لم تعد الأفلام تعتمد على نوع واحد من المعالجات، ولكنها تلجأ أحيانا إلى مزيج من عدة أنواع لإثراء الدراما، وجعلها أكثر انعكاسا للواقع وتفصيلاته الثرية، لو تأملت مثلا عملا حقق نجاحا ضخما مثل «تيتانيك» لاكتشف أنه مزيج من الفيلم الرومانسى لأفلام الكوارث الضخمة، والفيلم الأمريكى (the tourist) أو (السائح) الذى اشترك فى كتابته وأخرجه الألمانى «فوريان هينكيل» يقدم نموذجا جيدا للمزج بين المعالجات. ويؤكد أن شرط نجاح المزيج هو دراسة كل نوع مع إضافة بصمة خاصة من الخيال والابتكار.. «السائح» هو مزيج من الأفلام الرومانسية الرقيقة وأفلام التشويق التى لا تتكشف فيها الحقائق إلا بصور متدرجة والتى لا نعرف لغز الفيلم الأساسى إلا فى المشهد الأخير، وكانت نتيجة هذا المزيج المتقن أحد الأفلام الممتعة والتى تمسك بانتباه المتفرج من المشهد الأول إلى اللقطة الأخيرة. على مستوى بناء السيناريو تستطيع أن تقول إنك أمام قضية حب غير تقليدية مقدمة بطريقة تشويقية، وتستطيع أيضا أن تقول إنك أمام عملية مطاردة واكتشاف من خلال قضية حب رقيقة، ومثل الساحر الشاطر يقوم صناع الفيلم بإخراج ما يحتاجون إليه فى الوقت المناسب، ووسط عشرات التفصيلات الدقيقة إلى حد كبير تظهر مافيا أربع شخصيات أساسية: «إليز» العملية البريطانية الجميلة (إنجيلينا جولى) التى أوقفت عن العمل لأنها وقعت فى غرام لص سرق من أحد رجال المافيا 2.3 مليار دولار فى حين كان من المفترض أن قبض على اللص للحصول منه على 744 مليون دولار كضرائب (!!). والشخصية الثانية هى الشاب الأمريكى «فرانك» (جونى ديب)، وهو سائح يلتقى مع «إليز» فى القطار الذاهب من باريس إلى فينسيا ثم تقع فى غرامه. والشخصية الثالثة هو «أتشيسون» ضابط البوليس البريطانى الذى يراقب «إليز» و«فرانك» للوصول إلى ألكسندر اللص الذى سرق الملايين. والشخصية الرابعة هو «ريجنالد شو» رجال المافيا المسروق الذى يطارد «إليز» أيضا للوصول إلى ألسكندر الذى سرقه، والذى لا يعرف عنه الجميع سوى أنه اختفى ثم قام بتغيير معالم وجهه تماما من خلال عمليات للتجميل، ومن خلال علاقة الحب بين «إليز» و«فرانك» وعلاقة المطاردة بين الاثنين من جانب واتشيسون وشو من جانب آخر، يتم غزل بناء معقد يمزج بين التشويق والرومانسية، وينتهى بالكشف عن أن فرانك هو نفسه الكسندر ولكن بعد أن قام بتغيير ملامحه ويتم إغلاق كل الأقواس المفتوحة: البوليس البريطانى يحصل على أموال الضرائب ورجل المافيا يتم قتله، والعملية التى تقع فى غرام اللصوص تحصل على المال والحب معا، وتستعيد حكاية حبها مع السكندر. لا يمكن أن تدرك مدى تعقيد البناء إلا بمشاهدة الفيلم وتفصيلاته التى تم الاستفادة منها بذكاء، ولا يمكن أن تدرك صعوبة دور جونى ديب إلا إذا شاهدته وهو يخدعك بهذا القناع البرئ الذى رسمه على وجهه طوال الفيلم تقريبا ليقنعك أنه فرانك مدرس الرياضيات الأمريكى الذى يزور فيسنيا كسائح فيما هو فى الواقع الكسندر سارق الملايين، والذى يقف وراء اللعبة بأكملها» طبعا لا تستطيع أن ننسى إنجيلينا جولى بحضورها الكبير على الشاشة، وبقدرتها على الإقناع بأنها عملية ضحت بوظيفها من أجل الحب، فحصلت عليه بعد لعبة خطرة وفى قلب فينسيا الساحرة