رسمياً.. مكتب التنسيق يعلن نتائج تقليل الاغتراب لطلاب الشهادات الفنية    %56 منهم طالبات.. وزير التعليم العالي: المنظومة تضم حاليًا ما يقرب من 4 ملايين طالب    وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات تراجع الاستعدادات النهائية لاستقبال العام الدراسي الجديد 2025- 2026    البطاطس ب10 جنيهات.. أسعار الخضراوات والفواكه بكفر الشيخ اليوم    أسعار المستلزمات المدرسية في قنا 2025: الكراسات واللانش بوكس تتصدر قائمة احتياجات الطلاب    بعد الانتهاء من المرحلة الأولى.. "النقل" تعلن فتح الحركة على أجزاء من الطريق الدائري الإقليمي ابتداءً من غد السبت    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    في سابقة.. سيناتور أمريكي يقدم مسودة تطالب ترامب الاعتراف بفلسطين    سحر الأقصر بعيون الصحافة الإسبانية: "السيلفى الملكي" يعكس انبهار بحضارة مصر    وزير الخارجية: نسعى لتعزيز التعاون المصري-السعودي لمواجهة التحديات الإقليمية    الاتحاد الأوروبى يسعى للحصول على أغلبية لتوسيع العقوبات على إسرائيل    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 19- 9- 2025 والقنوات الناقلة    دونجا: عبدالقادر مناسب للزمالك.. وإمام عاشور يمثل نصف قوة الأهلي    بلال: فقدان الأهلي لأي نقطة أمام سيراميكا سيفتح باب الأزمات بقوة    إصابة 11 شخصاً في حادث تصادم سيارتين بالشرقية    أول تصريح لعائلة الناجية من «مذبحة أسرة نبروه»: طلبت الطلاق فطعنها وقتل أطفاله    خدعة كاميرات المراقبة.. أبرز حيل سرقة الأسورة الذهبية من داخل المتحف    1000 سائح يحلقون في سماء الأقصر عبر رحلات البالون الطائر    افتتاح الملتقى الدولي التاسع لفنون ذوي القدرات الخاصة بحضور 3 وزراء    وزير الخارجية: نُحضر لمشروع سعودى تنموى عقارى سياحى للاستثمار بمنطقة البحر الأحمر    غادة عادل تكشف عن علاقتها ب محمد محمود عبدالعزيز    يوم الجمعة: فضل عظيم وسر قراءة سورة الكهف تعرف على الأدعية المستجابة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    بكام الطن النهارده؟ أسعار الأرز الشعير والأبيض اليوم الجمعة 19-9-2025 بأسواق الشرقية    يسرا اللوزي: نفسي أقدم عمل فني يناقش معاناة الآباء والأمهات مع أطفالهم من ذوي الهمم    التضخم في اليابان يصل إلى أدنى مستوى له في عشرة أشهر    الموت يفجع خوان بيزيرا.. ورسالة مؤثرة من اللاعب    للمرأة العاملة، ممنوع وضع المعجنات يوميا فى لانش بوكس المدرسة بدلا من الساندويتشات    أفكار تسالي للمدرسة.. اعملي الباتون ساليه بمكونات على قد الإيد    وفاة شقيقة الفنان أحمد صيام.. والجنازة ظهر اليوم من مسجد عمرو بن العاص    برلمانية: الرئيس السيسى أعاد إحياء صناعة هامة وقومية وهى "الغزل والنسيج"    زلزال بقوة 7.8 درجة يهز منطقة كامتشاتكا الروسية    التعليم: حملة موجهة من مراكز الدروس الخصوصية لإبعاد الطلاب عن اختيار البكالوريا    درة تهدى تكريمها فى مهرجان بورسعيد السينمائي للشعب الفلسطيني    عمرو يوسف: مؤلف «درويش» عرض عليّ الفكرة ليعطيها لممثل آخر فتمسكت بها    عياد: دار الإفتاء تفتح أبوابها للتعاون مع المؤسسات الدينية في كازاخستان    القوى العاملة بجنوب سيناء تنظم ندوة لتعزيز الوعي بالقانون الجديد    لحظات رعب أعلى دائري قليوب.. تفحم سيارة ملاكي وميكروباص في حريق مروع| صور    مستشفيات جامعة المنوفية تنجح في إنقاذ حياة مريض وإزالة ورم ضخم بالرئة    الذهب يواصل التراجع في مصر متأثرًا بالأسعار العالمية    ياسر ريان: الزمالك قادر على الفوز بالدوري بشرط الاستمرارية.. وعمرو الجزار أفضل مدافع في مصر    الصحفيين تكرم المتفوقين دراسيا من أبناء صحفيي فيتو (صور)    مصطفى عسل يعلق على قرار الخطيب بعدم الترشح لانتخابات الأهلي المقبلة    واشنطن تجهز مقبرة «حل الدولتين»| أمريكا تبيع الدم الفلسطيني في سوق السلاح!    