أعتقد أنه لا تناقض بين مستقبل مصر والمؤسسة العسكرية.. بل إن هذه المؤسسة هى أحد الأسس الراسخة التى تقوم عليها أرض الكنانة.. وبدونها كان يمكن أن تنهار.. لا قدر الله، كما أن المستقبل لا يمكن أن يزدهر.. دون هذه المؤسسة الوطنية.. رغم كل التحفظات والانتقادات الموجهة لها. ويجب أن نميز بين نقد المجلس العسكرى.. وهذا حق مشروع باعتباره جهة الإدارة الحالية لأمور مصر كلها.. واحترام الجيش كمؤسسة وطنية ذات تاريخ طويل ومشرف.. والنقد والاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية.. فالاحترام مفروغ منه من كل الأطراف.. لكل الأطراف بما فيها الجيش والمجلس العسكرى وكل الأحزاب والقوى الوطنية.وحتى ندرك قيمة الجيش المصرى يجب أن نراجع بعض إنجازاته.. وهنا لا نتحدث عن جيش مصر الحديثة.. بل عن «خير أجناد الأرض» كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين خاضوا كل الحروب والمواجهات التاريخية الكبرى ضد الصليبيين والتتار والمغول.. وحتى الاستعمار القديم والحديث.. بما فيه الغزو الصهيونى للمنطقة بأسرها. ونحن هنا فى شهر أكتوبر .. ومجلة أكتوبر.. نستذكر دروس نصر أكتوبر.. أعظم انتصاراتنا فى العصر الحديث.. وقد صنعته إرادة الله، كما صنعته سواعد أبطال القوات المسلحة.. والتوقيت له دلالاته.. والحدث نفسه يذكرنا بمعانٍ خالدة وعميقة. أيضا قام الجيش بدور حيوى لحماية ثورة يناير منذ قيامها.. بل قبل قيامها.. من خلال رفضه التوريث.. وحتى الآن هذا الدور المحورى ساهم فى إنجاح الثورة واستمرارها.. بغض النظر عن كل الانتقادات والمآخذ على المجلس العسكرى وأدائه.. وأخطائه.. وكلنا نخطئ ولسنا معصومين من الزلل والشطط. وقد يكون من أسباب خطأ المجلس العسكرى هو أنه غير متخصص فى إدارة الحياة المدنية بمختلف فروعها، نعلم أن الإدارة العسكرية تختلف تماما عن إدارة الواقع السياسى الخطير الذى نعيشه بعد ثورة يناير.. هذا الوضع شديد التعقيد وسريع التغيير ولا يرتبط بما يحدث داخل مصر فقط.. بل يتأثر بمحيطها الإقليمى والدولى. وقد نرى أن المجلس العسكرى يخطئ بناء على رؤيتنا للأحداث من خلال ما نعرفه ونتابعه فقط.. بينما قد تكون لدى المجلس نفسه معلومات استخباراتية وسياسية لا نعرفها.. ويجب ألا نعرفها.. ومن أمثلة ذلك ما جرى يوم اقتحام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة.. فمن المؤكد أن هناك تطورات متسارعة وشديدة الخطورة قد جرت لم يكن لنا أن نعلمها.. ويجب ألا نعرفها لأسباب أمنية وسياسية شديدة الحساسية.. ولا يمكن أن نطرحها على الرأى العام. بمعنى آخر.. فإن ما قد نراه خطأ للمجلس العسكرى.. قد يكون صوابا من زاوية الأمن القومى المصرى الذى يتطلب معالجة رفيعة المستوى تتسم بالمصداقية والمسئولية العالية.. ومع ذلك فإن هناك أخطاء كان يمكن تجنبها.. من خلال التشاور المستمر بين المجلس العسكرى والقوى السياسية المختلفة.. خاصة شباب الثورة.. وصناعها الحقيقيين.. ومن أبرز دلائل وطنية المؤسسة العسكرية مقارنة أدائها بأداء الجيوش الأخرى.. فى اليمن وليبيا وسوريا.. إلخ.. فهناك فوارق شاسعة، حيث التزم الجيش على المستوى الرسمى والقيادات العليا بسياسة عدم الاعتداء على المظاهرات السلمية.. رغم حدوث بعض التجاوزات من بعض الأفراد.. وأغلبها موجه ضد البلطجية والخارجين عن القانون. وبالمقابل شاهدنا- ومازلنا نتابع- المجازر التى ترتكبها الجيوش العربية فى اليمن وليبيا وسوريا.. بأمر من قادة الجيش. وقادة البلاد السياسيين أنفسهم ولو افترضنا - جدلا- أن الجيش المصرى قرر التعامل مع ثورة 25 يناير بذات الأسلوب والمنطق لحدث ما لا تحمد عقباه.. ولما تنحى مبارك أصلا.. ولما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن. فرغم كل الاتهامات بالبطء. فقد كان للمؤسسة العسكرية دورها الحاسم فى رفض التوريث.. وهى