كل يوم من أيام الثورة دائما ما يأتى بجديد، وهذا الجديد عادة ما يحمل كثيرا من التساؤلات، ومن هذه التساؤلات ما هو إيجابى وما هو سلبى وهذا شىء طبيعى لا يخرج عن المألوف فى مثل هذه الظروف المصيرية، ولكن فى الفترة الأخيرة تكاثرت التساؤلات السلبية لتخيم بظلالها السوداء على هذه الأجواء الثورية لتحيلها من أجواء تبث فى نفوسنا الفرحة بنجاح ثورتنا وسيرها قدما فى طريق تحقيق أهدافها إلى أجواء مضطربة تثير الارتباك وتعوق اكتمال ثمار الثورة لصالح الشعب المصرى الصبور. وتأتى فى مقدمة تساؤلات الشارع المصرى فى الاتجاه السلبى أنه إلى متى ستظل فلول النظام السابق ماضية فى غيّها وسلوكها المنحرف حيال الثورة؟! وإلى أين هؤلاء الأذناب المارقون هم ذاهبون بقناعاتهم الواهمة بعودة القاطرة الثورية إلى الوراء؟!.. هل يظنون أن هذه القناعات المضللة سوف تأتى بهم مرة أخرى فى غفلة من التاريخ بعد أن استقر نجاح الثورة بوعى شعبى متحضر وتكاتف مشهود مع جيش مصر العظيم الذى التزم التزاما لا انفصام له بتأييد الثورة ودعمها وبذل أقصى الجهد للوصول بها إلى بر الأمان، وفى هذه المرحلة الدقيقة توقعنا بعد نجاح الثورة واستقرارها فيما حققته من نتائج إيجابية مستهدفة أن نطمئن إلى استمرارية هذا النجاح الذى يصل بنا إلى قيام دولة مدنية ذات مؤسسات راسخة تدير نظاما ديمقراطيا «برلمانياً رئاسياً» على النسق الفرنسى وهو الأنسب لنا فى مصر، حيث يضمن للشعب حقوقه كما يقر بما عليه من واجبات. كما توقعنا أن يقتنع ما يطلق عليهم القوى المضادة بالأمر الواقع ويكفون عن محاولاتهم اليائسة والتى تخرجهم عن وحدة الصف المصرى وينضمون عن اقتناع لا عن اضطرار إلى قوافل المؤيدين لهذا الثورة حتى يتسنى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الوفاء بما تعهد به باكتمال خطواتها حتى النهاية ليجنى الشعب ما ينشده من ثمار الحرية والعدالة بعد عقود ثلاثة ذاق فيها كل صنوف الظلم والحرمان، ولكن يبدو أن هذا التوقع لم يتحقق بالشكل المأمول، حيث بدأت هذه القوى فى دس الوقيعة بين الشعب والجيش ورغم محاولاتهم والتى غالبا ما تبوء بالفشل فإنهم دائما يتناسون فى غمرة أغراضهم الوضيعة أن هذا الجيش من هذا الشعب. وإذا كان جيشنا يحمل من صفات الوطنية والبسالة فى الدفاع عن الوطن فإن هذه الصفات قد ورثها عن هذا الشعب العظيم الذى يمثل فى مجموعه الأجداد والآباء والأمهات لكل أفراد قواتنا المسلحة، ومن هنا ليس غريبا أن يلتزموا بنشر الخير وبسط النماء فى كل ربوع الوطن فى وقت السلم كما أنها لم تتخلف يوما عن خدمة هذا الشعب فى وقت الأزمات والمحن. وقد بدا هذا واضحا فى تأييدها للثورة ودعمها المستمر لها وحرصها الشديد على ألا تستخدم القوة مع الثوار رغم وجود القلة المنحرفة والتى اندست تقودها فلول النظام الفاسد والتى تم القبض عليها وتقديمهم للمحاكمة على إثر الأحداث المؤسفة فى جمعة «التطهير والمحاكمة» فى الأسبوع الماضى بعد ثبوت ضلوعهم فى تدبير أحداث الشعب فى ميدان التحرير. ومن الأحداث المفاجئة والتى كانت خارج نطاق كل توقع ذلك الخطاب الذى بثته قناة العربية للرئيس السابق حسنى مبارك والذى دافع فيه عن نفسه بحجج واهية لا تستند إلى أى منطق يقبله العقل، كما أنه قد حمل كثيراً من المتناقضات من خلال صياغته التى تأرجحت بين الاستعطاف الذى يدل دلالة قاطعة على إقرار مسئوليته الأساسية على كل ما حدث وتكشف من جرائم فساد لرجال حكمه وبين الاستعلاء المرفوض الذى ظهر واضحا جليا فى سياق خطابه المباغت حتى علق المحللون السياسيون عليه بقولهم إنه مازال يظن استمراره كرئيس للجمهورية وليس رئيسا مخلوعا بفعل ثورة اهتزت لروعتها كل أقطار المعمورة.. ومن هنا كان جزاءه السخرية مما أبداه من دفوع باطلة حول عدم ملكيته لأرصدة مالية أو عقارية خارج الوطن ونسى أن من أقر بعكس ما أبداه وسائل إعلامية وصحفية أجنبية فى تغطيات موثقة بمواقع ما يمتلكه من عقارات وأسماء البنوك والمصارف الدولية التى احتوت على حسابات تمت مصادرتها كما حدث فى دول الاتحاد الأوروبى وغيرها فضلا عن حسابات فى البنوك المصرية له ولعائلته، ويقف حساب مكتبة الإسكندرية باسم زوجته شاهد إثبات على دحض كل ادعاءاته التى تفتقر إلى كل حجج الإقناع.. إن هذا الخطاب أصبح دليل إدانته بدلا من أن يكون دليل براءته.. ولعل كل هذه الحقائق التى تكشف الأكاذيب تكون دافعا لمن تسول له نفسه أن يقف ضد هذه الثورة العظيمة وأن يثوب هؤلاء إلى رشدهم لعلهم يجدون لهم مكانا على أرض مصر الثورة فى عهدها الجديد.