يبدو أن الأزمات التاريخية بين القضاة والمحامين، هى الوقود الان للمعركة الدائرة بين جناحى العدالة والتى وصلت الى تهديد القضاة والمحامين بالعصيان المدنى حتى انفراج ازمة الخلاف على التعديلات المزمع ادخالها على قانون السلطة القضائية الجديد والذى نص فى بعض مواده على أن القاضى من حقه حبس من يراه مخالفا لقواعد العدالة داخل الجلسة, بينما لم يستثن التعديل المحامين الذين ارتأوا أن التعديل يخالف نصوص قانون المحاماة الذى كفل الحصانة للمحامى اثناء سير الجلسات. القضاء شهد على مدار ال 70 سنة الماضية خلافات حادة بين القضاة والمحامين وصلت للحبس، حتى أن أحد شيوخ المحاماة مكرم باشا عبيد كان ضمن الذين أذاهم هذا الخلاف حينما كان يترافع فى إحدى القضايا التى رآها القاضى تخرج عن سياق قواعد سير الجلسات وقام بحبس عبيد لساعات رغم أنه كان نقيب المحامين آنذاك , وتوالت الازمات بين القضاة خاصة (معاونى ووكلاء النيابة) وبين المحامين جاء آخرها ماعرف بأزمة محامى طنطا والتى سجن على اثرها اثنان من المحامين 5 سنوات مع الشغل للاعتداء على احد وكلاء النيابة بالضرب والسب أثناء تأدية عمله. وفيما ازدادت الخلافات بين القضاة والمحامين أثناء الجلسات والتى تصل فى بعض الأحيان إلى تأجيل القاضى الجلسة إلى أجل غير مسمى أو منع بعض المحامين من حضور الجلسات، إلى جانب كثرة التشاجر بين محامين «المدعين والمتهمين» اثناء سير الجلسات وكان أبرزها مؤخرا قضايا رموز النظام السابق والتى تسببت خلافات المحامين الى تأجيل بعضها ومنع البث فى غالبيتها لما شهدته من ظهور سيئ للمحامين يخل بدوره بقواعد سير الجلسات. وبالتزامن مع خروج المحامين عن قواعد سير الجلسات، شكل المستشار حسام الغريانى رئيس القضاء الاعلى لجنة قضائية برئاسة المستشار احمد مكى لادخال تعديلات جديدة على قانون السلطة القضائية تعزز من استقلال القضاء، وبينما انتهت اللجنة من اعمالها بتعديل ما يقرب من 70 مادة، اعلنت عقد جلسات استماع لما قدمته من اقتراحات على القانون، وطلبت اللجنة من المحامين حضور الجلسات لإبداء آرائهم فى المقترحات، وأثناء عرض المستشار سعيد محمد المتحدث باسم اللجنة للمقترحات، اعترض المحامون على تعديل المادة 18من القانون التى كانت تنص فى البداية على «أن الجلسات علنية إلا إذا أمرت المحكمة بجعلها سرية مراعاة للآداب ومحافظة على النظام العام، ونظام الجلسة وضبطها منوطان برئيس المحكمة»، وأضافت اللجنة على النص القديم بندا آخر جاء فيه أن « الإخلال بسير العدالة أو بسير الجلسات يعاقب عليه بالحبس أو بالغرامة التى لا تتجاوز عشرة آلاف جنيه، فإذا وقعت الجريمة أثناء انعقاد الجلسات كان للمحكمة أن تأمر بالقبض على المتهم «أيا كانت حصانته» وإحالته إلى النيابة العامة بمذكرة فورا وعلى النيابة أن تتصرف فى الدعوى ضده خلال 48 ساعة، فإذا كان المقبوض عليه خصما فى الدعوى أو وكيلا أو شاهدا وجب تأجيل الدعوى»، وبسبب التعديل الجديد انفجر جموع المحامين ضد تعديلات اللجنة والتى أكدوا انها تخالف نص المادة 50 من قانون المحاماة الذى كفل الحصانة للمحامى ونص على أنه «لا يجوز القبض على المحامى فى الجرائم