مدبولي: بعض الدول لا تسمح لأحد أن يُبرز أي صورة سلبية عنها    رئيس الوزراء: 60% من حجم الحركة والتجارة في مصر تمر على الطريق الدائري الإقليمي    سوريا: ارتفاع عدد ضحايا الغارات الإسرائيلية على دمشق إلى 3 شهداء و 34 مصابا    رئيسا الإمارات وتركيا يؤكدان الحرص على دعم جهود مسار السلام في المنطقة    الأهلي يواسي بورسعيد في وفاة ميمي عبد الرازق    خالد فتحي: طموحنا بلا حدود في بطولة العالم للناشئين    إصابة 13 شخصا في حادث تصادم بأسيوط    طوال 14 يومًا.. عمرو دياب يحتل صدارة "اليوتيوب" بألبوم "ابتدينا"    سعر الدولار يرتفع في 7 بنوك بنهاية تعاملات الأربعاء    محافظ جنوب سيناء يبحث تطوير البنية التحتية لمياه الشرب والصرف الصحي    ترامب: إيران ترغب بشدة في التفاوض لكننا لسنا في عجلة من أمرنا    محافظ الإسكندرية يستقبل محافظ دمياط والرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات - صور    منطقة الإسماعيلية الأزهرية تستقبل لجنة قطاع المعاهد لمتابعة تجهيز بيت الشباب    كيفية تسجيل اختبارات القدرات 2025 على موقع التنسيق الإلكتروني (الرابط المباشر)    حماس تحذر من إقامة محور جديد في جنوب غزة: يعكس "نوايا إسرائيل" في عدم الانسحاب    بوريل: الاتحاد الأوروبي سمح باستمرار الإبادة الجماعية في غزة    المرشد الإيراني: قادرون على ضرب خصومنا بقوة أكبر مما حدث في حرب إسرائيل    النائب أحمد سمير زكريا: مصر تقود صوت العقل في وجه العدوان الإسرائيلي وتحمي الإرادة العربية    البابا تواضروس: لدينا 800 كنيسة ودير و40 أسقفاً خارج مصر.. واشترينا 400 مبنى من الكاثوليك (صور)    السد العالي جاهز لاستقبال الفيضان.. خبير يكشف سيناريوهات جديدة بشأن سد النهضة    يعاني منذ 2023.. ريال مدريد يعلن نجاح جراحة بيلينجهام في الكتف    بعد تعثر مفاوضات إيزاك.. هوجو إيكيتيكي يدخل حسابات ليفربول    استعدادات الجبهة الوطنية لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    عقب استغاثة على «فيس بوك».. «الداخلية» تكشف تفاصيل تحرير مخالفة «أمن ومتانة» لسيارة بمطروح    حريق يلتهم فيلا بشارع البراديزو في حلوان (صور)    إصابة 10 أشخاص في تصادم مروع بين سيارتين بطريق الروضة- طامية بالفيوم    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث مروري بالفيوم    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل شاب استدرجته ربة منزل بالقليوبية    مدرسة تمريض مبرة الزقازيق تفتح باب التقديم.. تعرف على التفاصيل والشروط    سوزي بجيب قصير ودينا فؤاد مع ابنتها.. 20 صورة من العرض الخاص لفيلم "الشاطر"    لميس الحديدي: تجربة صحفية وإعلامية جديدة قريبًا    وزير الصحة يزور إيطاليا.. ماذا ناقش في مستهل اجتماعاته؟    تحذير من دواء "مجهول المصدر" لعلاج سرطان المعدة    تشييع جثمان ميمي عبد الرازق مساء اليوم من مسجد الكبير المتعال ببورسعيد    أستاذ فقة ل"الستات مايعرفوش يكدبوا": معظم المشاكل الزوجية سببها سوء الاختيار    «الأوقاف» تُنظم ندوات ب 1544 مسجدًا بالتعاون مع الأزهر الشريف    «أوقاف السويس» تنظّم ندوة في ثالث أيام الأسبوع الثقافي    انطلاق اختبارات القدرات بكلية العلوم الرياضية جامعة قناة السويس    بيراميدز ينافس الأهلي على ضم مصطفى محمد    عزيز مرقة يشعل المنافسة ل«الفانز» في أغنيته «شايفة إيه؟» (تفاصيل)    مفاجأة عاطفية.. توقعات برج الثور في النصف الثاني من يوليو 2025    هل يعود مسعد ل بسمة؟.. الجمهور يترقب نهاية «فات الميعاد»    "بيستهبل" لأحمد سعد بتوقيع فلبينو.. اسم الألبوم و4 أغاني مختلفة    تواصل مناهضة الفرق البريطانية لدعهما غزة .. إلغاء تأشيرات "بوب فيلان" الأمريكية بعد أغنية "الموت لإسرائيل"    خالد الغندور ينتقد أساليب تقديم صفقات الأهلي والزمالك: "رسائل تافهة تثير الفتنة"    وزيرا التضامن والزراعة يبحثان الشراكة في إقامة معرض دائم ل"ديارنا"    مقتل سيدة على يد شقيقها في المنيا بسبب خلافات أسرية    بين الحب والاتباع والبدعة.. ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف 2025؟    أحمد هاشم رئيسًا لتحرير مجلة "أخر ساعة"    توجيهات بتسهيل الإجراءات في المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين ب الغربية    محافظ شمال سيناء: مبادرة 100 يوم صحة نقلة نوعية لتوفير رعاية شاملة للمواطنين    مبادرة الألف يوم الذهبية.. نائب وزير الصحة في ندوة علمية بالمنيا لدعم الولادات الطبيعية    تقديم 1214 خدمة طبية مجانية خلال قافلة بقرية قصر هور في المنيا    النيابة تستعجل تقرير الحماية المدنية حول احتراق 96 مركبة بحضانات البتروكيماويات في الاسكندرية    رئيس الوزراء يوجه بالتعاون مع الدول الإفريقية فى تنفيذ مشروعات لتحقيق المصالح المشتركة    بعد 12 عامًا.. خلفان مبارك يغادر الجزيرة الإماراتي    قتلى ومصابون جراء قصف روسي على عدة مناطق في أوكرانيا    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا لنعمك شاكرين وبقضائك راضين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«السائح».. من الوجه والقناع إلي الحب والخداع

ينتمي الفيلم الأمريكي «The tourist» أو «السائح» الذي اخرجه الألماني الموهوب «فلوريان هينكيل فون دونير سمارك» إلي ما نطلق عليه الأفلام جيدة الصنع، إنها ببساطة تلك الأعمال التي يدرس أصحابها طبيعة النوع أو الأنواع التي سيقدمون حكايتهم من خلالها، ثم يرفعون شعار الاتقان الفني في كل مراحل التنفيذ، «السائح» في حقيقته ليس فيلمًا سهلاً أو بسيطًا وإن بدا كذلك، ولكنه مزيج معقد نسبيا بين الأفلام الرومانتيكية المنقرضة تقريبًا، وبين أفلام التشويق التي تتلاعب بتيمة «فوضي الهويات»، لدينا حبكتان متضافرتان وممتزجتان، الأولي رومانسية والثانية تشويقية، وحل الحبكة الأولي سيؤدي إلي حل الحبكة الثانية في اللقطة الأخيرة من الفيلم، والحبكتان متقنتان إلي حد كبير، أما السيناريو فهو متماسك ومتقن، فإذا اضفت إلي ذلك أنك أمام مخرج اشترك مع آخرين في الكتابة، وأثبت موهبته، من قبل في الفيلم الألماني الذي حصل علي جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي وعنوانه «حياة الآخرين»، وأن لديك طاقم ممثلين متميزين ولديه حضور علي رأسه «جوني ديب» و«أنجلينا جولي»، وإذا كانت الأحداث تنتقل من باريس ولندن إلي فينسيا، فأنت، بالتأكيد أمام فيلم ممتع بكل المقاييس ومن كل الزوايا، من أين تبدأ رحلة الإبداع في السائح؟ في رأيي أنها تبدأ من نجاح السيناريو المركب في إعادة فك وتركيب أحداث القصة التي لا تخلو من الطرفة، السرد في الواقع يسير في خطين متداخلين بنعومة أخاذة: حكاية حب بين رجل بريطاني اسمه «إلكسندر بيرس» سرق من أحد رجال المافيا 2.3 مليار دولار ثم اختفي، وبين فاتنة تعمل في جهاز الجرائم المالية البريطاني، اسمها «إليزوورد» «أنجلينا جولي» كلفت بالايقاع «بألكسندر» ليس لأنه نصب علي رجل المافيا، ولكن لأن الأموال المسروقة مستحق عليها ضرائب ضخمة تصل إلي 744 مليون دولار، ولكن العميلة الجميلة تقع في غرام اللص مما يؤدي إلي ايقافها عن العمل، ولكنها - وبعد عامين - من الاختفاء تتلقي خطابًا من «ألكسندر» لكي يلتقيا من جديد في «فينسيا»، أما الخط الثاني فهو تعرض «إليز» في رحلتها من باريس إلي فينسيا إلي مراقبة كل من رجال «سكوتلانديارد» الذين يريدون الوصول إلي «ألكسندر» لكي يسدد الضرائب، ورجال زعيم المافيا المسروق «ريجنا لدشو» الذي يريد معرفة مكان النقود ثم قتل غريمه «الكسندر» الهارب!
