كانت أيام الأسبوع الماضى أياماً عصيبة على مصر كلها، بسبب ما تعرضت له كنيسة القديسين بالإسكندرية من اعتداء إجرامى راح ضحيته نحو 22 مواطناً مصرياً من المسلمين والمسيحيين وإصابة أكثر من مائة آخرين من بينهم ضابط وثلاثة جنود من قوة تأمين الكنيسة. عقب وقوع الحادث الإجرامى، وجه الرئيس حسنى مبارك بياناً إلى الأمة وصف فيه هذه الجريمة بأنها عمل إرهابى آثم استهدف الوطن بأقباطه ومسلميه، بينما شعب مصر يحتفل مع العالم بأعياد الميلاد والعام الجديد. صدم هذا العمل الإجرامى ضمير ومشاعر المصريين وأوجع قلوبهم بعد أن امتزجت دماء شهدائهم وجرحاهم على أرض الإسكندرية، وأدرك المصريون بحسهم الوطنى والحضارى أن الوطن المصرى هو المستهدف وأن الإرهاب الأعمى لا دين له ولا يفرق بين قبطى ومسلم ولا بين كنيسة ومسجد. كانت الجريمة غريبة على شعبنا ومجتمعنا، وطالت ضحايا مصريين أبرياء، وأكدت أن الإرهاب لا يزال يتربص بمصر وشعبها ويطل مرة أخرى بوجهه القبيح مروعاً الآمنين ويهدد أبناء مصر فى أرواحهم وأرزاقهم. وحملت هذه الجريمة الشنعاء ملامح تورط أصابع خارجية تحاول جعل بلادنا ساحة جديدة لعمليات إرهابية مماثلة تحدث بالمنطقة والعالم. وفى كلمات قوية تعكس قوة الدولة المصرية وتلاحم المصريين وتؤكد الثقة فى مواجهة وإسقاط هذه المؤامرة أكد الرئيس مبارك أن قوة الإرهاب لن تنجح فى مخططاتها وستفشل فى زعزعة استقرار مصر أو النيل من أمان ووحدة مسلميها وأقباطها. وأعاد مبارك التأكيد على أن أمن مصر القومى هو مسئوليته الأولى بوصفه رئيساً للبلاد ورئيساً لكل المصريين وقال بكلمات حاسمة: «ولن أفرط فيه أبداً ولن أسمح لأحد أياً كان بالمساس به أو الاستخفاف بأرواح ومقدرات شعبنا». وقال الرئيس: «إنه تلقى - ولا يزال تقارير عديدة من أجهزة الدولة - وأننا سنتعقب المخططين لهذا العمل الإرهابى ومرتكبيه وسنلاحق المتورطين فى التعاون معهم ممن يندسون بيننا». موضحاً أن دماء أبنائنا لن تضيع هدرا، وسنقطع يد الإرهاب المتربص بنا ولن نسمح بالوقيعة بين شعبنا، لأننا فى خندق واحد، وسيكون العقاب لهؤلاء القتلة شديداً ولن يفلتوا منه، وسنتصدى للإرهاب ونهزمه. جاء احتفال أشقاء الوطن الأقباط والمسلمون، بعيد الميلاد المجيد رداً طبيعياً من كل المصريين على محاولات الوقيعة وزرع الفتنة بين أقباط مصر ومسلميها وأعاد التأكيد على وحدة هذا الشعب وترابطه وسماحة أبنائه. أدرك الجميع خطر المؤامرة وأسقطوها، وكشفوا أن هذا العمل الإجرامى لم يكن يستهدف الكنيسة والأقباط، بل كان يستهدف كل المصريين بكنائسهم ومساجدهم ومصانعهم ومدارسهم، غضب بعض الشباب القبطى، فقدر الجميع مشاعرهم، تجاوز البعض وأخطأ الهدف فأصاب غضبه بعض ممتلكات المصريين مسلمين وأقباطاً، وتهجم على رموز المجتمع وأفراد من الأمن الذى يحمى الجميع، فتجاوز العقلاء هذا التجاوز، وخرج الجميع مسلمين قبل الأقباط ليدين العمل الإجرامى ويعلن تضامنه وحمايته لأبناء شعبنا. أخطأ البعض بالدعوة لتدخل أجنبى فكان الرفض قوياً من كل المصريين بأن أقباط مصر فى عيون مسلمى مصر وقلوبهم وأن الدولة المصرية مسئولة وقوية وقادرة على حماية كل أبنائها. كان مشهد المصريين عظيما عظمة تكاتفهم ووحدتهم وصمودهم فى العبور العظيم وفى ثورة 19 رفع الجميع الهلال وهو يعانق الصليب ورفع الجميع كُتب الله القرآن الكريم والأنجيل المقدس وظلل علم الوطن المصرى الجميع، كان هو الانتماء الأول والأخير وكان هو حائط الصد ضد المؤامرة، أدرك