التى تقع منه أثناء أداء عمله بالجلسات». وعلى الرغم من تأكيدات المجلس العسكرى للمحامين ان قانون السلطة القضائية لن تتم الموافقة عليه الا من خلال البرلمان المقبل مما يؤكد ان اعتراضات المحامين سوف تؤخد مأخذ الجد، رفض المحامون التوقف عن التصعيد واغلاق المحاكم بالقوة، مطالبين بإصدار قرار رسمى من القضاء الأعلى بإلغاء التعديل الجديد. وعلمت أكتوبر ان مجلس القضاء الأعلى قرر تعديل «التعديل» المقترح من لجنة مكى إلغائه كما تردد مؤخرا، حيث اقترح احد اعضاء المجلس بحذف نص الحبس والابقاء على الغرامة مع تحديد الاشخاص الذين يقعون تحت طائلة هذه المادة، على أن ينص التعديل الجديد على ان «الإخلال بسير العدالة أو بسير الجلسات يعاقب عليه المتسبب فى ذلك بغرامة لا تتجاوز عشرة آلاف جنيه». المرجع الوحيد من جانبه رفض المستشار عزت عجوة رئيس نادى قضاة الإسكندرية وعضو لجنة المستشار أحمد الزند لتعديل القانون، ان يتدخل المستشار حسام الغريانى منفردا فى تعديل المادة 18، قائلا «مجلس القضاء الأعلى لا يملك هذا القرار لأنه لابد وأن يعرض على جموع القضاة وهم من يقررون إما إلغاء المادة 18 أو الإبقاء على التعديل، والمرجع الوحيد لقانون السلطة القضائية للجمعية العمومية لنادى القضاة، وقد التزم رئيس مجلس القضاء الأعلى من قبل أمامنا بهذا، مؤكدا أن مشروعى القانون سيعرضان على الجمعية العمومية للقضاة للإدلاء برأيها. وأكد عجوة أن الخاسر الوحيد من التصعيد ضد القضاة وإلغاء المادة 18هو المواطن العادى الذى لابد أن يتأكد من تامين المحاكم ووضع كل الصلاحيات فى يد القاضى لتحقيق العدالة. وقال المستشار سعيد محمد المتحدث باسم لجنة تعديل قانون السلطة القضائية أن التعديلات المقترحة تقدمت بها اللجنة الى مجلس القضاء الأعلى ولم يجر أى تعديل جديد على المادة 18، مشيرا إلى أن مجلس القضاء الأعلى هو الوحيد الذى يحق له حاليا إدخال أى تعديلات على المقترحات التى تقدمت بها اللجنة. وأكد محمد أن اللجنة لن تقف أمام قرار القضاء الأعلى سواء بالإلغاء أو التعديل على ما اقترحته اللجنة خاصة أن قرار المجلس الأعلى سيكون بالتأكيد للصالح العام. مضيفا أن اللجنة استقلت فى عملها منذ البداية، ولم يتدخل فى عملها أى جهة وكانت مهمتها طرح ملاحظات، ومقترحات لعرضها فى النهاية على المجلس لإصدار قراره بشأن تلك الملاحظات والمقترحات. فهم خاطئ وكشف المستشار احمد مكى رئيس اللجنة ونائب رئيس محكمة النقض السابق عن اسباب وضع اللجنة للتعديل الجديد على المادة 18والإصرار عليه، قائلا « خلال محاكمات الثورة تبين للعالم عن طريق البث المباشر أن هناك من يتعمد إفساد الجلسات وتعطيلها، وأن 90% من هذا التعطيل يكون سببه مشاجرة بين المحامى وزميله الذى هو خصمه فى القضية المنظورة، ولذلك اقترحت اللجنة إضافة نص لأصل المادة 18، يقول إن الإخلال بسير العدالة أو بسير الجلسات يعاقب عليه بالحبس أو بالغرامة، لكن بعض المحامين تصوروا بالخطأ أن هذا التعديل يستهدفهم وأنه يتعارض مع نص المادة 50 من قانون المحاماة، التى تقول «إنه لا يجوز القبض على المحامى فى الجرائم التى تقع منه أثناء أداء عمله بالجلسات»، موضحا