رحل الاستعمار عن العالم العربى، ولكنه ترك بذوره الشيطانية المتمثلة فى النعرات الطائفية والخلافات العقائدية والتركيبات العرفية المعقدة.. وظل الاستعمار حريصاً على تعميق هذه الاحتقانات كى يظل الداء الخافى الذى تم غرسه فى العروق وصار قابل للاستفحال عند تحفيزه لينال من آمال وأحلام الشعوب فى غد مشرق. وقد نجح الداهية وزير الخارجية الأسبق (هنرى كيسنجر) فى صياغة هذا الواقع المر فى جملة دالة تقول «إن الأمل الوحيد فى بقاء الكيان الصهيونى هو تفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة» كما لخصته السيدة (مادلين أولبريت) وزيرة الخارجية الأمريكية للنظام الرئاسى السابقة فى عبارة «الفوضى الخلاقة» التى تحى النعرات وتذيب التعددية وترفض قبول الآخر فيحسب كل طرف أنه صاحب الحق الأوحد وهكذا تفتت السودان فى سابقة مرفوض تكرارها ويجب على الجميع التحسب فى ضوء الأحداث التى تعصف بدولة لبنان الشقيق ونظامها الطائفى الذى جعلها دولة من بلاطات الموزاييك الملون الهش والتى تحتاج دائما للحكمة و الاعتدال كى يستمر تماسكها السلمى و لهذا السبب تم اختيار رئيس الوزراء السنى الجديد القديم (نجيب ميقاتى) الذى ربما لايملك شعبية رئيس الوزراء السابق (سعد الحريرى) ولكنه مقبول من كل الأطياف اللبنانية التى تسهم فى ازدهار شجرة الأرز واستمرارها خضراء متنامية على علم لبنان. ورغم أن لبنان من أصغر الدول العربية من حيث المساحة لكنها تضم تشكيلة من الأديان والأعراق والطوائف التى يبلغ عددها حوالى 18 طائفة ويقوم نظام الحكم على توزيع السلطات بين الطوائف التى تشكل النسيج اللبنانى فمثلاً منصب رئاسة الجمهورية للموارنه و رئاسة الوزراء للسنية ورئاسة مجلس النواب للشيعة وقد تسبب هذا التعدد الطائفى فى حدوث خلافات وصراعات. أزمات متلاحقة/U/ ففى عام 1975 وقعت أكثر الحروب الأهلية دموية فى تاريخ لبنان بين عدة طوائف واستمرت حتى عام 1990 سقط خلالها مئات الآلاف من الضحايا ولم تنجح هذه الحرب فى تذويب هذه الكيانات بل ظلت كل طائفة محتفظة بخصائصها وقد تسببت طبيعة المجتمع اللبنانى المتعددة فى استمرار التهديد باندلاع الصراعات عند حدوث أى خلاف ومنذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريرى وحتى الآن والبلاد تعانى من أزمات متلاحقة بسبب التلويح بملاحقة المتهمين بارتكاب هذه الجريمة وفقاً لقرارات الإتهام المقدمة من قبل المحكمة التابعة لمنظمة الأممالمتحدة لدرجة جعلت حزب الله يلوح بالانسحاب من الوزارة فى حالة استمرار هذه التحقيقات رغم تعهد سعد الحريرى بعدم ملاحقة المتهمين. وتنص المادة 69 من الدستور على سقوط الحكومة فى حالة استقالة ثلث أعضائها وهذا هو ما حدث بعد ان قدم 11وزير ينتمون لحزب الله استقالتهم من وزارة الحريرى الابن. ويضيف المحللون أن عدم تجانس الوزراء يعد من أهم الأسباب التى أدت لهذه الاستقالة الجماعية أيضاً وفى تطور سريع لهذه