رغم ارتفاع وتيرة العنف وتغير سلوكيات المجتمع المصرى فإن الدكتورة نجوى خليل مدير مركز البحوث الاجتماعية والجنائية لها رأى مختلف فى قراءة هذه السلوكيات خلال عام 2011، فقد أبدت تفاؤلاً شديداً بالمستقبل، معتبرة أن ما يحدث الآن من تغيرات هو نقطة تحول يعود بعدها المجتمع المصرى إلى عاداته وتقاليده الطيبة التى عرف بها منذ بدايات التاريخ، وتؤكد أن هناك نقاطاً فاصلة فى تاريخ مجتمعنا مثل ثورة 52 التى محت ما عانى منه الشعب المصرى من الاحتلال وسيطرة قلة من أصحاب النفوذ ورؤوس الأموال على مقدرات الشعب، وكانت النقطة الفاصلة الأخرى هى حرب أكتوبر 73 التى أعادت لكل مواطن ثقته بنفسه وأنه آمن أن خلفه جيش كبير وقيادة واعية، حتى جاءت مرحلة الانفتاح التى اعتبرها نقطة فاصلة أيضاً لأنها فتحت الطريق نحو كل ماهو جديد، الأمر الذى تسبب فى ظهور نماذج اقتصادية سيئة لم تكن مسئولة وكان نموها الاقتصادى فردى على حساب المجتمع، ولكن الآن نحن نمر بنقطة فاصلة جديدة نتخلص فيها من تلك النماذج غير المسئولة، ونعود من جديد إلى حقيقتنا الجميلة. وأضافت الدكتورة نجوى قائلة: نجاحاتنا التاريخية مستمرة دوماً بداية من بناء الأهرامات وحتى حفر قناة السويس ومئات المشروعات الحديثة مثل الكبارى والطرق ومترو الأنفاق والمدن الجديدة، ولذلك عدنا إلى النداء بالدعوة إلى العمل الجماعى واندماج الكيانات الصغيرة فى كيانات كبيرة قادرة على مواجهة التحديات. وألمحت د. نجوى أن ما حدث هو نتيجة طبيعية للثورة التكنولوجية التى أصبحت تربط الجميع عن بُعد، فأصبح التليفون ثم الإنترنت بديلاً عن اللقاءات التى كانت تجمع أفراد العائلة، وأصبح الدش ومن قبله الفيديو بديلاً لاجتماعات الأسرة، وبذلك فقد حدث نوع من الانعزالية والفردية وأصبح كل عضو فى الأسرة والعائلة يفكر منفرداً ويتصرف منفرداً وبذلك زادت نعرة الأنا، وتسبب ذلك فى جنوح بعض أفراد المجتمع الذين لم يجدوا من يوجههم، أو على أقل تقدير فقد ضعفت العلاقات الأسرية وحل محلها صداقات وعلاقات سطحية واهية، وزادت أيضاً ظاهرة التدين الشكلى بدلاً من التدين الحقيقى، فلم يعد مستغرباً أن تجد موظفاً يحصل على رشوة ثم يقوم ليتوضأ ويصلى وكأن ذلك طبيعى. وأشارت الدكتورة نجوى أن التباعد بين أفراد الأسرة تسبب فى ظهور العنف الأسرى المتمثل فى الضرب والقتل وغيرهما من المظاهرة السلبية، كما ظهرت أيضاً جرائم مستحدثة لم تكن معروفة فى مجتمعنا من قبل وهى جرائم مرتبطة بالثورة التكنولوجية، مثل التشهير والتهديد والقرصنة التى قد تصل إلى حد إفشاء أسرار الدول وظهرت أيضاً جرائم الاتجار فى البشر التى تتمثل فى سرقة الأعضاء وإدارة شبكات الدعارة وهذا النوع الأخير ليس موجوداً فى مصر وهو نوع يعتمد على خطف الفتيات أو الأطفال وإجبارهم على ممارسة الرذيلة دون موافقتهم ودون حصولهم على مقابل بل يحصل على المقابل أفراد العصابة. ورفضت د. نجوى ربط الجرائم بالفقر والحالة الاقتصادية، مؤكدة أن تراجع أرقام الجريمة بشكل ملحوظ، يظهر فى الأزمات والمحن، كما أن الملاحظ لأشهر جرائم القتل خلال الأعوام السابقة سيرى أن تلك الجرائم ارتكبها أشخاص يتمتعون بمستوى تعليمى عال ومستوى اقتصادى مرتفع، كالمذيع الذى قتل زوجته، والمهندس الذى قتل أسرته، والكثير من النماذج المشابهة، وبالتأكيد هى حالات ليست مرتبطة بالفقر. وقالت: إن ما يؤكد رأيى أيضاً هو تمسك الريف بعاداته وتقاليده التى لم تتغير إلى حد كبير، فنجد أفراد المجتمع الريفى مترابطين ومتكاتفين فى الشدائد والأفراح، ولديهم عادات وتقاليد موروثة لا تتغير، بعكس المجتمع فى المدن الذى أصبح الافتعال مسيطراً عليه فى كل المناسبات، والبذخ والإنفاق بلا سبب هو سمته. وعن المرأة قالت د. نجوى هى نصف المجتمع فهى الأم والزوجة والشقيقة والابنة، وهى التى تقوم بمسئولية الرعاية والتنشئة ولذلك فدورها أساسى يقوم عليه بناء المجتمع. وعن رأيها فى البرلمان قالت: سيكون متميزاً، وستظهر فيه المرأة بدور رائد لأنها ستصبح شريكة فاعلة فى سن القوانين والتشريعات وحل المشكلات التى يعانيها المجتمع. وفى النهاية أكدت د. نجوى أن روشتة إصلاح المجتمع تتمثل فى العقلانية والوسطية والنهوض بالعمل لأنها أساس إصلاحه، فنحن كما ذكرت من قبل فى مرحلة عبور من مرحلة إلى أخرى ولذلك فعلينا العودة إلى قيمنا الأصيلة من صدق وخير وتكاتف وإتقان فى العمل ونأخذ من المستحدثات ما يفيدنا، ويجب أن نعلم أن طريق مواجهة المشاكل صعب لكنه ليس مستحيلاً بالتعاون بيننا جميعاً لتأصيل قيم الخير، ويكفينا فخراً أننا أمة صنعت مجدها وتاريخها بيدها، فهناك دول شقيقة حققت فى السنوات الأخيرة نهضة اقتصادية ومجتمعية كبيرة، لكنها لم تحقق ذلك بأيدى أبنائها بل بأيدى الآخرين وهو أمر غير مقبول لدينا لأننا تعودنا أن يكون نجاحنا بأيدينا، ولذلك فإن مؤتمر المركز السنوى لعام 2011 والذى يعقد فى مايو من كل عام سيكون بعنوان «نجاحات الاستثمار الاجتماعى»، حيث سيناقش كيفية وأسباب ومقومات النهوض بالمجتمع والعودة إلى قيمه الأصيلة.