أن القاعدة تقول إن القانون اللاحق ينسخ القانون السابق ويحدده فى جريمة محددة وهى الإخلال بسير الجلسات، أى أنه بإقرار تعديل قانون السلطة القضائية فإنه يلغى نص المادة 50 من قانون المحاماة فى مسألة الإخلال بسير الجلسات ومن ثم لا يكون هناك تعارض، فليس من حق أحد الإخلال بالجلسات، ونص التعديل المقترح لا يخص المحامى وحده بل إنه لو كان هناك قاض بالجلسة وأخل بسيرها ينطبق عليه هذا، ومن حق رئيس المحكمة أن يأمر بالقبض عليه، وحتى لو حضر رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة الجلسة وعطلها ينطبق عليه ذلك». وأشار مكى إلى أن ما يردده المحامون من أن التعديل يهدر المحاماة ويمنع المحامين من أداء عملهم كلام غير صحيح، لأن التعديل ينص على أنه لو كان المتهم خصما فى القضية أو وكيلا أو شاهدا وجب التأجيل، أى أنه تتم معاقبته ولكن بعد انتهاء الجلسة وبعد أن يؤدى مهمته أو توفير بديل له إذا كان محاميا. مؤكدا أن القاضى لا يستطيع إدارة الجلسة إذا كان لا يستطيع معاقبة من يعطل سيرها. وأكد مكى أن اللجنة حينما وضعت هذا التعديل جاء بعد أن ظهر من المحامين ظاهرة تعطيل الجلسات، ومن ثم فإن هذا النص جاء لعلاج الظاهرة بعد تفشيها بشكل يهدد سير العدالة، وما يحدث الآن من محاصرة المحامين للمحاكم ومنع المواطنين من دخولها ومنع القضاة من عملهم يؤكد حاجتنا الماسة لهذا النص، فليس الاعتراض على قانون السلطة القضائية بأن نغلق المحاكم ونحاصرها، لأن هذا التصرف به اعتداء على حرية المواطنين وموكلى هؤلاء المحامين أنفسهم، فقانون السلطة القضائية لا يخص القضاة بل هو قانون لتحقيق العدل لجميع أطياف المجتمع، كما أن الإضراب لا يكون بمحاصرة المحاكم والتهديد بتخريبها، ولكن بالجلوس فى المنزل والامتناع عن العمل، والحاصل حاليا يؤكد أننا فى حاجة إلى قوة قانونية وشرطية لحفظ الجلسات. يكون رئيس لجنة تعديل القانون، أن الجلسات الخاصة بمحاكمة رموز النظام السابق أصبحت بسبب بعض المحامين وتشاجرهم فضيحة دولية، وهذا ما شاهدناه من المحامين فى جلسات محاكمة الرئيس المخلوع مبارك، وهو خطر على علانية الجلسات وشفوية المرافعات، لأن كل هذا يدفع القاضى لمنع تصوير الجلسات مما يجور على حق الشعب فى معرفة ما يدور فى الجلسة، ويدفع القاضى أيضا إلى منع المحامى من المرافعة الشفوية ويطلب منه كتابة ما يريده فى مذكرة ويقدمها، وهذا يجور على حق المحامين الأكفاء فى المرافعة أمام الناس كى يستمعوا. وطالب مكى المحامين الرافضين لتعديلات المادة 18بتقديم بديل عنها يضع قواعد كيفية حفظ سير الجلسات، متسائلا: لماذا يصور البعض أن الخصومة بين المحامى والقاضى؟، وأجاب: الخصومة بين المحامى وزميله الذى يكون خصما له فى الدعوى، والقاضى يفصل بينهما، وحينما تكون للقاضى سلطة حفظ سير الجلسات فهذا هدفه تحقيق العدل للطرفين وموكليهم، ومن المؤكد أنه ليس فى مصلحتهم ما نشاهده الآن من امتلاء ساحات المحاكم بأحداث شغب بين المحامين وبعضهم البعض، وتحولت المحكمة إلى قطعة عذاب. شر لابد منه من جانبه قال الدكتورمحمد كامل،المرشح على منصب نقيب المحامين إن الأزمة بين المحامين والقضاة بشأن قانون