فى قطعة أرض فضاء حوطها بالخوص اتخذ مكانه فى أحد الطرق الجانبية بطريق مركز أبوسلطان محافظة الإسماعيلية، حيث استغل هذا المكان لتصنيع الأقفاص الخشبية التى تستخدم لتعبئة المانجو والخيار والطماطم. مصطفى أحمد محمود «58 عاما»، عاش عمره كله لا يعرف له مهنة سوى صناعة الأقفاص، ولذلك لقّبه بعض المقربين منه بشيخ القفاصين، فمنذ نعومة أظافره خرج من بلدته ومسقط رأسه الفيوم وكان عمره وقتها لا يتعدى 12 عاما، وجاء إلى الإسماعيلية باحثا عن فرصة عمل فى جنان المانجو. يقول مصطفى: نادى مناد فى مركز ابشواى محافظة الفيوم، حيث كنت أسكن، وكان يقول إن هناك سيارة تنتظر العمال فى أول الطريق، تلك السيارة النقل الكبيرة التى ركبتها، ووجدت نفسى بعدها فى الإسماعيلية، وهناك أخذنى رجل كبير بشرته سمراء عرفت بعدها أنه صعيدى من أسوان، صاحب ورشة لتصنيع الأقفاص بالإسماعيلية. كان لهذا الرجل فضل كبير علىّ فى تعلم الصنعة، التى أصبحت شغلى ومورد رزقى الوحيد الذى صاحبنى ولم أغيره طوال حياتى، حيث استقررت مع بعض أقاربى المقيمين فى «فايد»، وكنت أنزل إلى البلد فى الأعياد فقط. كنت أحصل على 25 قرشا فى اليوم، وتدرج هذا المبلغ حتى حصلت على جنيه فى اليوم الواحد، وكان هذا بالنسبة له ثروة حيث إننى كنت أساعد فى مصاريف البيت، حيث توفى والدى وتركنى أنا وإخواتى ال6 دون مورد رزق. وفقنى الله فى الحصول على قطعة أرض فضاء ملك لأحد السكان فى أبوسلطان تركها لأعمل فيها وأقيم ورشتى الصغيرة، هذه الورشة هى مكان عملى وسكنى أنا وبعض العمال الذين اصطحبتهم أيضا من الفيوم. بالرغم من أنه يعيش فى الإسماعيلية منذ أكثر من 40 عاما إلا أنه تزوج من إحدى قريباته فى الفيوم وأنجب منها 5 أبناء، 3 أولاد وبنتين. وبتنهيدة طويلة وعينين زائعتين قال مصطفى: مع الأسف لم يتعلم أبنائى صنعتى فواحد منهم يعمل حداداً والآخر يعمل فى أحد مصانع السيارات «أصل مهنتنا وحشه والفلوس مش كتير يا دوب على قد مصاريف البيت». بالرغم من ذلك فإن عم مصطفى يبدأ العمل فى الساعة الثامنة صباحا وحتى الثانية عشرة مساء، حيث تراه منكفئاً على الأقفاص جالسا على حصيرة فى الأرض وأمامه «أورمة» خشبية للتقطيع فوقها. أدواته هى سكين كبيرة، أو كما يطلق عليها سلاح، ومواسير حديد يثقب بها الخشب، وخشبتان زان إحداهما تسمى «الخفيفة» وتستخدم فى الطرق على القفص، والأخرى «الثقيلة» وهذه تساعده فى الطرق على المواسير لثقب الخشب. أما عن الخشب اللازم لتصنيع الأقفاص فقال: هو عبارة عن جريد نخل نأتى به من الصعيد. عم مصطفى مستاء كثيرا بسبب عدم وجود عمالة، وهذا يعود إلى أن يومية العامل لا تتعدى 25 جنيهاً فى مقابل 18 ساعة من الشغل المتواصل. شغل عم مصطفى مواسم ويزداد فى فترة حصاد المانجو ثم بعدها يتفرغ لتصنيع أقفاص الخيار لذلك يستغل عم مصطفى هذه الفترة فى صناعة أقفاص العيش التى لا تعطى عائداً كبيراً. وأضاف: الناس سابت المهنة بعد أن أصبحت الكراتين تنافس الأقفاص، وأصبح تجار المانجو يعتمدون فى تعبئة محصولهم على الكراتين بالرغم من أنها سريعة التلف وتؤثر على ثمار المانجو.