مغامرة جديدة قامت بها مجلة أكتوبر حيث نجحت فى اختراق مستشفى شرم الشيخ الدولى الذى يعالج فيه الرئيس المخلوع حسنى مبارك حيث التقطنا مجموعة من الصور بداخل المستشفى الذى استعصى على الكاميرات والصحفيين لفترة طويلة وتجولنا فى بعض أدواره ونقلنا صورة حية لشكل الحياة وطبيعة العاملين بالمستشفى. وهذه هى تفاصيل المغامرة.. لا يدرك المرء سبب اختيار الرئيس السابق حسنى مبارك مدينة شرم الشيخ مكانا لإقامته رئيساً ومخلوعاً. إلا بعد زيارتها حيث يلمس فيها للوهلة الاولى الهدوء المبين والبعد عن ضجيج مظاهرات القاهرة والمحافظات الأخرى. بل تشعر أنك خارج مصر، السياح الاجانب يريدون قضاء أمتع الأوقات والعاملون يريدون تعويض ما فاتهم من شهور الخسارة، الكل مشغول فيما يريد بينما يبقى الرئيس المخلوع بعيدا وحيداً بمستشفى شرم الشيخ الدولى كأنه يعيش فى قصره الفخيم الذى يقع على بعد أمتار قليلة من المستشفى، يحمى المستشفى من الخارج سيارات أمن مركزى وبدو مسلحون وهذا أول ما لفت انتباهنا. حاولنا التعرف على الاجواء المحيطة بالمستشفى من الخارج ومن الداخل لكن كيف سنقوم بدخول المستشفى مع وجود هذا العدد الضخم من قوات الأمن، بالتأكيد سيمنعوننى لمجرد أننى صحفى، إذ لابد من البحث عن طريقة أخرى للدخول، فهناك تساؤلات عديدة يريد أن يعرفها القارىء ولابد من الاجابة عنها، كيف يعمل هذا المستشفى الفاخر وهل طبيعة العمل به مختلفة عن باقى المستشفيات الأخرى وما هو الوصف التفصيلى للمستشفى من الداخل وهو الذى يعالج به اهم رئيس مخلوع فى العصر الحديث. بحثت عن حيلة لدخول المستشفى وبالفعل استعنت باحدى صديقاتى حيث ادعت أنها مريضة، ولتيسير الدخول استعنا بسيارة أخيها وهو يعمل بقطاع السياحة بشرم الشيخ. وعندما اقتربنا من البوابة الرئيسية وجدنا تأميناً كاملاً للمستشفى من جميع الجوانب، 6 سيارات أمن مركزى كبيرة تقف أمام واجهة المستشفى والبوابة الرئيسية وسيارة بوكس وسيارتى «أتارى» ومجندين أمن مركزى مسلحين يجلسون ويحتمون من أشعة الشمس الحارقة تحت شماسى يفصل بين الواحدة والأخرى عشرة أمتار فقط وهم يحيطون بالمستشفى من كل جانب. استوقفنا أفراد أمن يرتدون زيا مدنيا يجلسون أمام البوابة الرئيسية وقبل أن نصل اليهم على ما يبدو أنهم كانوا يتسامرون ويحاولون قتل الوقت. طلبنا منهم الدخول بسرعة إلى قسم الطوارئ والاستقبال لأن معنا حالة تحتاج إلى علاج سريع وانفتحت البوابة على الفور امام الصراخ من الالم وتوسلاتنا بسرعة فتح البوابة ودخلنا المستشفى وهو من الداخل نظيف جدا به لوحات ارشادية فى كل جانب وأفراد أمن منتشرون بكل طرقات المستشفى يرتدى بعضهم زياً مدنياً الآخرون ميرى. ويقع قسم الاستقبال على بعد 50 متراً من البوابة الرئيسية للمستشفى وتوقفت السيارة امام قسم الاستقبال وأسرعت فى مساندة الزميلة المريضة بينما كانت تتوجع أكثر وأكثر فى مقابل كلماتنا التى كانت تحمل معنى الصبر على المرض والتخفيف عن المريض خاصة عندما اقتربنا من الموظف الذى يسجل البيانات بصالة الاستقبال، وهى مكان فسيح نظيف هادئ لا تشعر أنه استقبال لحالات الطوارئ مثل الموجودة فى باقى المستشفيات الحكومية الأخرى نحن بالتأكيد فى عالم أخر، أمام حركات التمثيل التى قمنا بها وشكل ملابسنا التى لا تجعل أى أحد يشك فينا فنحن من المصيفين تعرضت واحدة منا لوعكه صحية. موظف الاستقبال وجهه حاسم وجاد ولا يبتسم أبدا وهو شاب ثلاثينى سأل المريضة وهى تتوجع