«التاجر لما يفلس يدور...» مثل لا يقره غالبية خبراء الاقتصاد والتنمية لأن مصر دولة غنية بمواردها وعقولها وبسواعد أبنائها وتحتاج إلى مشروعات قومية كبرى تتجاوز بها أزماتها.. ويمكنها فى فترة وجيزة أن تصبح نمرا اقتصاديا على نهر النيل. ونحن أمامنا سيناء تنتظر مشروعا قوميا تنمويا رغم أنها فى انتظاره على أحر من الجمر لأكثر من 40 عاما.. حيث كان مخطط بعد نصر أكتوبر 1973 بدء تنفيذه وخاصة بعد تحريرها كاملا فى 25 أبريل عام 1982. وكان الرئيس الراحل أنور السادات يحلم بتحقيق مشروع قومى ضخم لتنمية سيناء وبدأ فى تنفيذ أولى خطواته مثل إنشاء نفق الشهيد أحمد حمدى لربط سيناء بالوادى.. ولم يترك أبناءها من البدو الذين اعتقلوا فى سجون إسرائيل وقام بصفقة تبادل أسرى إسرائيليين معهم. ثم جاء مبارك ورفع علم طابا ولم يستكمل حلم سلفه.. بل تركها يعانى أهلها الفقر والبطالة والحرمان وتعسف أمن العادلى ولم يسمح لهم بفرصة الاستمتاع بالحرية بعد احتلال دام سنوات قدموا فيها تاريخا مشرفا وسجلا من البطولات فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر فلا توجد عائلة أو قبيلة إلا شاركت فى التضحية لتحرير أرض الفيروز من تدنيس العدو الصهيونى لترابها التى ارتوت بدماء شيوخها وشبابها وامتزجت بدماء آلاف الشهداء المصريين لأنها كانت مسرحا لعمليات الغزو منذ عهد الفراعنة. وكما يقول د. جمال حمدان العالم الذى تجاوز زمنه فى كتابه -شخصية مصر- إن سيناء المفتاح لموقع مصر العبقرى فى قلب العالم فهى محور الاتصال بين آسيا وأفريقيا وبين مصر والشام وبين مصر وبين المشرق العربى والمغرب العربى وأنها «البوابة الشرقية» وشبّه موقعها كجسر بين قارتين بتركيا التى تمثل جسرا بين آسيا وأوروبا من خلال إقليم «تراقيا». وتنبأ المفكر العبقرى أيضا «بأن تجارة الغذاء سلاح سياسى فى يد المستعمر العالمى»، ولذلك وجب علينا سرعة تنميتها وضخ الاستثمارات فيها. فمساحة سيناء 61 ألف كيلو متر مربع وتمتلك 700 كيلو متر من السواحل تشكل 29% من مجموع سواحل مصر وتتميز ببعدها عن التلوث، بالإضافة إلى الكنوز الهائلة من الثروات المعدنية فى باطن أراضيها، فمثلا لديها 10 ملايين من احتياطى الرخام ومناجمها تكتظ بالذهب الذى يبحث عن مكتشف ويتوافر فيها الخامات اللازمة لصناعة الأسمنت من «طفلة» وحجر جيرى وجبس فأراضيها غنية بأكثر من 13 نوعا من الخامات المعدنية وتمتلك أيضا بحيرة البردويل من كبرى البحيرات ومساحتها 169 ألف فدان وإنتاجها الحالى هزيل.. ولديها أرض خصبة يمكن أن تكون مزرعة الشرق فى الزيتون. ونحن سمعنا فى الماضى ونسمع فى الحاضر كلاما كثيرا عن دراسات بحثية وإجراءات ستتخذ وحوافز وإعفاءات جمركية وضرائب ستمنح لتشجيع الاستثمار فيها.. ولكن متى؟ فسيناء الآن تحتاج منا إلى إقامة وزارة متخصصة بشئونها ودعوة لحملة قومية دولية تتبناها أجهزة الدولة لسرعة تحقيق الحلم القومى فى إنقاذ اقتصادنا وبناء الخط الدفاعى وحائط الصد المنيع أمام عدونا.