الأحداث وخوفاً من وقوع البلاد فى حالة من الفوضى عقب إسقاط حكومة الحريرى كلف رئيس الجمهورية ميشال سليمان نجيب ميقاتى بتشكيل حكومة جديدة بعد حصولة على 68 صوت مقابل 58 صوتاً لصالح الحريرى. وأعلن ميقاتى فور تكليفه بأن يده ممدودة لكل الفرقاء المتنافسين. ودعى جميع اللبنانيين للتوحد كما وجه شكره لسعد الحريرى الذى دعى أنصاره للتعامل الهادئ مع الأحداث وإعلان رفضه الكامل لكل مظاهر الشغب التى عمت البلاد بعد تكليف ميقاتى بتشكيل الحكومة الجديدة كما أكد سمير الجسر نائب كتلة المستقبل عزوف حزبه عن المشاركة فى الوزارة ودعا المتظاهرين إلى التعبير بطريقة حضارية عن غضبهم وقد جاءت هذه الاحتجاجات استجابة للدعوة التى أطلقها الحريرى باعتبار يوم 25 يناير يوم الغضب احتجاجاً على إسقاط حكومته. ويذكر أن نجيب ميقاتى هو رجل أعمال متميز وسنى وقد نجح فى رئاسة حكومة الإنقاذ التى شكلت عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريرى لمدة 90 يوماً بهدف ضمان الانتقال السلمى للسلطة عقب هذا الحدث الجلل. عمل والده بالتجارة له 7 إخوة و خمس أخوات. وقد ولد ميقاتى عام 1955 فى لبنان وتعثر فى مراحل تعليمه الأولى وأكمل تعليمه الجامعى بالجامعة الأمريكية قسم إدارة الأعمال وحصل على درجة الماجستير. وهو متزوج ولديه 3 أبناء وعن حياته العملية فقد رفض العمل فى مجال المقاولات مع الأسرة وافتتح مع احد إخوته شركة للاتصالات ونجح ليصبح من أكثر الأثرياء العرب وتقدر ثروته ب 2,5 مليار دولار ويحتل المركز 12 بين أثرياء العرب حسب التقرير المقدم لعام 2010 لمجلة فوربس الشهيرة. بدأ عمله فى الميدان العام بعد فوزه برئاسة اللجنة الاقتصادية للغرفة التجارية وتم اختياره كوزير للأشغال العامة عام 1998 واستمر فى منصبه حتى عام 2004 وعرف عنه أنه دبلوماسى من طراز فريد نجح فى إقامة علاقات طيبة مع كافة التيارات السياسية اللبنانية. ولعب دوراً مؤثراً فى حفظ الاستقرار عقب اغتيال رفيق الحريرى فى عام 2005 خشية وقوع البلاد فى حالة فوضى. توافق الفرقاء/U/ تولى ميقاتى رئاسة الوزراء لمدة 90 يوماً. كما نجح فى تحقيق وعوده بإجراء انتخابات ديمقراطية وقد وصف المحللون فترة حكمة بأنه «حمل كرة النار وتمكن من احتواء لهيبها ومنعه من الانتشار» وفور إعلان ترشيحه أكد ميقاتى على استعداده للتعاون مع كافة الأطراف واعتماده مبدأ الحوار لكل الأمور الخلافية وأنه سيسعى لتقريب وجهات النظر لتحقيق التوافق بين الفرقاء المتخاصمين ويتمنى المهتمين بالشأن اللبنانى بأن ينجح ميقاتى فى مهمته بعد أن فشلت حكومة الحريرى فى أداء دورها وعجزت عن مناقشة الموازنة لعام 2010 طوال 14 شهر هى فترة توليها السلطة كما أنها لم تفلح أيضاً فى عقد اجتماع وزارى منذ ما يقرب من شهرين، ويراهن المراقبون على حب اللبنانيين لبلادهم وثقافاتهم المتميزة التى ستحافظ كالعادة على بقاء النسيج الطائفى اللبنانى فى غاية التماسك.