مما تشتكين قالت بطنى ورجلى بهما ألم شديد، وأنا لم أدر فى الحقيقة ما علاقة وجع البطن بالرجل! لكنى قلت لها مطمئنا لا تقلقى، وأمام كل هذا التمثيل المتقن لم يجد موظف الاستقبال مفراً من السماح لنا بالدخول حتى لم يطلب منا دفع ثمن التذكرة إلا بعد أن تدخل الحالة إلى الطبيب الموجود بقسم الاستقبال وطلب بطاقتها ليكتب بياناتها فى دفتر ضخم، ودخلت الزميلة المريضة إلى غرفة الكشف وهى فى الحقيقة صحتها كانت «زى البمب» وليتها ما دخلت إذ حدث ما كنا نخشاه حيث علق لها الطبيب على الفور محلولا لاأدرى لماذا لكن هذا كله جيد لأنه سيطيل فترة بقائنا بالمستشفى. وخرجت إلى صالة الاستقبال لأملى بيانات المريضة على موظف الاستقبال حتى ينتهى المحلول ولاحظت أن معظم المتواجدين حولى إن لم يكونوا من الشرطة فهم من أمن المستشفى الذين يرتدون «يونيفورم» بينما يرتدى رجال الشرطة زيا مدنيا بالاضافة إلى أمين شرطة يرتدى زى ميرى أبيض اللون... وقد زأر فينا عندما طلب من أخ الزميلة المريضة أن يخرج سيارته من المستشفى إلى الخارج وبعيدا عنها تماما، وقال له «قصر»أى لا يطيل الحديث معنا واسمع لما نطلبه منك قال ذلك بنبرة كلها تحذير بل ووعيد محاولا تذكيزنا بأن الدواعى الامنية تتطلب ذلك فنحن فى مستشفى يعالج به متهم بحجم الرئيس المخلوع مبارك ولسنا فى مستشفى الهرم وخضع أخ الزميلة للتعليمات خوفا من إفساد المهمة ولكى لا يغضب السيد امين الشرطة الذى يبلغ من العمر حوالى 40 عاما ويبدو أنه لم يتأثر بالثورة وتحدث بفظاظة على غير عادة رجال الشرطة الحاليين، المهم أن كل الموظفين بالمستشفى على حذر بدءا من اقل عامل نظافة حتى أكبر طبيب يتحدثون «بالقطارة» ومعظمهم ينفذ التعليمات بعدم الحديث والدخول مع أحد المترددين على المستشفى فى أى حوار لأى سبب من الأسباب. ومن الغريب أن يكون سعر تذكرة دخول المستشفى عشر أضعاف المستشفيات الأخرى. فثمن التذكرة الحقيقى 1 جنيه كباقى المستشفيات لكن ثمن الكشف 10 جنيهات سواء أخذت دواء أم لم تأخذ وهذا غير معمول به فى باقى المستشفيات حيث تستطيع الدخول بالتذكرة العادية وتحصل على دواء أيضا بدون دفع رسوم للكشف. حاولت البحث عن طريقة أتحدث بها معهم لأحصل على بعض المعلومات وفتحت الحديث الحميمى بينى وبين أحد الموظفين بقولى توقعت أننا لن نستطيع دخول المستشفى بسهولة لعلاج حالتنا بسبب وجود الرئيس السابق هنا فقال لا الدخول هنا سهل جدا للمريض بل للزائرين الذين يترددون على المستشفى لمتابعة ذويهم، فقلت أنها مستشفى جميل ورائع ونظيف فقال مفتخرا طبعا به كل التخصصات وهو المستشفى الوحيد المجهز بمحافظة جنوبسيناء ويوجد بقسم الاستقبال أربعة أطباء بجانب كل التخصصات التى تأتى فور استدعائها لأنهم يقيمون بسكن الأطباء.. بالمستشفى، كنت حريصاً جدا على عدم إظهار أننى متلهف على الأسئلة بشكل يلفت الانتباه خاصة وأن أفراد المباحث يجلسون بجانبى فتحدثت فى أمور لا تتعلق بالمستشفى ولا بالسياسة وتبادلنا الحديث فى أمور أخرى غير مهمة. وبما ان الحديث أصبح حميمى وكأننا نجلس على قهوة فى الحسين ساعة عصارى أجابنى أحد أفراد أمن المستشفى عن بعض أمور المستشفى عندما سألته عن ذلك فقال إن هناك تطويرا كبيرا ينتظر المستشفى حيث تم تخصيص 270 مليون جنيه لذلك الغرض حيث سيتم تغيير الواجهات الزجاجية الهرمية للمستشفى وتغيرها من اللون الأزرق إلى ألوان أخرى بالإضافة إلى إنشاء مجارى مائية بمدخل المستشفى فضلا