سألت صديقى الخبير بشئون النيل ورئيس المنتدى الدولى لحوض النيل د. عماد عدلى: هل تتوقع أن تحقق الدبلوماسية الشعبية اختراقاً ونجاحاً فى معالجة هذه القضية الحساسة والخطيرة..؟ فرد علىّ بثقة وبسرعة: نعم أتوقع أن تحقق نجاحاً كبيراً. حدث هذا بينما كنا نتابع جهود الوفود الشعبية التى تزور دول حوض النيل والتى بدأت بأوغندا.. ثم أثيوبيا.. وسوف تتواصل بمشيئة الله لتشمل دول حوض النيل كلها.. بما فيها إريتريا (المراقب) ودولة جنوب السودان.. الوليد القادم إلى هذه المجموعة. نعود إلى إجابة السؤال الأول حول ماهية الإيجابيات التى يمكن أن تحققها الدبلوماسية الشعبية التى تقوم بها منظمات المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية، فيضيف محاورى: أن هذه الدبلوماسية يمكن أن تحقق عدة أهداف مهمة على النحو التالى: * العمل على خلق رأى عام قوى داعم لوجهة نظر مصر فى قضايا حوض النيل، وقد نجح منتدى حوض النيل الذى يترأسه د.عماد عدلى على مدى سنوات طويلة.. حين بدأ انتخابه بالإجماع وبالتزكية وحتى انتهى بأن طلبه أعضاء المنتدى للحضور إلى الخرطوم والمشاركة فى الانتخابات الأخيرة ليحقق نجاحاً ساحقاً.. فيفوز ب 17 صوتاً مقابل صوتين للمرشح السودانى و11 صوتاً للمرشح الأثيوبى.. من مجموع 30 صوتاً هم أعضاء الجمعية العمومية للمنتدى.. أى أن مصر حصلت على دعم نحو 6 دول (من عشر دول هى أعضاء المنتدى). وبغض النظر عن قدرات ومهارات د. عماد عدلى، فإن ما تحقق يعتبر إنجازاً لمصر بكل المقاييس.. رغم التجاهل الرسمى والإعلامى له.. للأسف الشديد، كما أنه يعكس من جانب آخر.. مدى الدور الذى يمكن أن تلعبه مصر فى هذا المجال الحيوى وتلك القضية الخطيرة التى تمثل أساس مستقبلنا، بمعنى آخر.. فإنه يمكن الاستفادة من هذه التجربة فى التعامل مع القضية الأهم التى نواجهها الآن.. وبإلحاح شديد. يقول د. عماد عدلى: إن الإنجاز الأول الذى يمكن أن تحققه الدبلوماسية الشعبية يتمثل فى خلق رأى عام مواتٍ ومتقارب ومتفهم لوجهة النظر المصرية.. وقد تحقق ذلك إلى حد كبير فى أغلب دول حوض النيل باستثناء أثيوبيا نظراً للتأثير الكبير للدولة على المجتمع المدنى ومنظماته، ومع ذلك فإنه خلال مؤتمر عقد بأثيوبيا قام أحد الأكاديميين الأثيوبيين وطالب بأن تضع أثيوبيا نفسها مكان مصر.. فالمشكلة أننا سنمنع الماء عن الشعب المصرى.. وليس عن الحكومة المصرية. فهوجم هذا الأكاديمى بضراوة – وهذا مجرد نموذج على سيطرة الدولة الأثيوبية على المجتمع المدنى، والنقطة المهمة هنا هى أن الوفد الشعبى المصرى ركّز على لقاء ممثلى الحكومة والجهات الرسمية الأثيوبية ولم يلتق بنفس القدر مع ممثلى المجتمع المدنى. وهذه المشكلة لا توجد بذات الصورة فى دول حوض النيل الأخرى.. حيث تعتبر منظمات المجتمع المدنى أكثر استقلالية وتأثيراً. * الهدف الثانى للدبلوماسية الشعبية.. كما يطرحه صديقى د. عماد الدين عدلى هو تكثيف التعاون مع دول حوض النيل من خلال إقامة أنشطة ومشاريع حقيقية يستفيد بها المواطن البسيط فى هذه الدول.. وصحيح أن منتدى حوض النيل قام بمشروعات صغيرة بسبب التمويل الضعيف.. ولكن الحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية تستطيع تنسيق الجهود وتوفير الدعم اللازم لهذه المشاريع، وعندما يتحقق هذا على أرض الواقع. عندما يشعر المواطن «النيلى» بعوائد وفوائد هذه المشاريع.. سوف يكون أكثر تفهماً وفهماً وتأييداً لوجهة النظر المصرية. * أيضاً هناك هدف ثالث يتمثل فى التبادل الشعبى للوفود