أطل علينا الرئيس المخلوع برسالة صوتية من خلال قناة العربية السعودية متحدثاً كما لو أنه مازال رئيساً للبلاد فى مخاطباته التى اعتدنا عليها والتى مللنا منها فى ذات الوقت. وقد نفى المخلوع امتلاكه وزوجته أى أصول عقارية أو أى أرصدة مالية خارج البلاد مؤكداً نزاهته خلال فترة عمله العسكرى والسياسى حتى الآن. وكأنه متأكد أن حكومات العالم لن ترسل ما يدينه بفساد مالى. كما أنه يتوعد بملاحقة من نال من سمعته وعائلته باستخدام القانون ضدهم. وهنا يجب ألا يمر هذا الموقف مرور الكرام فله مغزاه على أكثر من مستوى وله أهداف غير بريئة بالطبع. خاصة أنه يتحدث من خلال قناة العربية السعودية بما يعنى تأكيد تلك العلاقة التى دار حولها كلام ولغط كثير منذ الخلع وهنا يجب ألا نسقط أهداف السعودية بأن تكون بديلاً لمصر فى المنطقة فى الفترة السابقة. كما أن تلك الرسالة الملهاة الكوميدية للمخلوع لها دلالات خطيرة يجب ألا تغيب عنا أولا: تعميق الوقيعة بين الشعب والجيش خاصة أن تلك الرسالة أذيعت الأحد اللاحق لأحداث السبت التى حدثت فى التحرير بين الجيش وبعض المعتصمين المخالفين لقرار الجموع بعدم الاعتصام. هؤلاء الملتفون حول بعض ضباط الجيش المفصولين من الخدمة لأسباب شخصية والذين اخترقوا صفوف المتظاهرين مدعين الثورية من خلال تلك الهتافات التى تسىء للجيش وكأنها من قبل متظاهرى التحرير بما يعمق الخلاف بين الشعب والجيش. وهذا بالطبع مقصود لذاته خاصة أن القوات المسلحة الوطنية هى التى حافظت على الثورة فى إطار غير مسبوق على ضوء بعض الثورات فى المنطقة العربية الآن. وحدوث هذا الانشقاق سيؤدى إلى انهيار الوطن بكامله وليس إنهاء الثورة. وماذا ينتظر مبارك غير ذلك؟ ثانيا: إحداث فتنة بين الشعب نفسه حتى يتصور البسطاء منهم أنه الحمل البرىء. خاصة أنه ياللهول مازال يتحدث وكأنه رئيس البلاد وبنفس نغمة التعالى المعهودة وكأن شيئاً لم يحدث أو ثورة قد قامت. بما يجعل البعض يتعاطف خاصة أنه يبرئ ذمته. كما أن هذا بلا شك يعتبر التفافاً على الثورة ومحاولة لإجهاضها مع علمه بأنه مازال هناك ذيول وفلول للنظام سواء من الحزب الفاسد أو من أتباع النظام المنهار المستفيدين منه. ثالثاً: ومع ذلك يتصور المخلوع أنه بهذه الرسالة المضحكة يحاول التأثير على سير التحقيقات بإيجاد هذا التعاطف المفقود. ولكن هنا لقد كان ذلك الموقف الحاسم من النائب العام الذى أعلن تحويل مبارك وأسرته للتحقيق ليس فى الفساد المالى فقط ولكن كمسئولين فى قتل آلاف الثوار الذين ضحوا بدمائهم الذكية. وكان هذا رداً مناسباً على تلك الملهاة المذاعة خلال السعودية أما ادعاء المخلوع ببراءة ذمته المالية. فماذا يقول فى تصريحات هيلارى كلينتون وزيرة خارجية أمريكا فى القاهرة بأن ثروة مبارك حسب المعلومات المؤكدة تصل إلى سبعين مليار دولار. وماذا حول تصريحات السوق الأوروبية المشتركة وحكومة سويسرا ووزير خارجية بلجيكا وكندا الذين أكدوا أن هناك أرصدة بالخارج تخص مبارك. وإذا كان الأمر كذلك بأن مبارك لا يوجد لديه ما يملكه فى الخارج. فهل هذا معناه أنه وأتباعه ومستشاريه فى الداخل والخارج قد سربوا الثروة لمن وكيف وأين؟ وما دور الأجهزة المصرية حيال ذلك؛ أما إذا ثبت أن لديه تلك الأرصدة أو بعضها أليس هذا يعنى أنه قد وقع فى جريمة الكذب والنصب العلنى؟ أما الحديث عن ثروة أولاده التى لم ينكرها ولكن قال إنها قد جاءت بالقانون. فأين القانون عندما قام جمال مبارك بشراء ديون مصر بثلث قيمتها من الجهات الخارجية الدائنة ثم قام بصرف قيمتها كاملة من الخزانة المصرية فى أكبر صفقات القرن فساداً. هل كان ذلك شطارة من جيمى مثلما قال مبارك ذلك عندما سئل عن شراء تلك الديون؟ أم أن ذلك قد تم لأنه ابن رئيس مصر صاحب الدين والتى دفعت لجمال؟ وعلى كل الأحوال فهل ما يقصده مبارك من خطابه المسموع هو التبرئة من تهم الفساد المالى؟ نعم وهل هذا يعنى أن مبارك لا يصيبه سوى الفساد المالى فقط؟ ألم يمنح مبارك أراضى مصر وشركاتها العامة ومصانعها للمحاسيب أمثال عز وأصحابه؟ وكان ذلك برخص التراب مع العلم أن التراب الآن أغلى من أثمان تلك الأصول المنهوبة. وقد كان هذا النهب المنظم لثروات الوطن وأصوله على حساب الأجيال الحالية والقادمة. وماذا عن بيع البترول لصديقته الاستراتيجية «إسرائيل» على حساب احتياجات المصريين حتى وصل الأمر إلى أن تدعم مصر إسرائيل بقيمة ثلاثة عشر مليون دولار يومياً فرق سعر الغاز المصدر لها عن طريق صديقه الذى أهداه ذلك القصر الضخم والفخم الذى يعيش فيه المخلوع الآن فى شرم الشيخ؟ وماذا عن تلك الأراضى المنهوبة من شعب مصر والتى تم إهداؤها للوليد بن طلال لزيادة أمواله ولهشام طلعت لملذاته وشهواته؟ ماذا عن تشريد العمال بسبب بيع أصول مصر؟ ماذا عن تزوير الانتخابات وترويع معارضيه. الاتهامات لا تنتهى والمحاسبة لن تضيع حتى ولو كان يريد تبرئة نفسه والسيدة التى أصبحت قريبة من المحاسبة. ولذا فالرسالة فى هذا التوقيت تعمل على مساعدة الثورة المضادة على تنفيذ أهدافها وتحقيق مخططاتها. ولذا على الثورة المصرية مع القوات المسلحة الباسلة التوحد من أجل الحفاظ على الثورة حتى لا نعطى فرصة للأعداء فى الداخل والخارج لإجهاض تلك الثورة. فثورة مصر ثورة الشعب والجيش لن تجهض ولن تعود الساعة للوراء. وستظل مصر لكل المصريين.