نقيب الزراعيين: بورصة القطن رفعت الأسعار وشجعت الفلاحين على زيادة المساحات المزروعة    فلسطين.. قوات الاحتلال تداهم منزلًا في بلدة كفر قدوم شرق قلقيلية    رسميًا.. الاتحاد السكندري يعلن إنهاء تعاقد أحمد سامي وإيقاف مستحقات اللاعبين    سادس فيتو أمريكي ضد وقف إطلاق النار في غزة خلال عامين    بعد رباعية مالية كفر الزيات.. الترسانة يقيل عطية السيد ويعين مؤمن عبد الغفار مدربا    حي علي الصلاة..موعد صلاة الجمعة اليوم 19-9-2025 في المنيا    خليكي ذكية ووفري.. حضري عيش الفينو للمدرسة في المنزل أحلى من المخبز    أوفر وخالٍ من المواد الحافظة.. طريقة تجميد الخضار المشكل في البيت    شروط النجاح والرسوب والدور الثاني في النظام الجديد للثانوية العامة 2026-2025 (توزيع درجات المواد)    السجن المشدد 7 سنوات والعزل من الوظيفة لموظف بقنا    "حافظوا على الحوائط".. رسالة مدير تعليم القاهرة للطلاب قبل العام الجديد    «نعتز برسالتنا في نشر مذهب أهل السنة والجماعة».. شيخ الأزهر يُكرِّم الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    الدفعة «1» إناث طب القوات المسلحة.. ميلاد الأمل وتعزيز القدرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«السائح».. من الوجه والقناع إلي الحب والخداع

ينتمي الفيلم الأمريكي «The tourist» أو «السائح» الذي اخرجه الألماني الموهوب «فلوريان هينكيل فون دونير سمارك» إلي ما نطلق عليه الأفلام جيدة الصنع، إنها ببساطة تلك الأعمال التي يدرس أصحابها طبيعة النوع أو الأنواع التي سيقدمون حكايتهم من خلالها، ثم يرفعون شعار الاتقان الفني في كل مراحل التنفيذ، «السائح» في حقيقته ليس فيلمًا سهلاً أو بسيطًا وإن بدا كذلك، ولكنه مزيج معقد نسبيا بين الأفلام الرومانتيكية المنقرضة تقريبًا، وبين أفلام التشويق التي تتلاعب بتيمة «فوضي الهويات»، لدينا حبكتان متضافرتان وممتزجتان، الأولي رومانسية والثانية تشويقية، وحل الحبكة الأولي سيؤدي إلي حل الحبكة الثانية في اللقطة الأخيرة من الفيلم، والحبكتان متقنتان إلي حد كبير، أما السيناريو فهو متماسك ومتقن، فإذا اضفت إلي ذلك أنك أمام مخرج اشترك مع آخرين في الكتابة، وأثبت موهبته، من قبل في الفيلم الألماني الذي حصل علي جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي وعنوانه «حياة الآخرين»، وأن لديك طاقم ممثلين متميزين ولديه حضور علي رأسه «جوني ديب» و«أنجلينا جولي»، وإذا كانت الأحداث تنتقل من باريس ولندن إلي فينسيا، فأنت، بالتأكيد أمام فيلم ممتع بكل المقاييس ومن كل الزوايا، من أين تبدأ رحلة الإبداع في السائح؟ في رأيي أنها تبدأ من نجاح السيناريو المركب في إعادة فك وتركيب أحداث القصة التي لا تخلو من الطرفة، السرد في الواقع يسير في خطين متداخلين بنعومة أخاذة: حكاية حب بين رجل بريطاني اسمه «إلكسندر بيرس» سرق من أحد رجال المافيا 2.3 مليار دولار ثم اختفي، وبين فاتنة تعمل في جهاز الجرائم المالية البريطاني، اسمها «إليزوورد» «أنجلينا جولي» كلفت بالايقاع «بألكسندر» ليس لأنه نصب علي رجل المافيا، ولكن لأن الأموال المسروقة مستحق عليها ضرائب ضخمة تصل إلي 744 مليون دولار، ولكن العميلة الجميلة تقع في غرام اللص مما يؤدي إلي ايقافها عن العمل، ولكنها - وبعد عامين - من الاختفاء تتلقي خطابًا من «ألكسندر» لكي يلتقيا من جديد في «فينسيا»، أما الخط الثاني فهو تعرض «إليز» في رحلتها من باريس إلي فينسيا إلي مراقبة كل من رجال «سكوتلانديارد» الذين يريدون الوصول إلي «ألكسندر» لكي يسدد الضرائب، ورجال زعيم المافيا المسروق «ريجنا لدشو» الذي يريد معرفة مكان النقود ثم قتل غريمه «الكسندر» الهارب!
