جاءنى صديقى - أحد أبطال حرب أكتوبر- مستاءً من الهجوم الذى يتعرض له المجلس العسكرى بشكل عام.. وأبطال حرب أكتوبر بشكل خاص؛ على خلفية اتهام مبارك ومحاكمته. وقال صديقى: يجب أن يدرك أبناؤنا الثوار أننا واجهنا الموت بشجاعة نادرة خلال حرب 1973 وضحينا بأرواحنا بمنتهى الرضا والإقدام والحب لمصر. وكما حقق هؤلاء الشباب إنجازًا رائعًا فى 25 يناير الماضى، حققنا نحن أبطال أكتوبر إنجازًا تاريخيًا.. تمثل فى النصر الأول للعرب فى العصر الحديث على إسرائيل. قلت لصديقى: إذا هناك أوجه شبه كبيرة ونقاط التقاء كثيرة بين شباب 73 وشباب يناير2011. قال: نعم؛ مثلما واجهنا الموت وضحينا.. ضحوا هم أيضا.. من أجل مصر. لذا يجب ألا يسىء أحد لأبطال حرب أكتوبر، وأعضاء المجلس العسكرى الحالى الذين شاركوا فى تلك الحرب، وذلك الانتصار المجيد، فكل هؤلاء لهم تاريخ مشرف يجب أن نحترمه. إذاً وضع شباب مصر فى الحالتين (73 و2011) مصر نصب أعينهم.. فكانت مصر أولا.. وأخيرًا، وهذه نقطة التقاء أخرى بين الجيش والثورة، فنحن على ثقة رغم كل التجاوزات والأخطاء أن الجميع حريص على مصلحة مصر، ومثلما قامت حرب أكتوبر 1973 من أجل تحرير الأرض المحتلة، أنطلقت ثورة يناير 2011 من أجل تحرير مصر من الفساد والاستبداد، هذا عامل مشترك آخر بين الانجازين رغم الفارق الزمنى الذى يقترب من أربعة عقود. يجب أن ندرك - كما يقول صديقى بطل حرب أكتوبر - إن الارادة الالهية - كان لها دور أساسى فى انتصار 73 ونجاح ثورة يناير 2011، ورغم التخطيط والتدبير ووسائل التكنولوجيا الحديثة والسلاح المتاح، فإن إرادة الله كانت ومازالت وستظل فوق كل شئ سواء تم ذلك فى العاشر من رمضان؛ أو أوائل هذا العام، إنها ارادة الله التى أجراها على يد الشباب فى الحالتين والانجازين، فاعضاء المجلس العسكرى وكثير من قادة القوات المسلحة شاركوا فى انتصار أكتوبر، كما شاركوا فى حماية الثورة بعد ذلك. ونحن هنا لا ندافع عن أحد، بل نذكر وقائع محددة وقاطعة، فلولا انحياز الجيش لصالح الشعب، لما استمرت الثورة، وما انتصرت، وهناك أسرار وخفايا كثيرة سوف يكشفها التاريخ عن دور الجيش فى انتصار يناير2011. قال ضيفى: كان الكثيرون يسألوننى قبل ثورة يناير: هل يمكن أن يكون لدينا مثل شباب أكتوبر 1973؟ كنت أقول لهم وبثقة: نعم أنهم موجودون ولكنهم ينتظرون الفرصة المناسبة للظهور والبروز والانطلاق، وقد جاءت هذه الفرصة فى يناير الماضى، ودعمها الجيش بعد ذلك، وثق تماما أن المجلس الأعلى يريد تسليم السلطة بأسرع ما يمكن لأن لديه مهاما أخرى أكثر حيوية تتمثل فى حماية أمن البلاد. والمجلس يريد تسليم السلطة لمن قاموا بها فعلا.. أى إلى الشباب الذين يستحقون أن يجنوا ثمرة كفاحهم وثورتهم، ولكن يجب على الشباب أن يساعدوا المجلس الأعلى فى تحقيق هذا الهدف. قلت له كيف؟ رد صديقى - بطل حرب أكتوبر- قائلا: يجب أن تتوقف المليونيات والمطالب الفئوية لمدة سنة وبعدها نحاسب الحكومة والمجلس العسكرى على أدائه. رددت عليه: هذا اقتراح جيد؛ ولكن الشباب يريد ضمانات، يريد جدولا زمنيا محددا وملزما لنقل السلطة. فقال: المجلس يريد ترك السلطة اليوم قبل الغد؛ ولكن صراع القوى السياسية هو الذى أفسد هذا المشهد وأفسد الأوضاع مما أدى إلى بلوغنا المرحلة الحالية. *** من خلال حوارى مع صديقى بطل حرب أكتوبر والذى شارك مع أعضاء المجلس العسكرى فى هذا الانتصار المجيد.. ومن خلال قراءة المشهد السياسى المصرى يتضح لنا أن هناك أزمة ثقة بين الحكومة والمجلس العسكرى من جانب؛ وبين القوى السياسية عامة وبين الاعلام بشكل أخص. أزمة الثقة تلك نشأت لعدة