يكن جاسوسا علي الإطلاق لأية جهة». واعتبر أن ما نشر عن إبلاغ أشرف مروان إسرائيل بموعد حرب أكتوبر 1973، لا أساس له من الصحة.
الكلمات سبقتها جنازة رسمية شارك فيها كبار رجال الدولة المصرية وكان لافتا أن جمال مبارك نجل الرئيس تصدر المشيعين في رسالة أخري علنية تنفي الشبهات عن الرجل.
لكن لماذا تأخر هذا الاعتراف بوطنية الرجل ؟ علما بأن السلطات المصرية تجاهلت مطالب عدد من أعضاء مجلس الشعب بفتح تحقيق رسمي بشأن المعلومات التي تضمنها كتاب (الأسطورة ضد الواقع.. حرب يوم كيبور.. إخفاقات ودروس) لايلي زعيرا رئيس الموساد الذي زعم أن مروان قدم لإسرائيل معلومات تؤكد استعداد القاهرة ودمشق لشن حرب لكن القيادة الإسرائيلية حينذاك تجاهلت تلك المعلومات.
الرواية الإسرائيلية التي هزت الشارع المصري ولم تنفها وقتها السلطات المصرية ادعت أن مروان زار سفارة إسرائيل في لندن عام 1969 عارضا خدماته علي الموساد ليكون رجلهم في بيت عبدالناصر ورئاسة الجمهورية التي يعمل بها وأنه تطوع لتقديم معلومات لكن طلبه رفض ليتم تجنيده بعد ذلك من قبل الموساد.
ووفقا لما نشره الصحفي والمؤرخ الاسرائيلي «أهارون بيرجمان» في كتابه المعنون «تاريخ إسرائيل» فإن مروان حمل أسماء حركية مثل: «الصهر» أو «العريس» أو «رسول بابل»، وأن ما كان يرسله من تقارير كانت قراءتها مقصورة علي كبار مسئولي الدولة العبرية كما زعم أن مروان طلب قبل يومين فقط من حرب يوم السادس من أكتوبر موعداً عاجلاً مع رئيس الموساد تسفي زمير تم في اليوم التالي في لندن وأبلغه خلاله بموعد الهجوم المصري السوري المشترك.
حتي الآن لم تقدم المخابرات المصرية روايتها الرسمية ولم تعلق علي كل ما قيل وهو ما زاد الأمر غرابة لدي رجل الشارع العادي وحتي بين أوساط المثقفين والنخبة السياسية.
يقول مسئول سابق في جهاز سيادي مصري أنه عندما يتم الإفراج عن الوثائق والمستندات السرية والرسمية الخاصة بأشرف مروان التي تحتفظ بها المخابرات العامة ( المصرية) فان الجميع سيعلم عن يقين معدن الرجل وأنه كان من أشرف وأنبل الرجال الذين خدموا وطنهم وعملوا لخدمة شعبهم في صمت وبلا ضجيج أو رغبة في الشهرة والأضواء.
كلمات المسئول الأمني تتسق مع إعلان مبارك أن اشرف لم يكن جاسوسا علي الإطلاق لأي جهة وأنه في المقابل قام بأعمال وطنية لم يحن الوقت بعد للكشف عنها.
لا يعرف أحد موعدا محددا لصدور الأرشيف السري الخاص بكل العمليات والمهام السرية التي نفذها مروان لصالح المخابرات المصرية خاصة وأن الضبابية لاتزال تحول دون نشر هذه الأوراق استنادا إلي حرية المعلومات وتداولها.
لكن ليس كل ما يعرف يقال هذه هي نفسها القاعدة الذهبية لكل العاملين في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.
« ربما كان في الأمر خطورة علي حياته الشخصية لو أذيعت كل الأسرار قبل وفاته ولربما تعرض لانتقام أو مضايقات من أي نوع »، هكذا يري المسئول الأمني، الأمر الذي حار الجميع في تفسيره.
وما يجعل كلام هذا المسئول ذي مصداقية هو المعلومات الخاصة بمشاركة مسئولين مصريين في التحقيقات التي أجرتها السلطات الإنجليزية حول ملابسات مصرع مروان الذي انتهي وحيدا غريباِ في عاصمة الضباب والثلج.