الجميع شعباً وقيادة وحكومة وأحزاباً ونقابات وقساوسة رجالاً ونساءاً وأطفالاً وشيوخ حجم الخطر الذى يهدد الوطن فارتفع الجميع فوق انتماءاته السياسية والحزبية ومعتقداته الدينية. ربما ولأول مرة ومنذ قرار الرئيس مبارك باعتبار يوم السابع من يناير يوم ميلاد السيد المسيح عيدا رسميا لجميع المصريين تحول هذا اليوم لعيد وطنى لكل المصريين ورمزا مجيدا لوحدتهم وإضافة جديد لسجلهم الحافل فى الدفاع عن وطنهم وتماسكه واستقلاله. كان هدف الإرهاب الأعمى هو زج مصر وشعبها فى أتون حرب أهلية طائفية يكرر سيناريو جرائمه فى مناطق أخرى وأسقط المصريون بكل مكوناتهم هذه المؤامرة فلم تكن الجريمة طائفية تستهدف دينا بعينه بل كانت جريمة ضد الوطن لتأليب أبنائه بعضهم على بعض وأدرك المصريون بحسهم الوطنى وخبرتهم فى مواجهة الإرهاب أن هذا العمل الإجرامى لا يشبه فى أهدافه الجرائم التى شهدتها البلاد قبل ذلك رغم محاولات البعض تصوير الأمر على أنها جريمة موجهة ضد الأقباط وكنائسهم. كان موقف الدولة المصرية حاسما وقويا فى مواجهة الأمر والتحرك سريعا لرعاية أبنائها وحفظ أرواحهم وممتلكاتهم وكان قويا وصبورا فى التعامل مع انفعالات البعض وكان أكثر قوة فى رفض دعاوى التدخل الخارجى، كان موقف فضيلة شيخ الأزهر أحمد الطيب ومفتى الديار د. على جمعة ووزير الأوقاف د. حمدى زقزوق وكافة الشخصيات الإسلامية نابعا من إيمانهم بسماحة الأديان ومسئولية المسلمين تجاه أشقائهم الأقباط وكان موقف قداسة البابا شنودة وطنيا خالصا يعكس حرص أبناء الوطن على مصر وشعبها وكذلك كل الرموز الدينية المسيحية وكان موقف المصريين جميعا رائعا وموحدا، فرأينا المسلم يحمل الصليب والإنجيل والمسيحى يحمل القرآن والهلال ويرفعهما واحتفل الجميع بعيدهم الوطنى الجديد وأسقط المصريون المؤامرة ولم يعد باقياً أمامنا جميعا سوى الاحتفاظ بهذه اللحظة التاريخية فى عمر شعبنا ومسيرته الوطنية لأمة متماسكة ومترابطة وأن نجلس معاً كمصريين نستعيد فيها هذه اللحظة المهمة وغيرها من اللحظات التى أكدت وحدتنا، ونسأل أنفسنا: لماذا اختار الإرهاب هذه المرة كنيسة؟ وما المانع فى المرة القادمة وضمن مخططه الإجرامى أن يختار مسجدا؟ علينا أن نسأل أنفسنا: كيف نحمى مصر وشعبها ونصون أمنها القومى ونقطع الطريق على هذه المحاولات التى تستهدف حياة وأمن شعبنا؟ إننا شعب واحد.. نعيش معاً فى وطن واحد.. وعلينا بعد أن نعبر هذه الأزمة وتداعياتها والتى أثق فى قدرة شعبنا على عبورها أن نفكر فى طبيعة الثغرات التى يحاول هؤلاء المجرمون استغلالها والنفاذ منها للنيل من وحدتنا واستقرارنا. يجب أن نجعل من هذا العمل الإجرامى بكل نتائجه بداية جديدة لاستنهاض قيم المواطنة المصرية فى وطن لم يعرف فرقاً بين مواطنيه.. وطن جعل المندوب السامى البريطانى كرومر يفشل فى تقسيم المصريين وكتب لوزارة الخارجية فى بلاده أنه لم يجد فرقا بين المصريين فهم من أصل واحد وسحنة واحدة ولون بشرتهم واحد وعاداتهم وسلوكياتهم وأزيائهم واحدة. لقد فشل المستعمرون والغزاة فى التفريق بين أبناء مصر ففى بلادنا لا توجد أجناس أو أعراق ولا توجد مجتمعات أو أحياء أو بنايات ذات طابع طائفى والنسيج المصرى متداخل رسخه إيمان المصريين بإله واحد وعزز مصريتهم علمهم الوطنى. يؤمن المصريون بأن سماء الوطن يستظل بها الجميع، ولم تكن شعارات الكفاح الوطنى مثل: (يحيا الهلال مع الصليب والدين لله والوطن للجميع وصيحة الله أكبر) التى أطلقها