الحرية هى الاستقلال.. والاستقلال هو ممارسة السيادة.. واستعادة السيادة الوطنية هى الثورة الحقيقية.. والإطاحة بمبارك ونظامه - كانت أو يجب أن تكون - هى الخطوة الأولى فى ثورة استعادة السيادة الوطنية.. وكان ينبغى على مبارك نفسه أن يخرج على الشعب فى كلماته الأخيرة ويعترف أنه اكتشف الخدعة الكبرى وأنه كان مجرد دمية ضمن دمى عديدة تجلس على كراسى الحكم العربى وحجر من أحجار الشطرنج على رقعة السياسة التى تديرها شياطين الغرب، وأن أمور البلاد والعباد ما كان يجب أن تدار من خلال مشاعر الحب والكراهية.. وأن ساركوزى صديقه الذى كان يستقبله على سلالم قصر الإليزيه بالأحضان والقبلات أو أوباما الأمريكى الطيب أو ميركل مستشارة ألمانيا وغيرهم من حكام الغرب ليسوا «دراويش» سياسة ولا يديرون مشاريع بلادهم بالمحبة والهوى. لكن يبدو أن مبارك لم يدرك حتى اللحظة الأخيرة أن مشروع أمريكا الإمبراطورى الاستعمارى لا يمكن التخلى عنه من أجل عينيه أو عينى زين العابدين بن على فى تونس أو القذافى فى ليبيا.. لقد انتهى الدور المطلوب من هؤلاء ويجب عليهم أن يرحلوا.. وبعد خراب مالطة، بن على قال لشعبه إنه فهمهم.. ومبارك ألمح فى كلماته الأخيرة أنه فهم الغرب لكن بالنسبة لكليهما كان وقت مسامحة الشعوب لخطاياهم وجرائمهم قد انقضى. (1) وإذا كنت واحدا ممن لا يعرفون ماذا تخبئ الأيام القادمة لك أو للمصريين، أنصحك ألا تسأل أحدا فى الداخل لأنك لن تجد إجابات شافية عن سؤالك.. المثير للغيظ أن الإجابات تأتى من الغرب وأن الذين يعرفون فى الداخل حقيقة ما يحدث مثل د. جلال أمين أو المفكر العربى القبطى د. رفيق حبيب وآخرين قد تواروا جميعا ولاذوا بالصمت وسط هذا الصخب غير البرىء.. ولا أعرف لماذا على وجه التحديد، بينما يكشف بعض مفكرى الغرب من المعسكر المناهض للمشروع العولمى الاستعمارى حقائق تبدو مذهلة لنا ولغير المتابعين أو الغافلين أو المغفلين المخدوعين فى ليبرالية الغرب ورأسماليته حتى ولو كشفتا عن نواجذهما وأنيابهما. « تونى كارتولتشى» واحد من هؤلاء الذين جعلوا رسالتهم تحذيرا وتنبيها للشعوب الغافلة وعلى مدونته «مدمرو الأرض» landdes troyer يكشف كارتولتشى الكثير عن حقيقة ما يحدث من استغلال لثورات الشعوب العربية النبيلة فى لعبة المقامرة التى يتخللها كثير من الخداع. (2) تحت عنوان «أداة العولمة يشق طريقة إلى الرئاسة» كتب كارتولتشى الآتى: «مع رحيل مبارك تعترف الآن الولاياتالمتحدة بدون حرج بدعمها للمعارضة. هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية اعترفت مؤخراً بدعمها للمظاهرات فى مصر وتونس، وتعد الآن الولاياتالمتحدة لتمويل جماعات المعارضة المصرية تمهيدا للانتخابات التشريعية القادمة». وعن الدستور الذى يريد وكلاء الغرب الأمريكى اختطافه وصكه على هوى ورغبة واشنطن لربط مصر بذيول النموذج الغربى لليبرالية الجديدة وبما يخدم المخططات الاستعمارية من خلال اجتزاء مصر من محيطها الإسلامى العربى تحت دعاوى الدولة المدنية الليبرالية