ومن المدهش أن أحدا لم يعرف علي وجه اليقين ما آلت إليه هذه التحقيقات، أو ما إذا كانت قد نجحت في حسم هوية من أقدموا علي نحر مروان لكي يبدو كعملية انتحار ساذجة غير مقبولة ولا مستساغة.
عاش الرجل بكل المقاييس حياة صاخبة مليئة بالأحداث الجسام التي أتعبت قلبه وجعلته عرضة لخمس عمليات جراحية قبل أن يتجه إلي العاصمة الإنجليزية التي أحبها بشغف واختارها ملاذا أخيرا له بعيدا عن القاهرة وصخبها الاعلامي والسياسي وتفاديا لكل ما قيل عنه.
لكن رحيل مروان إلي لندن كان نهاية الرحلة فهو لم يعد منها سوي جسد مسجي في تابوت خشبي لفه علم بلاده قبل أن يواري الثري في مشهد وداعي حزين وإجراءات أمنية مشددة وجنازة رسمية مهيبة.
ظهر أشرف مروان المولود عام 1945 علي سطح الحياة السياسية في مصر لدي اقترانه بمني الابنة الثانية للرئيس عبدالناصر، التي كان قد التقاها مصادفة في أحد الأندية الرياضية وبادلته إعجابا بإعجاب ولم يحجم مروان عن التفكير في الارتباط بها رغم معرفته بشخصية والدها الرئيس.
كان مروان يحمل مؤهلات أكثر من معقولة فهو سليل عائلة ثرية حيث كان جده يحمل لقب البكوية منذ العهد الملكي ووالده كان ضابطا في الجيش وتحديدا في هيئة الإمداد والتموين.
وإلي جانب وضعه المالي المريح فقد كان مروان موظفا مدنيا في المعامل المركزية للقوات المسلحة بعدما نال بكالوريوس العلوم قسم كيمياء بدرجة جيد من جامعة القاهرة.
عندما أيقن الرئيس عبدالناصر جدية مروان في طلب الاقتران بمني وموافقتها كانت الترتيبات النهائية هي آخر ما يشغل بال الجميع.
في حفل الزفاف غنت سيدة الشرق أم كلثوم والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ ورقصت الشهيرة نجوي فؤاد في أجواء اكتست بالطابع الرسمي بعيدا عن رجل الشارع العادي.
بعد الزواج كان بديهيا أن يسعي عبدالناصر إلي الاستفادة من صهره فطلب أولا من مدير مكتبه سامي شرف إلحاق مروان بمكتبه للمعلومات والمتابعة وانتدابه من عمله الأصلي في الجيش.
كانت شخصية عبدالناصر نفسها ترفض المحاباة والمجاملة لذلك ظل دور مروان في عهده وقد اقترب من نهايته محدودا للغاية، لكن وفاة عبدالناصر منحت مروان فرصته الحقيقية علي نحو مدهش.
في منزل الرئيس ومكتبه كان مروان يتعامل مع كبار المسئولين في العالم العربي وخارجه باحترام كبير لصراحته وحديثه المباشر، ونجح في فترة وجيزة في تكوين شبكة علاقات عامة قوية مع كل زوار الرئيس سواء في مكتبه أو منزله.
بدا أن الأمر يزعج بعض من اعتادوا علي اهتمام عبدالناصر، يقول أحد أصدقائه: «كان يري أن رجال الرئيس ومساعديه لا يتركون له فرصة لإظهار قدراته، كان يشعر أنه محاصر ولم تكن تروقه أفكارهم، كما كانت نظرتهم إليه ليست علي النحو الذي يرضيه».
بعدما توفي عبدالناصر حافظ مروان علي موقعه في مكتب خليفته الرئيس الراحل أنور السادات، وكان مدهشا أن ينحاز مروان إلي السادات عندما قرر في الخامس عشر من شهر مايو عام 1970 القيام بما أسماه لاحقا ثورة التصحيح والقضاء علي مراكز القوي وهو التعبير الذي دشنه السادات نفسه في إشارة إلي كل رجال العهد الناصري الذين لم يرق لهم كثيرا محاولة السادات التمدد خارج منطقة نفوذهم أو تغيير طبيعة ما اعتادوا عليه.
