رغم صغر سنها - الذى لا يتعدى ال 27 عاماً - فإنها استطاعت القفز فوق العادات والتقاليد التى كانت تهيمن على عقول أبناء قريتها - كحك بحرى - التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم لتصبح ثانى امرأة تعمل كمأذونة فى مصر. وعلى بُعد مائة كيلومتر من القاهرة حيث مركز أبشواى من المراكز كثيفة السكان بالمحافظة وحيث الحياة البسيطة والغياب الواضح للمرافق والخدمات.. فى تلك المنطقة التى ظهرت بها جماعة تسمى «جماعة الشوقيين» فى تسعينيات القرن الماضى والتى كانت تحرم خروج الفتاة للعمل وفى مكتب محاماة صغير حيث كانت تعمل التقينا ب «أمورة نبيل حسين» أصغر مأذونة فى مصر.. بنت مصرية بسيطة تحمل كل الملامح والسمات التى تؤهلها وتساعدها للقيام بهذه المهمة وسط مجتمع يؤمن أكثر ب «الذكورية».. «أمورة» لديها ليسانس حقوق من جامعة القاهرة فى عام 2004، كما أنها حاصلة على ماجستير فى القانون العام بامتياز بالإضافة إلى دورة فى إعداد المأذون الشرعى من كلية دار العلوم جامعة الفيوم.. لها ثمانية إخوة تعولهم جميعاً مع أمها - فأبوها يعمل فى ليبيا منذ فترة. سميت بهذا الاسم «أمورة» - تيمناً بأن تكون بارعة الجمال مثل خالتها التى تسمى بنفس الاسم.. كانت تتمنى منذ صغرها أن تكون ذات شأن كبير يحقق طموحها. تقول: كنت أتمنى أن أكون قاضية ولكن إمكانياتى لم تسمح بذلك وعند وفاة مأذون القرية الشيخ سيد محمد سلام فى نهاية عام 2009 قدمت أوراق ترشيحى للعمل بهذه الوظيفة وتنافست فى ذلك مع 22 رجلاً وكنت أعلم أن الفكرة أصبحت غير مستحيلة لأن هناك من سبقتنى فى ذلك - أمل عفيفى من الشرقية أول مأذونة فى مصر - وبالفعل صدر الحكم من محكمة الفيوم الابتدائية دائرة المأذونين يحمل رقم 10 لسنة 2010. فى يوم 2010/12/29 برئاسة المستشار محمد جنينة والذى به أصبحت أول مأذونة فى الفيوم وثانى مأذونة فى مصر. الغريب - والكلام لها - أننى توقعت أن أواجه عاصفة من الانتقادات والمعارضة داخل قريتى - كحك بحرى - أو حتى من خارجها - القرى المجاورة ومركز أبشواى حيث كنت أعمل كمحامية لمدة ثلاث سنوات - خاصة وأن القرية والمنطقة كانت تعج فى تسعينيات القرن الماضى بجماعة «الشوقيين» والتى كانت تحرم خروج المرأة من بيتها سواء لشراء أشياء أو حتى للعمل، لكننى وحدت عكس ما كنت أتوقعه فأغلب عائلات القرية سعيدة بذلك والبعض منهم اتصل بى وهنأنى عندما سمعوا عن قرار المحكمة وقالوا إنهم يريدونى أن أقوم بتزويج أبنائهم قريباً. ولما لا.. والتساؤل لها - وقد اختفت معالم وأفكار جماعة «الشوقيين» وأصبح معظم شباب القرية يدرسون بالجامعة وحصلت «كحك بحرى» مؤخراً على لقب القرية النموذجية على مستوى الفيوم. وأعود إلى والدتى والتى بكت عندما سمعت بهذا القرار لأنها توقعت أن أكون ذات شأن فى يوم من الأيام.. فقررت ألا أتركها أبداً وبدأت فى التفكير فى إنشاء مكتب فى القرية بالرغم من أن معظم عائلات هذه المنطقة اعتادوا على إتمام الزواج وتوثيقه فى بيت العروس.. ولكن لم يفتنا أن نعرض عليها سؤالاً عن ماذا لو عرض عليها إتمام الزواج فى مسجد فقالت: لن تكون لدى مشكلة فتجربتى فى العمل كمحامية لمدة ثلاث سنوات واحتكاكى الدائم