إذا أردت أن تعرف مدى عافية أية دولة فانظر كيف تمنح جوائزها، ولمن تذهب.. تلك بديهية، أما الواقع فقد جاءت جوائز الدولة لهذا العام مخيبة أيضاً للآمال والطموحات فى تفاصيلها ونتائجها، فلم تختلف عما كان يجرى من قبل على مدى عقود طويلة سابقة، ولم يشعر المراقبون والمهتمون بأى تغيير أو تحسن طرأ على جوائز الدولة وطريقة توزيعها لهذا العام، حيث جاء أداء الوزارة والوزير والمجلس الأعلى ولجانه المختلفة، بنفس الدرجة من الارتباك والجمود والعشوائية حتى لتظن أنهم لم يسمعوا قط عن هذه الثورة التى اطاحت برؤوس للفساد والافساد.. وحتى بات السؤال عن العلاقة بين حالة هذا الفساد التى انتشرت وتنامت طوال السنوات السابقة وبين جوائز الدولة التى ذهبت وتذهب فى الغالب الأعم لغير مستحقيها.. وتصبح عملية رصد وتتبع الأسماء والشخصيات التى حصدت جوائز الدولة من تفوق وتقديرية ومبارك سواء فى الآداب والفنون أو العلوم مؤشراً دالاً على نوعية هذا الفساد والإفساد وحجمه وطبيعته.. ويصير الأصح والأحرى أمام اتساع رقعة ودائرة الفاسدين والمفسدين هو البحث والكلام عمن منعت عنهم الجوائز وحجبت وضلت الطريق إليهم لأنها ستكشف الوجه الأخر للصورة، وتفضح حالة التواطؤ العام التى ضربت المجتمع ونخبته فى مقتل.. وأضاعت مصداقية وهيبة الدولة.. فهل ستصدق أن الموت والمرض العضال صارا عنصراً فاعلاً فىالحصول على الجائزة بعد الشللية والمصالح الشخصية والعلاقات المريبة مع أجهزة الدولة وبعد الاستجداء والتسول من أعضاء اللجان والمسئولين عن منح الجوائز. ولا أدرى من أين أبدأ هل من العنوان «جوائز الدولة» التى تحول معناها ومغزاها مع مرور السنين من إعلاء لقيمة الجائزة ولمن ينالها، وتكريمه ورفعه إلى قامة وقيمة الدولة بحيث يرتبط اسمه باسمها.. حتى وصل إلى جائزة الدولة وجوائز الدولة تمنحها لمن تشاء من رجالها ومن خدمها وممن ترضى عنهم وتريد مكافأته على صمته أو تواطئه أو خدماته، وشتان ما بين المعنيين والقيمتين.. أم أدخل إلى بعض التفاصيل المسيئة والمخزية التى يعلمها البعض ويتندر بها بعض آخر. فالمرحوم إدريس على -مثلاً- الحاصل على جائزة التفوق لهذا لعام، ضربه الاكتئاب العميق خلال سنواته الأخيرة وخاض أكثر من تجربة انتحار يأساً من حاله ومن تجاهل الدولة له ولموهبته الكبيرة.. والمبدع المتفرد محمد مستجاب كان آخر ما سمعه قبل أن يدخل فى غيبوبة موته هو عدم حصوله على جائزة التفوق وذهابها لمن كان يراه مجرد موظف بالوزارة يفتقد الموهبة والحس الأدبى، وبعد خمس سنوات بالضبط من موت مستجاب حصل نفس الشخص على جائزة الدولة التقديرية، وحصل مستجاب فى العام التالى مباشرة لوفاته على التقديرية فى الآداب.. هل نذكر أيضاً أن كلا من صلاح عبدالصبور ورجاء النقاش وعز الدين إسماعيل حصلوا على جوائزهم بعد موتهم وأن الدكتور عز الدين إسماعيل على سبيل المثال حصل على صوت واحد فقط - من كل أعضاء اللجنة - يرشحه للفوز بالجائزة.. أما من حصل على جائزة الدولة وهم على فراش الموت وفى اللحظات الأخيرة من أنفاسهم فسنجد يوسف إدريس ولويس عوض وغالى شكرى وعبدالقادر القط.. بينما سنعثر على فئة أخرى كبيرة مميزة وخاصة «قبضت جمعية الجوائز» التى دخلوها مع الدولة بالترتيب من تفوق لتقديرية لمبارك وذلك حسب كشوف البركة والقرب، وبعضهم كان يتم اختصار السنوات التى تفصل من جائزة لأخرى إلى أقل من ثلاثة أعوام، وذلك نظرا لنبوغهم الشديد وتفوقهم الحاد فى خدمة الدولة ومؤسسات وزارة الثقافة والوزير.. وعودوا إلى كشوف الجوائز خلال هذه السنوات وستجدون العجب العجاب وسنتكشف خزائن الأسرار والعلاقات.. وهل نذكر أن د.فتحى سرور رئيس مجلس الشعب الدائم، حصل على جائزة الدولة فى الأدب ولم يحصل عليها حتى الآن طابور طويل من أشرف وأنبل أدباء مصر ومبدعيها.