وحده مروان الذي أدرك طبيعة الصراع وحسم أمره سريعا بوضع ثقله المعنوي كصهر للرئيس الراحل عبدالناصر في ميزان السادات، ومجددا بدا الأمر محيرا لرجال عبدالناصر الذين أيقنوا بعد فوات الأوان أن نظرتهم في مروان كانت صائبة.
عشية يوم الحسم جرت واقعة مشهورة تخص الخزانة الحديدية الخاصة بالرئيس عبدالناصر والتي قيل إنها تضم أسراراً ووثائق مهمة كان ناصر يحتفظ بها إلي جواره نظراً لحساسيتها وخطورتها.
يقول الدكتور محمود جامع الصديق المثير للجدل للرئيس السادات في رواية منشورة: إن مروان تصدي لمحاولة سرقة الخزانة كان سامي شرف قد طلب من بعض معاونيه القيام بها قبل اعتقاله ضمن مجموعة مراكز القوي.
عندما توجه رجال شرف لتنفيذ المهمة العاجلة والخطيرة فوجئوا بأشرف مروان يجلس بجوار الخزانة شاهرا مسدسه الشخصي مهددا إياهم بإطلاق النار عليهم إذا ما فكروا في الاقتراب من الخزانة أو وضع أيديهم عليها ( وفي رواية أخري أنها أطلق النار بالفعل علي السيارة التي يستقلونها) وبشكل ما نجح في إبلاغ السادات بحقيقة الأمر فحضر علي الفور وتسلم الخزانة في حضور مستشاره السابق حسن التهامي.
يومها كان مروان يكتب تاريخه من جديد فهو بات يحظي بثقة السادات الذي رأي أيضا في وجود مروان إلي جواره في مؤسسة الرئاسة خير رد علي من اتهموه ومازالوا بالتنكر لإرث الحقبة الناصرية وسياستها.
قبلها كان مروان هو الجسر الذي عبر منه هذا الضابط المصري الذي تمكن بحكم عمله من الحصول علي أشرطة صوتية تمثل إدانة خطيرة لكل أعداء السادات، يومها أخذ مروان التسجيلات الصوتية بنفسه إلي السادات الذي جلس يستمع في ذهول إلي مساعديه وكبار المسئولين في الدولة يتآمرون ضده بلبل .
صفقة الخزانة ثم الأشرطة إن صح التعبير مكنت مروان من الخروج من عباءة كونه محسوباً علي عبدالناصر إلي مكتب السادات الذي توثقت علاقته بها وبات يعتمد عليه في كثير من الشئون العامة والخاصة وكافأه بتعيينه مسئولا عن شئون المتابعة التي كانت سابقاً في عهدة سامي شرف..
بعدها سعي البعض إلي الوقيعة بينها وبين السادات فاتهموه بإساءة استخدام نصبه لأغراض شخصية وأنه حصل لنفسه علي عمولات ضخمة من صفقة شراء مؤسسة الرئاسة لبعض السيارات، لكن التحقيقات انتهت إلي براءته وزيادة ثقة السادات فيه
ثمة من يقول: إن علاقة مروان بعائلة عبدالناصر قد تراجعت كثيرا بعدما وثق علاقته بالسادات، لكن في كل الأحوال فقد استغل مروان الفرصة ببراعة وسرعان ما تجلت مواهبه في حل بعض الإشكاليات التي كانت تتعرض لها طلبيات السلاح التي يحتاجها الجيش من هنا أو هناك في سنوات الإعداد لحرب أكتوبر عام 1973.
لسنوات طويلة عمل مروان كحلقة وصل وربط بين السادات وكثير من العواصم العربية وخاصة ليبيا حيث نجح في نسج علاقات خاصة مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي ونائبه ( آنذاك) والمبعد حاليا عبدالسلام جلود، ولعل هذا ما يفسر حرص ليبيا علي المشاركة في تشييع جنازة مروان حيث مثلها وفد ترأسه عبدالمنعم الهوني أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة والمندوب الحالي لدي الجامعة العربية.