جنود مصر بمسلميهم وأقباطهم فى العبور لتحرير سيناء سوى ترجمة واقعية لانصهار الجميع فى بوتقة الوطنية المصرية. لقد عُرفت مصر طوال تاريخها بالوحدة والتماسك والتسامح وعلمت الدنيا الإيمان وفشلت مؤامرات الخارج والداخل فى تقسيمها أو التفريق بين أبنائها وعُرف عن المصريين احترامهم لمعتقداتهم ومعتقدات الآخرين، وعاش المصريون فى رباط دائم، ولم تعرف حياتهم مطلقا أى نوع من أنواع الفرز الطائفى، رغم محاولات البعض اللعب على وتر أسلمة المجتمع، ومحاولات آخرين العزف على لحن الاضطهاد ونحن نحتفل بأعيادنا الدينية يجب الإدراك أن هناك من يحاول النيل من رصيدنا الحضارى، وأن ننتبه للاحداث الصغيرة فى وقائعها الكبيرة فى معانيها فمن غير المقبول أن يطعن أحد فى ديانة آخر، ولايجوز أن يحاول أحد الاعتداء على مكان للعبادة يذكر فيه اسم الله، وعلينا أن نتصدى لحالات التعصب المتبادلة التى تظهر من حين لآخر، وغذتها جماعات وأفراد وتيارات وصحف وفضائيات ودعاة من هنا وهناك مما أوجد فى نفوس بعض من المصريين شعورا زائفا بالتفوق أو بالاضطهاد، ومهد المناخ لحالة من الترصد والاستنفار بعد أن تسربت ثقافة الانطواء والعزلة والكراهية، ونجحت فى بعض الأحيان فى جعل الانتماء الدينى يسبق الانتماء الوطنى، ورأينا من يتحدث عن أن المسلم الباكستانى أقرب إليه من المصرى القبطى، وأن المسيحى الفلبينى هو الأخ بدلا من المصرى المسلم. لقد ارتد البعض، وأصبحت مرجعيته وملاذه هو مسجده ومولانا الذى يفتى أو فناء كنيسته التى يتحصن فيها وينال البركة والرعاية من سيدنا!! لعلنا لم ننتبه لعمليات غسل قلوب وعقول المصريين التى يقوم بها دعاة الفرقة فى مدارسنا، وجامعاتنا، وعلى حوائط وجدران الشوارع، ووسائل المواصلات، بدعوى التقوى والهداية، وسكتنا على الرموز والشعارات التى تصاحبنا حتى داخل المصاعد، ولم نرد على افتراءات الفضائيات والصحف ونحن نعلم من يمولها. لقد تركنا الساحة للمتعصبين ورأينا مشاهد ستخجل الذاكرة الوطنية من استعادتها أو ذكرها، لقد أصبح من الضرورى البحث عن الأسباب الحقيقية وراء حالة الترصد والاحتقان التى أصابت بعض النفوس علينا بالطبع أن نعترف بأن هناك الكثير من القضايا والمشكلات الجديرة بالنقاش مع فئات كثيرة فى المجتمع مع التأكيد أنه لاينبغى الحديث عن حقوق دينية وطائفية فهذا النوع من الحديث خط أحمر يجب أن يقف عنده الجميع والحل هو حوار ونقاش يتطرق لكل القضايا على أساس وطنى انطلاقا من أن حقوق الوطن والمواطن هى بداية لتخليص النفوس من آثار هذه الحالة، وأن خطوات الإصلاح التى بدأت، انطلقت من مبدأ المساواة الكاملة للمواطن المصرى، فى إطار السعى لتحقيق مجتمع عادل وديمقراطى يعطى فرصا متكافئة لمواطنيه، يحترم معتقد كل إنسان دون إحساس بالتفرقة أو التمييز، ويكون فيه الدستور مرجعية وملاذ أى مواطن، وقانوناً يردع كل من يحاول اللعب بمشاعر الناس ويخلط أهدافه السياسية بالدين، ومع مناخ إعلامى ومناهج تعليمية تعيد إلينا ثقافة الوطنية المصرية، نستطيع القول بإننا نسير بخطى ثابتة نحو الدولة المدنية الحديثة هذه هى مهامنا العاجلة والملحة والتى بغيرها ودون البدء فيها فوراً، سنجد من يحاول استغلال هذا المناخ لضرب وحدتنا ووجودنا، وفى النهاية ونحن نواجه هذه المؤامرة ونلملم جراحنا يجب أن نرفع شعارنا الجديد الذى أصبح فى ضمير كل مصرى وهو أننا شعب واحد نعيش فى وطن واحد وعلينا أن نبدأ والآن وفورا حتى لا يكون ذلك هو النداء الأخير للوطن.