هذان هما العمودان اللذان يحملان بناء الفيلم بأكمله، لم يفلت الخطان ولو في مشهد واحد من كتاب السيناريو المحكم إلي حد كبير، بل أخذ كل خط يقوم بتغذية الخط الآخر مع عشرات التفصيلات الذكية واللمسات الساخرة هنا وهناك، لا يبدأ الفيلم الحدوتة من بدايتها كما حكيتها لك، ولكنه يبدأ من نقطة ساخنة هي رقابة رجال «اسكوتلانديارد» ل«إليز» عند وصول خطاب «الكسندر» الأول إليها في أحد مقاهي باريس، ولن نعرف أنها عميلة موقوفة عن العمل بسبب غرامها باللصوص الذين تحاول الايقاع بهم إلا في منتصف الفيلم تقريبًا، وسيظهر «ريجنالدشو» في الوقت المناسب ليزيد الصراع اشتعالاً، ثم سيدعم الحبكة فكرة التلاعب بهوية «الكسندر» الحقيقي خاصة مع ظهور سائح أمريكي فلي «فينسيا» اسمه «فرانك توبيلو» «جوني ديب» تتعرف عليه «إليز» في القطار، وتستخدمه لتضليل المطاردين لأنه يشبه في الطول حبيبها الهارب «الكسندر».
يمارس السيناريو فكرة اللعبة في بعديها الرومانسي والتشوقي حتي آخر المدي: «إليز» - التي تعودت علي الوقوع في الحب - تقع في غرام السائح الذي يبدو كالطفل البريء المتورط في مطاردات لا يعرف مغزاها، وفي البعد التشويقي يصبح من العسير التعرف علي «ألكسندر» الحقيقي الذي تؤكد المعلومات أنه أجري عملية للتجميل غير من خلالها ملامح وجهه تمامًا، وينجح السرد في تقديم مشاهد شديدة الرومانسية بين «إليز» و«فرانك» دون أي إسراف، فبعد قُبلة سريعة في الفندق يقطع المخرج علي الفور لرجال البوليس وهم يراقبون النوافذ، وبالقرب منهم رجال زعيم المافيا المكلّفين بالقتل واستعادة الأموال.
لا تستطيع أبدًا فصل الحبكتين عن بعضهما: الوقوع في الحب هو سبب إيقاف العميلة عن العمل، والوقوع في الحب هو سبب رسائل اللص «ألكسندر» لكي تقابله في «فينيسيا»، والعلاقة بين الاثنين هي وسيلة التعرف علي «ألكسندر» الحقيقي للقبض عليه أو قتله، يمكنك أيضًا أن تكتشف بعدًا آخر شديد الذكاء بين طرفي الصراع: «إليز» وحبيبها «ألسكندر» شخصيتان تعتمدان علي الخيال الخلاّق ثم يدخل علي الخط «فرانك» الذي يستنكر أن الأمريكيين واقعيون أكثر من اللازم، وفي الطرف الآخر رجال البوليس والمافيا الذين يعتمدون علي تجميع تفصيلات شديدة الواقعية باستخدام الأجهزة التكنولوجية الحديثة، وفي النهاية ينتصر الفيلم انتصارًا كاملاً لفريق الخيال والحب في مباراته مع فريق الواقع والعنف.
ما يربط الخط الرومانسي بالخط التشويقي في «السائح» ليس فقط عنصر التغذية المتبادلة المشروحة سابقًا، ولكن أيضًا فكرة التفكيك ثم التجميع، في المشهد الافتتاحي تقوم «إليز» بحرق الرسالة التي تلقّتها من «ألسكندر» في المقهي الباريسي، فيقوم رجال «اسكوتلانديارد» بجمع الأجزاء المحترقة، واستخدام برنامج كمبيوتر لاستعادة مضمون الرسالة، ثم مواصلة المطاردة إلي «فينيسيا»، لو تأملت قليلاً ستجد أن السرد السينمائي تعامل مع قصتي السرقة والحب بنفس المنطق حيث بدأ بتفكيكهما ثم أعاد تجميعهما معًا، نحن إذن أمام عمليتي إعادة بناء: قصة حب لم نشهد بدايتها ولكننا سنشاهد عملية بعثها، وقصة سرقة ومطاردة لم نشهد حدوثها ولكننا سنشاهد نهايتها، وفي بؤرة واحدة يمثلها مشهد تهديد «شو» رجل المافيا بقتل «إليز» تتلاقي القصتان، ومع ذلك يتواصل التلاعب بشخصية «ألكسندر» الحقيقية حتي نكتشف في النهاية أنه «فرانك توبيللو» بعد أن تغيرت معالم وجهه إثر عمليات جراحية متواصلة خلال عامين!