هذان هما العمودان اللذان يحملان بناء الفيلم بأكمله، لم يفلت الخطان ولو في مشهد واحد من كتاب السيناريو المحكم إلي حد كبير، بل أخذ كل خط يقوم بتغذية الخط الآخر مع عشرات التفصيلات الذكية واللمسات الساخرة هنا وهناك، لا يبدأ الفيلم الحدوتة من بدايتها كما حكيتها لك، ولكنه يبدأ من نقطة ساخنة هي رقابة رجال «اسكوتلانديارد» ل«إليز» عند وصول خطاب «الكسندر» الأول إليها في أحد مقاهي باريس، ولن نعرف أنها عميلة موقوفة عن العمل بسبب غرامها باللصوص الذين تحاول الايقاع بهم إلا في منتصف الفيلم تقريبًا، وسيظهر «ريجنالدشو» في الوقت المناسب ليزيد الصراع اشتعالاً، ثم سيدعم الحبكة فكرة التلاعب بهوية «الكسندر» الحقيقي خاصة مع ظهور سائح أمريكي فلي «فينسيا» اسمه «فرانك توبيلو» «جوني ديب» تتعرف عليه «إليز» في القطار، وتستخدمه لتضليل المطاردين لأنه يشبه في الطول حبيبها الهارب «الكسندر».
يمارس السيناريو فكرة اللعبة في بعديها الرومانسي والتشوقي حتي آخر المدي: «إليز» - التي تعودت علي الوقوع في الحب - تقع في غرام السائح الذي يبدو كالطفل البريء المتورط في مطاردات لا يعرف مغزاها، وفي البعد التشويقي يصبح من العسير التعرف علي «ألكسندر» الحقيقي الذي تؤكد المعلومات أنه أجري عملية للتجميل غير من خلالها ملامح وجهه تمامًا، وينجح السرد في تقديم مشاهد شديدة الرومانسية بين «إليز» و«فرانك» دون أي إسراف، فبعد قُبلة سريعة في الفندق يقطع المخرج علي الفور لرجال البوليس وهم يراقبون النوافذ، وبالقرب منهم رجال زعيم المافيا المكلّفين بالقتل واستعادة الأموال.
لا تستطيع أبدًا فصل الحبكتين عن بعضهما: الوقوع في الحب هو سبب إيقاف العميلة عن العمل، والوقوع في الحب هو سبب رسائل اللص «ألكسندر» لكي تقابله في «فينيسيا»، والعلاقة بين الاثنين هي وسيلة التعرف علي «ألكسندر» الحقيقي للقبض عليه أو قتله، يمكنك أيضًا أن تكتشف بعدًا آخر شديد الذكاء بين طرفي الصراع: «إليز» وحبيبها «ألسكندر» شخصيتان تعتمدان علي الخيال الخلاّق ثم يدخل علي الخط «فرانك» الذي يستنكر أن الأمريكيين واقعيون أكثر من اللازم، وفي الطرف الآخر رجال البوليس والمافيا الذين يعتمدون علي تجميع تفصيلات شديدة الواقعية باستخدام الأجهزة التكنولوجية الحديثة، وفي النهاية ينتصر الفيلم انتصارًا كاملاً لفريق الخيال والحب في مباراته مع فريق الواقع والعنف.
ما يربط الخط الرومانسي بالخط التشويقي في «السائح» ليس فقط عنصر التغذية المتبادلة المشروحة سابقًا، ولكن أيضًا فكرة التفكيك ثم التجميع، في المشهد الافتتاحي تقوم «إليز» بحرق الرسالة التي تلقّتها من «ألسكندر» في المقهي الباريسي، فيقوم رجال «اسكوتلانديارد» بجمع الأجزاء المحترقة، واستخدام برنامج كمبيوتر لاستعادة مضمون الرسالة، ثم مواصلة المطاردة إلي «فينيسيا»، لو تأملت قليلاً ستجد أن السرد السينمائي تعامل مع قصتي السرقة والحب بنفس المنطق حيث بدأ بتفكيكهما ثم أعاد تجميعهما معًا، نحن إذن أمام عمليتي إعادة بناء: قصة حب لم نشهد بدايتها ولكننا سنشاهد عملية بعثها، وقصة سرقة ومطاردة لم نشهد حدوثها ولكننا سنشاهد نهايتها، وفي بؤرة واحدة يمثلها مشهد تهديد «شو» رجل المافيا بقتل «إليز» تتلاقي القصتان، ومع ذلك يتواصل التلاعب بشخصية «ألكسندر» الحقيقية حتي نكتشف في النهاية أنه «فرانك توبيللو» بعد أن تغيرت معالم وجهه إثر عمليات جراحية متواصلة خلال عامين!
