حسنا فعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعرض التعديلات التى أجراها على قانون مجلس الشعب.. على الرأى العام لمناقشتها تمهيدا لإصدارها فى صورة مرسوم بقانون كما فعل من قبل فى قانون الانتخابات العامة، حيث إن قانون مجلس الشعب يعد من القوانين الأساسية المكملة للدستور، كما أنه يرتبط بأطراف عديدة فى العملية السياسية.. على رأسها الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى، فضلا عن المستقلين. خاصة وأن التعديلات أعادت العمل مرة أخرى بنظام الانتخاب المشترك بين القوائم والفردى.. وهو ما قد يعرضها للطعن بعدم الدستورية- كما حدث من قبل- بسبب تخصيص ثلث الدوائر للقائمة والثلثين للمستقلين. ويجب التأكيد فى البداية على أن التعديلات الجديدة أكدت على الحفاظ على نسبة ال 50% من العمال والفلاحين من أعضاء المجلس، كما أنها لم تغير من عدد الأعضاء والبالغ عددهم 448 عضوا، بينما ألغت «كوتة» المرأة وتركت تقسيم عدد الدوائر الانتخابية لما يسفر عنه النقاش العام، وأيضا النسبة الواجبة من عدد الأصوات (5% أو 8% أو غيرها) التى تحصل عليها القائمة لكى يمثل أعضاؤها فى المجلس. وفى رأيى أن التعديلات حافظت على جوهر قانون مجلس الشعب رقم 38 لعام 1972 وتوجيهاته الأساسية واقتصرت فقط على كيفية إجراء الانتخابات (بالقائمة والفردى) وإعادة تشكيل اللجان المشرفة على الانتخابات واستبدال وزارة الداخلية باللجنة العليا للانتخابات المنصوص عليها فى قانون مباشرة الحقوق الأساسية. فالمادة الأولى من التعديلات نصت على ضرورة أن يراعى شرط ال 50% عمال وفلاحين من كل من دوائر الانتخاب بالقوائم المغلقة والانتخاب الفردى على أن يكون عدد المقاعد المخصصة لنظام الانتخاب بالقوائم المغلقة للدائرة أو أكثر بكل محافظة مساوية لثلث عدد المقاعد والثلثان للانتخاب الفردى بذات المحافظة. والمقصود هنا بالدائرة المغلقة أن يقوم حزب أو عدة أحزاب بالاتفاق معا على ترشيح عدد من الأشخاص فى قائمة معينة سواء حدث ذلك فى بعض الدوائر أو كل الدوائر الانتخابية على مستوى الجمهورية وأن هذه القائمة تضم عددا من المرشحين يتساوى مع عدد المقاعد المخصصة لها بالدائرة وأن ترتيب الأسماء فيها طبقا لصفة المرشحين (فئات/ عمال/ فلاحين). ويجوز أيضا أن يقوم المستقلون بعمل قائمة واحدة تضمهم معا وبذات الشروط السابقة.. وبالطبع يمكن أن تشهد الدائرة الواحدة أكثر من قائمة (قائمة لحزب واحد، قائمة مشتركة لعدة أحزاب، قائمة للمستقلين)، هذا بجانب المرشحين بشكل فردى.. أى مستقل عن كافة القوائم الأخرى. وهنا يقوم الناخب باختيار (التصويت) لإحدى القوائم بأكملها دون إجراء أى تعديل بها، ولذلك تسمى بالقائمة المغلقة، بخلاف القوائم المفتوحة والتى يمكن للناخب إعطاء صوته لبعض المرشحين فيها دون الآخرين أو إعادة ترتيب أسماء القائمة. وهذا النظام (القوائم المغلقة) قد يكون فى صالح الأحزاب ويؤدى إلى تقويتها لأنه يمنحها السلطة فى اختيار المرشحين وتحديد موقعهم فى القائمة، والتى غالبا ما تعبر عن برنامج الحزب أو تيار سياسى معين. ولكن مشكلتها أنها سوف تقيد الناخب وتفرض عليه انتخاب أشخاص محددين قد لا يقتنع بهم مع أنه قد يكون متحمسا للحزب الذى رشحهم أو مقنعا ببرنامجه أو منتميا لذات التيار السياسى الذى يمثله الحزب أو تعبر عنه القائمة. على أية حال قد يخفف من الانتقاد السابق أن المخصص من المقاعد فى مجلس الشعب للقوائم هو الثلث فقط، وهناك الثلثان للمستقلين وهم- حتى الآن- الأغلبية فى المجتمع المصرى، فمازالت أرقام العضوية فى الأحزاب القديمة والجديدة لا تتجاوز- على أكثر تقدير- المليون عضو أو