أسباب ابرزها: التباطؤ فى إتخاذ اجراءات حاسمة لمواجهة الكثير من المواقف. فهناك مواقف كانت تستدعى التدخل السريع والحسم الفورى، وهى سهلة المنال، وفى متناول المجلس والحكومة، مثل قضيتى «البلطجة» و «الزبالة» المنتشرة فى كل مكان؛ إضافة إلى تجاوزات البناء والتعدى على الأرض الزراعية، كان من السهل جدا أن تتدخل الشرطة، وهذا دورها وواجبها، فى ملاحقة ومطاردة واعتقال كل من يلقى بالقمامة ومخلفات المبانى، ولدى السلطة القوانين الجاهزة لتحقيق ذلك، فقط نريد تطبيقها وتفعيلها، ولكن الشرطة لاتقوم بواجبها تماما، أما ظاهرة البلطجة والبلطجية؛ فالشرطة أدرى بهم وتعرفهم وتعاملت معهم على مدى عشرات السنين، وتستطيع اعتقالهم بسرعة وسهولة إذا توافرت النوايا المخلصة والارادة القوية. أيضا من أخطاء الحكومة التوسع فى تحويل الشباب (وليس البلطجية) إلى المحاكمات العسكرية، بينما يحاكم رموز الفساد والاستبداد أمام محاكم مدنية وتتوفر لهم كل وسائل الراحة والتدليل.. بل أن مؤيديهم تجاوزوا كل الحدود تحت سمع وبصر الشرطة وأعتدوا على أسر الشهداء. إذا هناك بطء شديد ورعاية تامة لمحاكمات رموز النظام السابق.. وبالمقابل شدة وحسم مع أسر الشهداء ومحاميهم ومؤيديهم.. ومع شباب الثورة وليس البلطجية. ومن أسباب عدم الثقة كذلك الاصرار على إصدار قوانين وفرضها على الجميع دون مناقشتها ودون الأخذ برأى الأغلبية الرافضة لها، خاصة قانون الانتخابات الذى يتيح لفلول الحزب الوطنى دخول البرلمان، ولو بنسبة ضئيلة من خلال استغلال النفوذ والعصبيات والمال الوفير والغزير، حتى أن أحد مرشحى الفلول قال: سوف أدفع 20 مليونا لدخول البرلمان!! ومن الواضح أن الحوار بين شباب الثورة بمختلف انتماءاتهم وتياراتهم لم يعد كما كان بعد الثورة مباشرة، فقد كان هناك حوار متواصل ولقاءات مستمرة ونتائج مثمرة وإيجابية لهذا الحوار، بل إننى خلال حوارى مع شباب الثورة جرى اتصال من أحد أعضاء المجلس العسكرى بأحد أبنائنا من اتحاد شباب الثورة وكان الشاب سعيدا.. ليس الاتصال فقط بل بمبادره المجلس العسكرى لمعرفة تصورهم لمرحلة ما بعد الاستفتاء الدستورى. أيضا هناك أياد خارجية وداخلية تلعب لتخريب العلاقة بين المجلس العسكرى والحكومة من جهة، وبين الثورة والقوى السياسية بشكل عام.. فإسرائيل وإيران وحماس وحزب الله، كلهم لهم دور وبعض وسائل الاعلام غير المسئولة لها دور أيضا. ولكن السؤال الأهم هو: كيف نستعيد أبناءنا من هذا الوضع السىء الخطير إلى حضن مصر؟ لقد تحاورنا وتفاوضنا وأتفقنا مع اسرائيل ومن باب أولى أن نتحاور ونتشاور ونتفق مع أنفسنا.. مع أبنائنا وفلذات أكبادنا، قد تكون هناك بعض التجاوزات أو الشطط، ولكنها تجاوزات وأخطاء داخل الأسرة الواحدة، يجب أن نحتويهم ونوجههم بكل الحب والود والصبر. وليس عيبًا أن يتراجع المجلس العسكرى أو الحكومة عن بعض القرارات والاجراءات والقوانين المرفوضة، ومنها تفعيل قانون الطوارئ وتضييق حركة الاعلام، وقانون الانتخابات، والأهم من ذلك تفعيل الحوار بين المجلس العسكرى والحكومة وكافة القوى الوطنية المسئولة. كما يجب أن يدرك أبناؤنا أننا مستهدفون من قوى خارجية وداخلية كثيرة، وأن الهدف العاجل لهذه القوى هو إفشال الثورة وتوفير المناخ السياسى والاعلامى لعودة الفلول، أو استعادتها لبعض نفوذها، بعد أن علا صوتها وضجيجها فى الفترة الأخيرة. لذا من المهم والحيوى الاسراع بالانتخابات وتنفيذ مراحل الاعلان الدستورى، وإنشاء المؤسسات الفاعلة والقادرة على إجهاض محاولات الفلول، والذيول عندئذ سوف تعود الثقة المفقودة ويعود الوئام والوفاق بين العسكر والثوار.