بالجماهير فى المحاكم جعلنى لا أخشى من هذا الأمر. قانون الطفل/U/ وتكمل «أمورة» قائلة: لقد درست قانون الأسرة والطفل وطبقته عمليا من خلال عملى وأنا ملتزمة به حرفياً وبل وأطالب بأن يتضمن القانون عقوبات أكثر عنفاً وحدة للقضاء على مشاكل عديدة مثل ظاهرة زواج القاصرات وغيرها. ونظرة «أمورة» للطلاق تختلف عن النظرة العادية.. فهى أولاً لن تقوم مطلقاً على إتمام «أبغض الحلال» - بوصفه وسيلة من وسائل التربح والكسب - إلا بعد إقناع الطرفين بخطورته والإتيان بمن لديهم التأثير الكبير عليهما لحثهما على الابتعاد عن هذا الأمر. أما الأمر الثانى فهو أنها قدمت سبباً مهماً من أسباب انتشار حالات الطلاق فى مصر - من وجهة نظرها - وهو الزواج المبكر والذى تكون فيه البنت غير مؤهلة بخبرة واسعة ولا تتحمل المسئولية وعند أول مشكلة تقابلها يتم الطلاق. والطريف أنه فى الوقت الذى ترفض فيه أن يتزوج عليها زوجها فى المستقبل تقبل بتزويج أى شخص الزوجة الثانية إذا توافرت الأسباب الشرعية التى تجعله يقدم على هذه الزيجة الثانية. وفى رأى «أمورة» أن المرأة أفضل من الرجل فى العمل كمأذون خاصة فيما يتعلق بالحصول على توكيل العروس.. وقالت إنه لولا القانون لزوجت نفسى ولكن خال خطيبى مأذون وهو الذى سوف يقوم بتوثيق عقد الزواج. وتضيف أنها اتصلت بأمل عفيفى - أول مأذونة فى مصر - لمعرفة الصعوبات التى واجهتها وحيثيات الحكم الذى صدر لها من قبل وأن أول من هنأها هو رئيس محكمة سابق بالفيوم وأيضاً المستشار عبدالظاهر حسانين بمحكمة الأسرة بالإسكندرية بالرغم من أنها لا تعرفه. وقالت إن بعض الأمور الأسرية مثل الحمل والولادة وغيرها لن تقف عائقاً أمامها لإتمام أى زواج وأن ما يعتقده البعض من أننى امرأة ولن أستطيع الاستمرار فى عملى هذا يمثل نظرة «ذكورية» تعود عليها المجتمع. حول أمنياتها.. قالت «أمورة» إنها تتمنى أن يتقبل الجميع فكرة أنها مأذونة وألا يحاربها أحد فى هذا المجال وأنها تتمنى أن يكون هناك رابطة للمأذونين أو نقابة تدافع عن حقوقهم الأدبية والمالية وأن يتم عمل معاش لأسرة المأذون بعد وفاته. وأضافت أن المجلس القومى للمرأة - عندما علم بهذا القرار - اتصل بها لحضور مؤتمرات وندوات عن المرأة ووعد بمساندتها فى الفترة القادمة. وبعد الانتهاء من الحديث مع «أمورة» كان لابد من معرفة رد فعل من حولها.. أحمد صلاح «محامى» خطيبها قال إن عمل «أمورة» كمأذونة لن يزعجه وأنه يؤمن بفكرة عمل المرأة مادام أنه عمل شريف وتحقق فيه طموحها. وأضاف أنه يساعدها عند الترشح فى التحضير للجلسات التى سبقت الحكم وأنه سافر معها إلى الشرقية حيث توجد أول مأذونة فى مصر لطلب مساعدتها فى التحضير لجلسة الحكم. أما عبد السلام المحامى والذى عملت عنده «أمورة» محامية لمدة ثلاث سنوات فقال إنها كانت مثالاً فى الالتزام والأخلاق وأنه كان يتمنى فشلها فى الحصول على وظيفة «المأذون» وأن تستمر فى العمل معه لأنها كانت دائماً تحرص على مصلحة الموكلين بالمكتب. مجدى جعفر خال «أمورة» وكان من المتنافسين معها على هذه الوظيفة إلا أنه اعترف بتفوقها وأنه لم يحزن أبداً لفشله فقد حققت ابنة أخته هدفها وطموحها وتمنى لها التوفيق.