أكثر قليلا من إجمالى 40 مليونا لهم حق الانتخاب والترشيح! *** وإذا كانت التعديلات قد حافظت على نسبة العمال والفلاحين (50% من أعضاء المجلس) فالواجب من اللجان التى سوف تتلقى طلبات الترشيح أن تتأكد من قيام الصفة للمرشح، ولا يجوز أن تسمح بالتحايل الذى كان يحدث من قبل.. حيث كنا نرى الكثير من اللواءات أو السفراء أو غيرهم من الشخصيات العامة وأعضاء الجهاز الإدارى بالدولة يترشحون بصفة عامل أو فلاح مع أغلبهم- وقد يكونون من أصول ريفية أو عمالية- لا يستطيع أن يفرق بين المنجل والشرشرة، وكذلك الفرق بين البرسيم والحلبة أو الرز والشعير! فالتعديلات والقانون من قبلها يلزم المرشح بتقديم مستندات معينة تثبت صفته كعامل أو فلاح، وعليه أن يقدم إقرارا منه بصحة تلك المستندات والتى تعد أوراقا رسمية فى تطبيق أحكام قانون العقوبات، بمعنى أن لو ثبت أنها مزورة فالجريمة هنا تعد تزويرا فى أوراق رسمية وتعرض مرتكبها للحبس أو السجن طبقا لما تراه المحكمة. خاصة أن القانون واضح فى تعريف العامل والفلاح.. حيث ينص على «يقصد بالفلاح من تكون الزراعة عمله الوحيد ومصدر رزقه الرئيسى، ويكون مقيما فى الريف وبشرط ألا يحوز هو وزوجته وأولاده ملكا أو إيجارا أكثر من عشرة أفدنة». ويعتبر عاملا من يعمل عملا يدويا أو ذهنيا فى الزراعة أو الصناعة أو الخدمات ويعتمد بصفة رئيسية على دخله الناتج من هذا العمل، ولا يكون منضما لنقابة مهنية أو مقيدا فى السجل التجارى أو من حملة المؤهلات العليا- إلا إذا كان من غير حملة المؤهلات العليا، أو بدأ حياته عاملا وحصل على مؤهل عال، وفى كل الأحوال يجب أن يكون عضوا بنقابة عمالية. فهل يصح أن يترشح دكتور أو صحفى أو مهندس.. كعامل أو فلاح؟! للأسف الشديد كانت بعض النقابات تمنحه شهادة العضوية للمرشحين بمقابل مادى.. وهو ما كان يعد تزويرا ولكن لم يكن أحد يراقب أو يحاسب، فالحزب الوطنى «الديمقراطى» كان عايز كده!. على أية حال فقد انتهت تلك المرحلة ونحن على أبواب مرحلة أخرى نرجو أن نخضع فيها جميعا للقانون الذى وضعه المجتمع كله بعد نقاش حر وشامل، فالقوانين تصدر لكى تطبق وتحترم وليس لكى تهمل وتخالف نصوصها! *** وأعتقد أن «اللجان» التى ستفحص طلبات الترشيح والبت فى صفة المرشح من واقع المستندات التى يقدمها سوف تراعى ما تقدم، حيث إن العنصر الغالب فيها من القضاء فرئيسها بدرجة رئيس بالمحكمة الابتدائية وبها عضوان أحدهما قاض بالمحاكم الابتدائية.. وهذا العضوان القضائيان (الرئيس والعضو) يرشحهما مجلس القضاء الأعلى، والعضو الثالث.. ممثل لوزارة الداخلية يختاره وزيرها.. ولكن فى كل الأحوال سوف يصدر قرار بتشكيل اللجنة من اللجنة العليا للانتخابات. كما أن هناك ضمانة أخرى وهى حق المرشحين الآخرين سواء بالقوائم أو الفردى الاعتراض على الأسماء الواردة فى كشوف المرشحين سواء كان بإثبات صفة غير صحيحة أمام اسمه أو لعدم استيفاء شروط الترشيح من الأساس، على أن تعرض هذه الاعتراضات على لجنة تشكل- أيضا بقرار من اللجنة العليا للانتخابات- بكل محافظة برئاسة قاض من محاكم الاستئناف وقاض من المحاكم الابتدائية وممثل لوزارة الداخلية. وإذا لم يرتض المرشح بقرار اللجنة الذى يصدر فى هذا الغرض، فمن حقه الطعن عليه أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة والتى تفصل فيه خلال سبعة أيام، فقط وإذا قضت المحكمة فى الطعن فلا يجوز وقف تنفيذه إلا بحكم آخر يصدر عن ذات المحكمة أو من المحكمة الإدارية العليا عند الطعن على الحكم. والمعنى أنه لم يعد هناك مجال للتحايل بالطعن على الأحكام أمام محاكم قد تكون غير مختصة.. بغرض الكيد أو التعطيل ليس إلا!