إزاحة مبارك ونظامه.. ثم محاكمته.. وأيضا فى السماح ببروز الكثير من التيارات والقوى السياسية بشكل رسمى وشرعى.. بعد أن كانت ممنوعة.. ومحظورة.. نعم هناك أخطاء فى معالجة مشاكلنا الأمنية والاقتصادية والإعلامية.. إلخ ولكن هناك تطورات إيجابية على أرض الواقع.. ومنها اجتماع الفريق سامى عنان مع قادة الأحزاب. ودار الاتفاق على كثير من المطالب الثورية المطروحة.. نعم لم تتم تلبية كل المطالب والطموحات.. ولكن تم الاتفاق على بعض الأسس والجدول الزمنى لنقل السلطة، واللقاء فى حد ذاته إيجابى ويجب أن يتكرر وفق آلية دقيقة للإنذار المبكر من الأزمات ومحاولة تلافيها قبل حدوثها. إضافة إلى ذلك يجب أن تكون لدى المجلس العسكرى رؤية استراتيجية متكاملة لإدارة المرحلة الانتقالية.. نعم هى مرحلة انتقالية.. ولكنها متصلة بالماضى.. والمستقبل أيضا فما يحدث اليوم سوف يكون أساسا لبناء المستقبل.. سوف تقوم عليه مصر الغد.. ولا نبالغ إذا قلنا إن هذه المرحلة هى الأهم لبناء هذا المستقبل، فنحن نضع الأسس السليمة والراسخة لمصر الجديدة، ومن هنا تنبع حيوية هذه المرحلة من حيث التخطيط والإدارة والمتابعة. ونحن نعتقد أن دور الجيش لم يغب عن الساحة السياسية المصرية منذ عقود طويلة.. منذ الخمسينيات.. وهو مستمر حاليا.. وسوف يستمر مستقبلا لسببين: أنه قوة فاعلة ومؤثرة على أرض الواقع، والثانى لأن الضمانة الأساسية لاستمرار مصر ككيان تاريخى راسخ.. بمشيئة الله بغض النظر عن المصالح والحسابات السياسية والعسكرية والاستراتيجية. ومن هنا يجب أن تنشأ رؤية توافقية على دور المؤسسة العسكرية فى الحياة المصرية بشكل عام.. وفى حماية الأمن القومى بشكل خاص. وحماية الأمن القومى.. مهمة أشد ثقلا وأكثر خطورة. فالجيش مهموم بمعالجة مشاكل الداخل الثائر.. وهى مشاكل متصاعدة ومتنوعة ومتجددة.. وخطيرة فى أحيان كثيرة.. إضافة إلى هموم الأمن الخارجى.. وهى لا تقتصر على الحدود المباشرة لمصر.. بل تتعداها إلى مناطق أبعد جغرافيا.. ولكنها مؤثرة على مصير مصر.. وعلى لقمة العيش التى يحتاج إليها المواطن البسيط.. ***وإذا كان هذا هو دور المؤسسة العسكرية وقدرها فإن على الأحزاب والقوى السياسية مسئوليات مقابلة وموازية لا تقل أهمية.. لعل أهمها التعامل الموضوعى المسئول مع قضايانا الداخلية الخطيرة، فمصالح مصر الاستراتيجية أهم بكثير من مصالح الأحزاب والأشخاص والقوى المختلفة.. مهما علت مكانتها وارتفعت أسهمها، ويجب ألا نستغل المظاهرات والمطالب الفئوية لإثقال ظهر مصر الذى ينوء بالأعباء والأنواء وهو لن ينحنى وستظل قامة أرض الكنان مرفوعة شامخة.. بمشيئة الله. عدم التهييج والإثارة وركوب موجه الاحتجاجات مسئولية كبرى على مختلف الأحزاب والقوى السياسية. فما أسهل أن أمسك بالميكروفون.. أو أخط بالقلم.. أو أنبرى من خلال الفضائيات لهدم مؤسسات وقيم وقامات خالدة.. وما أصعب إعادة بنائها، فالهدم سهل جدا جدا.. والبناء أصعب كثيرا.. وقد يكون مستحيلا إذا وصلنا إلى نقطة اللا عودة لا قدر الله. ويمكن للقوى السياسية المختلفة التوافق والاتفاق على القضايا الرئيسية وأن تضع تصورا لحلها فيما بينها. وأن تضع مصلحة مصر نصب أعينها.. أولا وأخيرا.. ولا مانع من عرض هذه الرؤية الوطنية المخلصة على المجلس العسكرى ويتوافق الجميع عليها ونحن على ثقة بأن المجلس لن يرفضها.. بل سيؤيدها ويدعمها بكل قوة إذا تمت صياغتها على أسس وطنية وقومية مخلصة وواعية. أما أبناؤنا شباب الثورة.. فأنا أدعوهم كما دعوتهم قبل نحو ستة أشهر على صفحات (أكتوبر) للاندماج وتشكيل تحالف قوى ومنظم.. حتى يحققوا نتيجة جيدة فى الانتخابات وبدون هذا التحالف.. وبدون وجود قيم واحدة وموحدة وكاريزماتية لهم.. لن يحققوا أهدافهم.. وسوف تخسر الثورة كثيرا.. ومصر أكثر.. إذا خسروا فى الانتخابات القادمة.. لا قدر الله.