تبدو دراسة صناع الفيلم لعالم أفلام التشويق من خلال هذا التلاعب بل إنهم يتهمون «فرانك» صراحة بأنه «ألكسندر» ثم يلغون الاتهام بصورة مُقنعة تمامًا، وتبدو دراسة صُنَّاع الفيلم للأعمال الرومانسية في الحوارات الرقيقة بين «إليز» و«فرانك»، وفي بناء العلاقة في هدوء ونعومة، وفي مشاهد قليلة ولكن مقنعة جدًا، ثم تبدو قدرة كتاب الفيلم في صنع المزيج الصلب بين الفيلم التشويقي والرومانسي في حل عقدة الفيلم بنهاية سعيدة غريبة: اسكوتلانديارد حصل علي شيك تركه «فرانك» لهم بمبلغ الضرائب، ورجل المافيا تم قتله، و«إليز» عرفت أن «فرانك» هو «إلكسندر» وأنها أحبت الاثنين دون أن تدري أنهما شخص واحد.
وهكذا أحبت «إليز» «ألكسندر» مرتين: مرة بوجهه الحقيقي ومرة بوجهه الجديد، وهكذا أيضًا حصلت علي المال والحب معًا، وكأننا وصلنا بعد نهاية اللعبة إلي استعادة قصة الحب الأولي التي لم نرها بين «إليز» و«ألكسندر».
نحن إذن أمام سيناريو من الفئة الأولي الممتازة لولا نقطة واحدة لم تكن مقنعة تمامًا وهي اختيار «إليز» ل«فرانك» بالذات من بين كل ركاب القطار، ثم - وهذا هو الأهم - فشلها في التعرف علي أنه «ألكسندر» ولو بالإحساس رغم أنها عاشت مع «ألكسندر» عامًا كاملاً، ولكن ما أخفي هذه الثغرة الأداء الفذ للنجم «جوني ديب»، وهو محور الدراما كلها، صعوبة دور «جوني ديب» في هذا القناع البريء المندهش مما يجري حوله مع أنه صانعه الأول، لو أفلت تعبير واحد يفْهم منه المتفرج أن «فرانك» يعرف «إليز» من قبل لانهارت الدراما كلها، الطريقة التي يؤدي بها الممثل دوره مسئوليته ومسئولية المخرج أيضًا، ولعلنا نتذكر أن «أحمد السقا» لم يفلح في رسم قناع مماثل في «ابن القنصل» فأفلتت الحبكة علي مستوي التمثيل مع أنها مكتوبة جيدًا علي مستوي السيناريو.. «أنجلينا جولي» كانت مناسبة تمامًا لدور المرأة العاطفية التي تبدو في نفس الوقت عميلة محترفة خارجة توًا من القصص البوليسية أو حكايات الجاسوسية، علي مستوي العناصر التقنية، تقمص المخرج الألماني «فلوريان هينكل» النموذج الأمريكي سواء في بناء فيلم التشويق أو الفيلم الرومانسي، واحتفظ لبطليه بهالة النجومية وكأنهما أبطال لقصص شعبية ناجحة، كان هناك أيضًا استغلال رائع للأماكن المفتوحة، وسيطرة كاملة علي التتابعات الرومانسية (لقاء إليز وفرانك في الفندق) أو التتابعات التشويقية (مواجهة فرانك مع شو لإنقاذ إليز).. لاحظت أن الموسيقي سواء في جملها المصاحبة للمشاهد الرومانسية أو مشاهد التشويق المطاردة تعيدنا بقوة إلي موسيقي أفلام الخمسينيات الصريحة، واعتقد أن ذلك مقصود للإحالة إلي الأعمال الكلاسيكية الناجحة مع ملاحظة أن كتاب اليوم لا يستطيعون - فيما يبدو - الحديث عن الحب بمفرده، وإنما ممتزجًا بالمطاردات والسرقات ورجال المافيا الأشداء!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.