السلطة القضائية لن تهدأ إلا بتوقف القضاة عن مناقشة المشروع وإرجائه للبرلمان المقبل، متهما القضاة بمحاولة إثارة البلبلة بسبب إصرارهم على تقديم مشروع القانون فى غيبة مجلس الشعب، مؤكدا ان «الاعتصام والإضراب شر لابد منه لمواجهة القانون الأشر والأخطر دفاعا عن المحامين ومهنة المحاماة، طالما أن القضاة «حاطين» سيف مسلط على رقاب المحامين». وأكد كامل أن التطورات التى حدثت ودفعت المحامين لإغلاق المحاكم جاءت نتيجة تراكمات من العلاقة بين القضاء والمحاماة. مشيرا إلى هناك بعض الخطوات التى تتخذ تتسبب فى اتساع الفجوة بين جناحى العدالة منعا لسعى القضاة إلى التمييز من خلال تخصيص مصاعد خاصة بالقضاة فى دواوين المحاكم، إضافة لإقصاء المحامين عن مجلس الدولة، بالرغم من حصولهم على تقديرات عالية فى حين يحصل أبناء القضاة على تلك الوظائف بتقديرات متدنية. وطالب كامل المستشار حسام الغريانى رئيس المجلس الأعلى للقضاء، تأجيل نظر المادة 18 من قانون السلطة القضائية لحين انعقاد مجلس الشعب وذلك لاتاحة مناقشة القانون فى نطاق أوسع واتفاق مجتمعى، مؤكدا فى الوقت نفسه أن انتخاب مجلس للنقابة هو الحل الوحيد لإنقاذ ازمة المحامين لأنه صاحب السلطة والاختصاص، خاصة بعد عدم استجابة المجلس القضائى لمطالبهم. السبب الحقيقى وبرؤية خبير أكد الدكتور عمرو الشوبكى الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن السبب الحقيقى للأزمة بين المحامين والقضاة يعود إلى تراجع دور مؤسسات الدولة وغياب نظام المحاسبة مما أدى إلى ظهور العديد من الأحداث غير المسبوقة فى تاريخ مصر الحديث كحادثة هتك عرض عماد الكبير، وقتل خالد سعيد الأمر الذى جعلنا نعيش فى جزر منعزلة عن بعضنا كجزيرة القضاء وجزيرة الصحافة، شهدت مؤسسات الدولة تدنى غير مسبق فى أدائها حتى التقاليد التى كان يتمتع بها القضاء المصرى تراجعت وتأثرت بالتدهور الذى حدث فى معظم مؤسسات الدولة. واستنكر الشوبكى عدم وجود رقابة من المجتمع على السلطة القضائية حيث لا يستطيع أحد أن يتحدث عن وسائل تعيين القضاة وهناك العديد من الحالات الاستثنائية داخل القضاء كما أنهم يعاملون على أنهم ملائكة لا يخطئون وذلك التصنيف هو خارج حدود التوصيف البشرى، وعدم القدرة على التعليق على أحكام القضاء هى اختراع مصرى لأن حكم القاضى هو حكم إنسانى وليس حكماً إلهياً، كما يوجد تدهور حقيقى وملموس أصاب نقابة المحامين ومهنة المحاماة، مؤكدا إن هذه الأزمة تجعلنا فى حاجة إلى مناقشة جادة فى كيفية تطوير الأداء المهنى وما هو معيار الاختيار والتعيين، كما تجعلنا نفكر هل ما زالت نسبة انتقال المحامين للقضاء كما هى أم لا ؟ ولكن عندما ننظر إلى الحقيقة نرى أن هذه النسبة لم تعد موجودة الآن فى الواقع العملى، الأمر الذى يدفعنا إلى البحث عن همزة وصل بين المحامين والقضاة لحل هذه الأزمة وبناء علاقة تقوم على مبدأ الاحترام المتبادل ويجب أن يعرف الجميع أن حصانة القاضى تقوم على أساس مبدأ العدالة وليس وجاهة اجتماعية، ولابد أن تفتح كل الملفات المتعلقة بالأخطاء الموجودة فى السلطة القضائية ، الى جانب قيام نقابة المحامين بدورها فى تهدئة الأزمة.