والزيارات على كل المستويات بهدف تأكيد التقارب والتلاحم بين شعوب هذه الدول.. ومن المؤكد أن من يشرب من نفس النهر ومن ذات الحوض يحظى بسمات وقسمات وروح مشتركة.. رغم طول المسافة وتباين اللغات واللهجات والألوان، ولكننا نرى أن تدرج الألوان من الأسمر الداكن فى أقصى الجنوب.. إلى الأبيض الفاتح فى أعلى الشمال.. إنما يعكس طبيعة بشرية.. وسمة إلهية تشير إلى التدرج وسلاسة التغير.. لا إلى الاختلاف والفرقة. * الإعلام محور رابع يجب أن تركز عليه الدبلوماسية الشعبية.. كما يقول الخبير المخضرم د. عماد الدين عدلى.. مشيراً إلى أن إنشاء شبكات إعلامية بين دول حوض النيل وتوثيق العلاقة بين أعضائها مسألة حيوية سوف تنعكس إيجاباً على هذه القضية، ومن الغريب أن قنوات «النيل» المتخصصة لا تحمل سوى اسمها.. ولا تعكس جوهرها على أرض الواقع، فكلمة «النيل» يجب أن نراها فى كل القنوات المتخصصة.. وأن تعكس هموم ومشاكل وقضايا دول النيل.. فعلاً.. لا اسماً فقط، ولنبدأ بقناة النيل الإنجليزية.. على أن يتم بث كافة قنوات النيل الأخرى على قمر صناعى يغطى دول حوض النيل.. وأن تشارك الوفود الإعلامية والرسمية والشعبية فى برامج هذه القنوات، ومن المؤكد أن إخواننا الأفارقة سوف يسعدون بمشاهدة مباريات الدورى المصرى – على سبيل المثال لا الحصر. وهنا يجب أن نتذكر دورة حوض النيل لكرة القدم التى أقامتها مصر وفازت بها منذ أشهر قليلة، إنها نموذج جيد للتواصل والتآلف الشعبى فى مجال يعشقه الأفارقة والعالم بأسره: كرة القدم. * وبعد هذا يمكن أن نركز على قضية التعليم.. فالطالب المصرى والمنهج التعليمى المصرى لا يحوى الكثير من المعلومات الأساسية عن حوض النيل ودوله وتاريخه، وذات الشىء ينطبق على دول النيل الأخرى، فالمطلوب هو «نشر الثقافة النيلية» فى دول الحوض، وهى عملية تبادلية مشتركة.. يمكن أن يقوم وزراء التعليم ومنظمات المجتمع المدنى بتحقيقها من خلال اجتماعات مشتركة مكثفة ومدروسة. وهنا يجب أن نشير إلى الدور الكبير للأزهر الشريف.. الأزهر الجامع والجامعة ومنارة الفكر الإسلامى الوسطى المعتدل.. فالأزهر يستقبل آلاف الطلاب الأفارقة ويقدم لهم المنح.. ويعيشون وسط المجتمع المصرى، بل إن منهم من تولى مناصب قيادية رفيعة فى بلاده ويحملون فى قلوبهم وعقولهم كل الحب والود والتقدير لمصر.. لماذا لا نستثمر هذه العلاقة التعليمية الدينية الثمينة؟ لو تحقق ذلك فإنه سيكون أحد مفاتيح حل الأزمة.. بل وتطوير العلاقات المصرية مع دول حوض النيل إلى مستويات أرفع وأفضل. وعندما يقول السيد البدوى رئيس حزب الوفد إن زيارة وفد الدبلوماسية الشعبية تهدف إلى إعادة العلاقات الطبيعية مع أثيوبيا التى كانت من الدول الصديقة لمصر تاريخياً.. ولكن هذه العلاقات توترت بعد محاولة اغتيال الرئيس السابق مبارك فى أديس أبابا. فإن هذا يعنى جانباً كبيراً من توتر العلاقات مع أثيوبيا تحديداً يعود – فى جانب منه – إلى عامل شخصى.. كان يخص الرئيس المخلوع مبارك، وللأسف الشديد انعكس هذا على علاقات مصر ومصالحها الاستراتيجية، وكان يجب الفصل بين التجارب الشخصية المريرة والمصالح القومية الاستراتيجية، فمهما حدث لا يجب الخلط بينهما.. ويجب ألا يكون للشخص - مهما كان حجمه أو علا شأنه - تأثير على مصالح البلاد والعباد. لغة المصالح وحدها هى التى تحكم علاقات الدول، ومن هذا المنطلق يجب أن نركز على المشاريع التى تفيد شعوب حوض النيل، هذا هو المدخل الأساسى لحل هذه القضية.. رغم وجود عوامل أخرى تؤثر فيها.. وتتفاعل معها.