تبدو دراسة صناع الفيلم لعالم أفلام التشويق من خلال هذا التلاعب بل إنهم يتهمون «فرانك» صراحة بأنه «ألكسندر» ثم يلغون الاتهام بصورة مُقنعة تمامًا، وتبدو دراسة صُنَّاع الفيلم للأعمال الرومانسية في الحوارات الرقيقة بين «إليز» و«فرانك»، وفي بناء العلاقة في هدوء ونعومة، وفي مشاهد قليلة ولكن مقنعة جدًا، ثم تبدو قدرة كتاب الفيلم في صنع المزيج الصلب بين الفيلم التشويقي والرومانسي في حل عقدة الفيلم بنهاية سعيدة غريبة: اسكوتلانديارد حصل علي شيك تركه «فرانك» لهم بمبلغ الضرائب، ورجل المافيا تم قتله، و«إليز» عرفت أن «فرانك» هو «إلكسندر» وأنها أحبت الاثنين دون أن تدري أنهما شخص واحد.
وهكذا أحبت «إليز» «ألكسندر» مرتين: مرة بوجهه الحقيقي ومرة بوجهه الجديد، وهكذا أيضًا حصلت علي المال والحب معًا، وكأننا وصلنا بعد نهاية اللعبة إلي استعادة قصة الحب الأولي التي لم نرها بين «إليز» و«ألكسندر».
نحن إذن أمام سيناريو من الفئة الأولي الممتازة لولا نقطة واحدة لم تكن مقنعة تمامًا وهي اختيار «إليز» ل«فرانك» بالذات من بين كل ركاب القطار، ثم - وهذا هو الأهم - فشلها في التعرف علي أنه «ألكسندر» ولو بالإحساس رغم أنها عاشت مع «ألكسندر» عامًا كاملاً، ولكن ما أخفي هذه الثغرة الأداء الفذ للنجم «جوني ديب»، وهو محور الدراما كلها، صعوبة دور «جوني ديب» في هذا القناع البريء المندهش مما يجري حوله مع أنه صانعه الأول، لو أفلت تعبير واحد يفْهم منه المتفرج أن «فرانك» يعرف «إليز» من قبل لانهارت الدراما كلها، الطريقة التي يؤدي بها الممثل دوره مسئوليته ومسئولية المخرج أيضًا، ولعلنا نتذكر أن «أحمد السقا» لم يفلح في رسم قناع مماثل في «ابن القنصل» فأفلتت الحبكة علي مستوي التمثيل مع أنها مكتوبة جيدًا علي مستوي السيناريو.. «أنجلينا جولي» كانت مناسبة تمامًا لدور المرأة العاطفية التي تبدو في نفس الوقت عميلة محترفة خارجة توًا من القصص البوليسية أو حكايات الجاسوسية، علي مستوي العناصر التقنية، تقمص المخرج الألماني «فلوريان هينكل» النموذج الأمريكي سواء في بناء فيلم التشويق أو الفيلم الرومانسي، واحتفظ لبطليه بهالة النجومية وكأنهما أبطال لقصص شعبية ناجحة، كان هناك أيضًا استغلال رائع للأماكن المفتوحة، وسيطرة كاملة علي التتابعات الرومانسية (لقاء إليز وفرانك في الفندق) أو التتابعات التشويقية (مواجهة فرانك مع شو لإنقاذ إليز).. لاحظت أن الموسيقي سواء في جملها المصاحبة للمشاهد الرومانسية أو مشاهد التشويق المطاردة تعيدنا بقوة إلي موسيقي أفلام الخمسينيات الصريحة، واعتقد أن ذلك مقصود للإحالة إلي الأعمال الكلاسيكية الناجحة مع ملاحظة أن كتاب اليوم لا يستطيعون - فيما يبدو - الحديث عن الحب بمفرده، وإنما ممتزجًا بالمطاردات والسرقات ورجال المافيا الأشداء!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.