واستغلال الثورة فى دفع مصر نحو محو حضارتها واستبدالها بنموذج يتفاعل مع المجتمع المدنى الغربى الذى بدوره سوف يتفاعل مع مختلف المؤسسات العولمية مثل الأممالمتحدة و«الهيومن رايتس ووتش» المنظمة العالمية لحقوق الإنسان وغيرهما من المؤسسات التى تعمل فى الواقع على تدمير فطرة الإنسان وتحارب العقيدة الصحيحة والأديان السماوية. (3) ولا يعرف كثيرون فى مصر اسم الملياردير الأمريكى جورج سورس ولا يعرفون علاقته الداعمة لثورات الربيع العربى، هذا الدعم الذى لم يقتصر على التمويل فقط ولكن تجاوزه إلى التخطيط والتحريض.. سورس عضو مجموعة الأزمات الدولية «Crisis Group» التى زامله فيها د. محمد البرادعى (قبل أن تعلق عضوية الأخير منذ قدومه إلى مصر فى شهر يناير من العام الماضى) ومستشارون من إسرائيل ويهود العالم، هذه المؤسسة التى تخطط وتدعم وتنفذ سياسات المحافظين الجدد فى أمريكا لعبت دورا كبيرا فى دعم المعارضة السياسية فى مصر مثل جماعة 6 أبريل وجماعات أخرى للإطاحة بمبارك.. وسورس نفسه يدفع ويدعم الآن جماعات حقوقية فى مصر وبعض القوى الأخرى لوضع الدستور الجديد.. ما مصلحته فى هذا؟! والإخوان المسلمون الذين ارتضوا أن يكونوا جزءا من اللعبة الأمريكية للإطاحة بحسنى مبارك ونظامه ونسقوا مع د. محمد البرادعى ليتحدث بالنيابة عنهم فى اجتماعات مجموعة الأزمات الدولية وارتضى الطرفان «الإخوان ومجموعة الأزمات» أن يتعاونا مرحليا وكلاهما يعرف أن الخطوة التالية بعد إزاحة مبارك ونظامه سوف تكون الفراق والتنافس للوصول إلى السلطة. .. والآن مجموعة الأزمات بما تمثله فى الغرب من قوى تريد اختطاف الدستور العلمانى الليبرالى بينما يريد الإخوان الانتخابات أولا لإحراز الأغلبية فى البرلمان والوقوف أمام مخططات عولمة مصر وعلمنتها. (4) وهذه المجلة التى تقرأ فيها هذه السطور، صدرت فى أعداد قريبة تحمل على صدر غلافها عنوانا يعبر عما يدور فى أذهان المصريين وهو:«البلد رايحة على فين؟».. هذا السؤال الذى سأله بالنيابة عنهم زميلى الأستاذ محسن حسنين رئيس التحرير الذى رأى مصر وقد انشغلت فى مؤتمرات الحوار أو «الشجار» الوطنى التى لا طائل من ورائها وانشغل شبابها فى المظاهرات المليونية بينما انخرط موظفوها وعمالها فى المظاهرات الفئوية فتباطأ الإنتاج فى الوقت الذى مازال يمارس فيه البنك الدولى ضغوطه لتقبل مصر الاقتراض منه بشروطه التى تنتهك سيادتنا الوطنية. وهكذا يلعب الأعداء لعبتهم الجهنمية التى يمكن للمصريين أن يكتشفوها بسهولة ويتوصلوا إلى الإجابة عن السؤال الذى يحيرهم بأنفسهم من خلال كشف شبكة المصالح والعلاقات التى تربط ما بين وكلاء وعملاء الغرب فى الداخل والخارج، وساعتها يمكن الكشف عن مؤامرة الاستعمار الجديد الذى حل محل الجيوش الغازية والذى ينفذ مخططاته من خلال منظمات مدعومة من الولاياتالمتحدة وأشخاص مثل سورس هدفهم النهائى ترتيب نظام عالمى جديد يتيح نهب ثروات الشعوب الفقيرة وتطويق الصين وروسيا البيضاء بدون تدخل عسكرى إلا فى الضرورة القصوى.