لعل النظام السورى وهو يلفظ أنفاسه لم يدع كلمة أو توصيفا للمحللين والمفكرين إلا وتضآل كثيرا أمام ممارساته الطائشة والتى سيسجلها القاموس السياسى خارج أبجدياته وشروحه وتفسيراته ووقائعه باعتبارها حالة استثنائية يندر أن يكون لها تماثل ما! ولعل ضمن الغرائب والإتحافات السياسية هو استمرار الدعم اللوجيستى والمادى والتقنى من ايران للنظام السورى قمعا للتظاهرات وتحجيما لموجات التحرر والعصيان بل سحقا للثورة فى سوريا فى كافة أرجائها وهو ما يعمل وبشكل فعال على طمس الطموحات الديمقراطية والاصلاحية والعصف بحقوق الإنسان وإشاعة الكبت السياسى، ولعل الموقف الإيرانى يثير تناقضية خطرة بتأييده المطلق وبمهادنته للنظام السورى فى كل ما أتى به من بشائع تتلاشى أمامها كل الديكتاتوريات العتيدة على عكس ثنائه وإطرائه فى ذات الوقت على كل الثورات والحركات الشعبية فى المحيط العربى وهو ما يطرح سؤالا على درجة عليا من التقليدية والنمطية وهو لماذا كانت سوريا هى الاستثناء الأوحد من ذلك؟ الانطباعات الظاهرة تشير إلى ضرورة إفهام الولاياتالمتحدة صلابة العلاقة مع النظام السورى وهو ما يمثل عائقا كبيرا نحو تحسين العلاقات الأمريكية السورية من ثم تتعرقل مساعى واشنطن المنطلقة إلى مرحلة انتقالية نحو الاصلاح والديمقراطية والانفتاح والتعددية الحزبية ولن تحدث إلا بإقصاء الطرف الإيرانى. وعلى ذلك فلقد أصبحت سوريا هى القاسم المشترك والجوكر السياسى بين إيران وأمريكا فأمريكا تحاول استقطاب النظام السورى الخادم لأهداف إسرائيل طوعا وكرها وتقدم لها حليفا مستأنساً تمثل خسارته مكسبا كبيرا لأعداء أمريكا الذين تتقدمهم إيران بلا منازع! أما على مستوى المحور الايرانى فهو يدأب نحو استغلال كافة الاضطرابات أملا فى سريان بنود أجندته على الدول المجاورة بل إحداث جبرية خاصة لتحجيم حركات السلام ووأد الاستقرار فى المنطقة ذلك أنه يفضل ميلاد دول ضعيفة لا تصمد مطلقا لتحدى أجندتها الخارجية يوما ما. ولعل النظام الايرانى فى ذلك إنما يعمل على تفعيل استراتيجيتين تحدث عنهما «روبرت غرين» الأولى تطبقها مع سوريا والمسماة باستراتيجية القيادة والسيطرة والقائلة بأن مشكلة قيادة أية أمة أو شعب أنهم يملكون أجنداتهم الخاصة بصورة لا يمكن التخلى عنها، لا تكن سلطويا أو مرنا من ثم فعليك أن تخلق سلسلة قيادة فولاذية ولا تشعر الناس فيها أنهم مقيدون بسلطتك لكنهم يتبعون قيادتك لهم، اخلق احساسا بالمشاركة والاندماج لكن لا تقع فى فخ التفكير الجماعى لتلك الأمة أو هذا الشعب. أما الاستراتيجية الأخرى التى ينتهجها النظام الإيرانى مع الولاياتالمتحدة فهى استراتيجية الردع والمؤكدة على أن أفضل طريقة لصد المعتدين هى منعهم من مهاجمتك بالأساس ولكى تنجز هذا عليك أن تولد لديهم الانطباع بأنك أقوى مما يظنون، ابن صيتا عن نفسك بأنك مجنون بعض الشىء وأن قتالك لا يعود بالفائدة إخلق هذه السمعة واسبغ عليها المصداقية عبر بعض الأفعال العنيفة المؤثرة، فانعدام اليقين أفضل أحيانا من التهديد المعلن. بهذه الطرق والاستراتيجيات يخوض النظام الإيرانى جولة مزدوجة عاصفة تستهدف الاحتواء والاستقطاب على الصعيد السورى والتواجه الخفى والعداوة السافرة على الصعيد الأمريكى، لكن هذه وتلك إنما تعبران عن عمق وتأصل ذلك الشبق السياسى المحرك لنوازع ذلك النظام المتهالك على دور ريادى وقيادى لاهثا وراء الصدارة السياسية مطيحا بكافة المصالح الإقليمية ثمنا رخيصا لهذه الصدارة والمحاول دائما بشبقيته المتجلية تأكيد الميول والاتجاهات نحو الإفراط والإشباع والاستحواذ والتوسع والسيادة والتحكم وممارسة الضغوط واستخدام فنون المراوغة وتكريس منظومة المغالطات واقرار اللغة الانسيابية ذات الدلالات البعيدة والقريبة السامحة بالانفلات من المآزق المتعددة سياسيا واستراتيجيا. وعلى كل ذلك تتجلى بعض التساؤلات ممثلة فى: ماذا سيكون الموقف الأمريكى من الثعلب الإيرانى إزاء العراقيل التى يقيمها فى سوريا والعراق بجانب الاستفزازات التى يطرحها فى وجه الدولة العبرية؟ وهل تلجأ الإدارة الأمريكية إلى منطق العقوبات التى استعانت به مرارا دون جدوى؟ وكيف للنظام الإيرانى أن يؤازر نظاما آخر متحالفا معه ضد شعبه قمعا وقهرا؟ واذا كان النظام السورى قد استساغ العبث بسمعته السياسية اثر جرائره الشنعاء فكيف للنظام الايرانى أن يستبيح ذاته لتصبح نهبا للأعداء والأصدقاء فى آن واحد؟ إن النظام الإيرانى طيلة تاريخيه المعاصر قد استثمر كافة التأزمات العربية لا للصالح العربى أو الإقليمى أو الدولى وإنما فى اتجاه الآنوية السياسية التى تؤثر المصالح العاجلة على المواقف الثابتة، والآملة فى الوجود المطلق دون ند أو منافس على مستوى الماضى والحاضر ومستقبل ما بعد البعيد!!