تحمل استقالة جورج ميتشل المبعوث الأمريكى للسلام فى الشرق الأوسط سابقا الذى قاد جهود ادارة الرئيس باراك اوباما الفاشلة لاستئناف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين واسرائيل أكثر من مغزى خاصة ان استقالة ميتشل تتزامن مع زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو للرئيس باراك اوباما وذلك قبل ان يلقى اوباما خطابه أمام الكونجرس الأمريكى فى 24 مايو الجارى والذى سيتناول فيه المسألة التفاوضية على الملف الفلسطينى - الإسرائيلى وربما يطرح أفكاراً جديدة حول هذه المسألة خاصة بعد إقدام الجانب الفلسطينى إلى الخيار البديل حالياً وهو التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم مجلس الأمن من أجل انتزاع اعتراف دولى بالدولة الفلسطينية على حدود 1967. وقد سعى ميتشل منذ تعيينه فى منصبه اعتبارا من عام 2009 مع بداية تولى إدارة أوباما إلى إحياء مفاوضات السلام فى الشرق الأوسط وقام بعدة مبادرات قادت إلى استئناف المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، ولكنها سرعان ما عادت للجمود مرة أخرى ويُذكر أن ميتشل شغل عضوية مجلس الشيوخ الأمريكى عام 1980 عن ولاية «ماين»، وأُعيد انتخابه عام 1988 حيث حصل آنذاك على نحو 81 فى المائة من الأصوات وهى أكبر نسبة يحصل عليها أى مرشح فى تاريخ الولاية و فى عام 1989 أصبح السيناتور ميتشل زعيماً للأغلبية الديمقراطية فى مجلس الشيوخ، وشغل هذا المنصب إلى أن تقاعد من المجلس عام 1995. ويبدو أن جورج ميتشل البالغ من العمر 77 عاما قد فشل فى استنساخ تجربته الناجحة لتحقيق السلام فى ايرلندا الشمالية وتطبيقها فى النزاع الفلسطينى الاسرائيلى حيث قاد ميتشل عملية السلام خلال النزاع فى ايرلندا الشمالية والتى أدت الى اتفاق فى عام 1998. وكان ميتشل فى تلك الفترة يعتبر أحد الاطراف القلائل فى عملية السلام التى كانت تحظى بثقة جميع الاطراف. وكان فى تلك الفترة المستشار الخاص للرئيس بيل كلينتون للشئون الاقتصادية فى ايرلندا الشمالية منذ العام 1994. ورغم ذلك لا يجوز بأى حال من الأحوال أن يُصب اللوم كله على ميتشل خاصة ان فشلة فى مهمته فى منطقة الشرق الاوسط ليس فشلاً شخصياً بقدر ما هو فشل للسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، فهو ضحية لهذه السياسة المؤازرة للموقف الإسرائيلى على حساب المصالح الأمريكية ويبدو ان ميتشل اضطر للانسياق دائماً وراء تراجعات أمريكا عن تعهداتها المعلنة، ووظف إمكانياته وقدراته فى تبرير هذه التراجعات على حساب جهد جدى من أجل استئناف العملية التفاوضية الأمر الذى دفعه للاستقالة خاصة بعد التغييرات التى حدثت فى منطقة الشرق الاوسط. وكان ميتشل قد حظى بسمعة طيبة لمهارته فى التفاوض وتمتعه بالمرونة والصبر أثناء مساعيه الناجحة فى تحقيق السلام الأيرلندى ولذلك اثنى الرئيس اوباما على ما قدمه ميتشل من جهود فى مجال العمل العام وبالتحديد فى أيرلندا الشمالية والشرق الأوسط معتبرا ان مهمة ميتشل اصعب مهمة يمكن تخيلها. كما أثنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون على ميتشل قائلة إن وزارة الخارجية سوف تفتقد شخصية تتسم بالثبات والحكمة وأكدت على أنها بصدد مواصلة جهوده من أجل تحقيق سلام شامل فى الشرق الأوسط. وفى ظل ردود الفعل الاسرائيلية أعرب بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى عن أسفه لقرار ميتشل بالاستقالة وشكره على جهوده فى دفع العملية السلمية قدما. كما علّقت زعيمة المعارضة الإسرائيلية تسيبى ليفنى على استقالة ميتشل معتبرة أنه يستحق التقدير من كل دولة إسرائيل على جهوده للتوصل إلى تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين، على الرغم من ان مهمته لم تكتمل. وفى السياق ذاتة اعتبرت صحيفة «الجارديان»البريطانية فى تقرير نشرته على موقعها الالكترونى ان استقالة ميتشل بمثابة دليل على أن جهود التسوية بين الجانبين الفلسطينى والصهيونى وصلت إلى طريق مسدود فضلا عن إخفاق ميتشل ذاته فى تحقيق أى انطلاقة على هذا الصعيد. و بالرغم من تكليف وزيرة الخارجية الامريكية هيلارى كلينتون ديفيد هيل نائب مبعوث السلام الأمريكى الخاص للشرق الأوسط بتولّى مهمة ميتشل وثقتها فى قدرة هيل على مواصلة احراز التقدم تجاه هذه المهمة الصعبة ولعب دور محورى فى تحقيق السلام فى منطقة الشرق الاوسط الا ان الامر لم يكن يتطلب مبعوثاً له خبرة وتجربة ناجحتان، بقدر ما كان الأمر يتطلب سياسة نزيهة ذكية أكثر تحديداً وجرأة، وهذا ما لم توفره إدارة أوباما لمبعوثها السابق وخاصة بعد المصالحة الذى وقعت عليها الفصائل الفلسطينية الأمر الذى سيفسد احتمالات استئناف المفاوضات بين الجانب الفلسطينى والاسرائيلى وذلك من وجهة النظر الاسرائيلية حيث يرفض بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى الجلوس على طاولة المفاوضات والتحالف مع حركة حماس، على حد قوله، هذا الى جانب ان اسرائيل تهدد بشكل مباشر بعدم التفاوض مع حكومة للوحدة الوطنية الفلسطينية تضم حركة حماس ولذلك اقدم ميتشل على هذة الخطوة بعد التاكد من فشلة فى عملية السلام فى الصراع العربى الاسرائيلى ..لكن هناك من يفسر هذه الاستقالة ويربطها بوصول دنيس روس إلى طاقم مجلس الأمن القومى، وهو المعروف بتأييده المطلق وبلا حدود مع إسرائيل، مما يجعل مهمة ميتشل مستحيلة تماما.