عن استكمال بناء باقى أجزاء المستشفى، سألته عن مبارك وهو السؤال الذى جئت من أجله. فقال إنه معزول تماماً عن المستشفى ويعيش بمفرده بالدور الأخير من المستشفى حيث توجد شرطة تؤمن مداخل ومخارج هذا الدور. وأضاف أن «الرويال سويت» الذى يقيم به مبارك مجهز على اعلى مستوى وهو بمثابة فندق 5 نجوم لكن لا نعلم حقيقة وضعه الصحى أو حقيقة مرضه ولا يستطيع أحد من موظفى المستشفى الاقتراب من مكان إقامته حيث يوجد انضباط تام وحذر فى كل تحركاتنا وسألته عن الشخصيات التى تزوره قال زوجته سوزان وزوجة ابنه علاء هايدى ومحاميه فريد الديب ومديرأمن جنوبسيناء لأنه مسئول عنه وهذا دليل قوى على أنه موجود بالمستشفى وليس كما يشكك الناس فى أنه خارجه. استأذنت من هذا الموظف لأطمئن على الحالة التى كانت صحتها «زى البمب» ولا أدرى كيف ستكون صحتها بعد إعطائها هذا المحلول وأنا عائد من عندها صعدت فى غفلة من الموظفين إلى الدور الأعلى وهو يضم عنابر المرضى وبعض غرف الكشف والطرقات بهذا الدور نظيفة جدا لكننى لم أستطع الصعود لأدوار أعلى بعد أن استوقفنى أفراد امن وطلبوا منى النزول فورا وكانوا متيقظين جدا وأصبح التجول بكل أروقة المستشفى مستحيلاً لكن ممكن أعوض ذلك بمعرفة معلومات جديدة من الموظفين وهذا ما كنت أقوم به منذ دقائق. لكن بصعودى إلى الدور العلوى هذا كنت قريباً جدا من جناح إقامة الرئيس المخلوع ولاحظت ذلك من خلال كثرة أفراد الأمن والمباحث المتواجدين بهذا الدور وكل أدوار المستشفى. ومع أن الرئيس المخلوع يقيم بجناح فندقه مع طاقم خدمة أجنبى كما يردد البعض داخل المستشفى إلا أنه متساوى مع جميع المرضى بوجوده معهم بمستشفىعام واحد. بل هم أفضل منه لأن هؤلاء المرضى سيخرجون إلى بيوتهم فور شفائهم أما هو فسيخرج إلى محكمة الجنايات وربما إلى السجن وقد تحولت الشرطة من حراسته إلى حمايته من أى اعتداء قد يقع عليه من المتحمسين من المتظاهرين. انتابنى شعور بالسعادة لوجودى بالمكان الذى يعيش فيه أهم رئيس مخلوع فى القرن الحادى والعشرين وعلمنا أن حالته الصحية والنفسية سيئة جدا لأنه يعلم أنه لا مفر من دخول السجن.. وعلى ما يبدو أنه ينتظر الموت وهذا ما أكده أحد العاملين بالمستشفى. لقد دخلنا المكان الذى يعيش فيه بسهولة مع أننا لم نكن نستطيع حتى الاقتراب من قصره على بعد مئات الأمتار وإن حدث وتم حضور مناسبة له فإنه كان ينبغى علينا عدم التحرك من أماكننا لمدة ساعتين فى انتظار سيادته. الآن الوضع أصبح مختلفاً. وخرجت الزميلة «المريضة» ونحن نودع المستشفى متمنين خروج مبارك من هذا الفندق الضخم إلى سجن حقيقى يليق به وبحجم ما ارتكبه فى حق الشعب المصرى، ولفت نظرى وجود سيارات نصف نقل كثيرة تحيط بالمستشفى من كل جانب علمت فيما بعد أنها سيارات لبدو يحمون الرئيس السابق - كما يقول البعض - ويمنعون الاعتداء عليه.. الغريب أن هذه السيارات تجاور سيارات الشرطة وتكاد تلامسها. ولا معنى لوجودها فى هذا المكان الحساس إلا لهذا الغرض الذى ذكرته آنفا لأنها لم تكن موجودة من قبل بهذا المكان. ومن أبرز الظواهر الجديدة التى تلحظها بشرم الشيخ ارتفاع نسبة الدعاوى القضائية ضد أصحاب الأعمال من العاملين لإجبارهم على ترك العمل أو حتى تقليل المرتبات، ومع كثرة تجوالى بالمدينة ليلا ونهارا لم أر حالة إنشاء مبان.. فحركة المعمار بالمدينة تمر بحالة ركود كبيرة، والعمل متوقف تماما فى أغلب الفنادق الجديدة والتى يتم إنشاؤها حالياً.