يقول الهوني ل«الدستور»: «كان الفقيد محبوباً لدي كل القيادات الليبية، له أسلوبه الخاص في حل أي مشكلة وكان صريحاً للغاية ونجح في توثيق العلاقات المصرية الليبية في مرحلة حرجة».
ومرة أخري قفز مروان قفزة كبيرة إلي الأمام حيث منح السادات وسام الجمهورية من الطبقة الأولي تقديرا لما قام به من جهود خلال حرب 1973، ثم عينه في العام التالي سكرتيرا للاتصالات الخارجية علي نحو جعله تقريبا بمثابة وزير مواز لوزير الخارجية المصري الأسبق( آنذاك) إسماعيل فهمي.
علي أن الدسائس والمكائد لم تتوقف من حوله حتي قرر السادات إنهاء علاقة مروان بمؤسسة الرئاسة ومكتبه الشخصي، وبالفعل في التاسع والعشرين من شهر يونيو عام 1974 عينه مقررا للجنة العليا للتسليح والتصنيع الحربي، قبل أن يصبح أول رئيس عام 1975 للهيئة العربية للتصنيع التي أنشئت في شهر أبريل من العام نفسه بمشاركة قطر والسعودية ومصر والإمارات بهدف بناء وتطوير قاعدة صناعية تكنولوجية متقدمة.
ولعب مروان أيضا دوراً مؤثراً من خلال اتصالاته الدولية في توفير قطع الغيار اللازمة للقوات الجوية أثناء رئاسته الهيئة من عام 1974 إلي عام 1979.
وفي 1987 عين سفيرا بوزارة الخارجية المصرية كنوع من التقدير لكل خدماته السابقة وفي محاولة للاستفادة به في أنشطة أخري، بعدها توجه إلي لندن ليبدأ صفحة أخري في حياته الحافلة كرجل أعمال وكرئيس للجالية هناك.
إلي لندن حمل معه مروان كل خصاله وصفاته، فأحبه المصريون خصوصا بعدما ساهم في تأسيس مقر للجالية وتبرع هو بمقرها كما حافظ علي صلات جيدة بالجميع بغض النظر عن مدي قربهم أو بعدهم عن السلطة في القاهرة.
لأسباب كثيرة تصادم مروان مع محمد الفايد الملياردير المصري المعروف بعدما دخل في تحالف مع غريمه رجل الأعمال البريطاني تيني رولاند الذي سعي لإحباط بيع سلسة متاجر هارودز الشهيرة للفايد. حينها استخدم الفايد كل أسلحة الدمار الشامل ضد مروان ورولاند قبل أن ينجح في حسم الصفقة وتفويت الفرصة علي من سعوا للنيل منه.
بمرور الوقت تمكن الفايد ومروان من تجاوز خصومتهما التي أثرت سلباً في وضع الجالية المصرية في إنجلترا، وعرفت حياة مروان أخيراً هدوءاً نسبياً لم يقطعه سوي وضعه الصحي وحالته النفسية التي تقول أسرته: إنها تدهورت بعض الشيء نتيجة لابتعاده بأوامر الأطباء المعالجين عن بعض عاداته السلوكية المعتادة.
غادر مروان الحياة الدنيا تاركاً عليها أمواله وأسطورة حياته المفعمة بالألغاز والأحاجي بالإضافة إلي ولدين جمال صاحب الفضائية الغنائية وأحمد رجل البورصة والأعمال وخمسة أحفاد هم: أشرف ومحمود ومريم جمال مروان ومحمد وأمينة أحمد مروان أبناؤه من طليقته السابقة هانيا ابنة وزير الخارجية السابق والأمين العام الحالي للجامعة العربية عمرو موسي.
وسجل حفل زفاف جمال نجل الرئيس مبارك وأمين لجنة السياسات بالحزب الحاكم في شهر ابريل عام 2007 في منتجع شرم الشيخ المخملي علي ساحل البحر الأحمر، تاريخ آخر زيارة قام بها مروان إلي وطنه قبل أن يرحل علي هذا النحو الدراماتيكي الذي يبدو أن فصوله لم تكتمل بعد رغم كل ما جري وكل ما قيل، ولكن تلك كما يقولون قصة أخري!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.