يتندر الأمريكان بمقولة أن من لم يرض «بسارة بالين» نائبا للرئيس فى الانتخابات الماضية فستجبره الظروف على الترحيب بها رئيسا للولايات المتحدة. فاستطلاعات الرأى تمنحها تأييد أكثر من نصف ناخبى الدولة العظمى زعيمة العالم الحر.. لكن كيف ستكون صورة هذا العالم عندما تقود وتوجه سياسة أمريكا الداخلية والخارجية سيدة تجهل موقع دولة إيران والعراق على خريطة العالم.. بل تعجز عن تمييز الفروق بين أفغانستان وباكستان والأكثر من ذلك أنها لا تعرف من هى مارجريت تاتشر ويهمس الخبثاء فى حقها بأنها تلجأ للأسلحة الأنثوية لتحقيق طموحاتها وأحلامها. إنها حقا أمريكا بلد العجائب التى صنعت من تلك السيدة ظاهرة تطرح بقوة للتنافس على المنصب الرئاسى فى عام 2012. وللدقة والأمانة فهى لم تحسم رأيها النهائى بشأن المنافسة على المنصب الرئاسى لكن عمليا بدأت السباق إليه وبطريقة مميزة ومبتكرة. فمن خلال برنامج ينتمى لتلفزيون الواقع عنوانه «سارة بالين- ألاسكا» دخل الأمريكان للاطلاع على تفاصيل حياتها اليومية حيث تصور كاميراته نشاطها على مدار ساعات اليوم تعرض فيه شجاعتها وقوتها فى تسلق قمم جبال ألاسكا. وتجوالها كالنحلة تتابع أحوال الصيادين فى الموانئ وتتفقد أحوال الحيوانات البرية. وتعرض حياتها العائلية وإعدادها الوجبات الغذائية لأبنائها الخمسة وحفيدها بنفسها ولحظات الحب والدفء التى تجمعها بزوجها تود. بالين ذات السادسة والأربعين عاما والتى ترشحت منذ عامين إلى جانب جون ماكين فى السباق إلى البيت الأبيض حصلت على مليون دولار من شركة إنتاج البرنامج عن كل حلقة.. وستضاف تلك الملايين إلى الخمسة عشر مليونا التى تدفقت لحسابها البنكى من عوائد مبيعات مؤلفيها اللذين طرحتهما فى الأسواق منذ اقتحامها ملعب صراع الكبار على قمة النفوذ فى أمريكا. وظهرت فى الحلقة الأولى سيدة خالية من العيوب يقال إنه إذا طرحت ترشيحها أمام الناخب الرافض لباراك أوباما فإن الأمل كبير فى أن تصبح أول امرأة تشغل المنصب الرئاسى فى أمريكا. وبذلك ستكون أول رئيسة لأمريكا تتلعثم فى التمييز بين أفغانستان وباكستان ولا تعرف أين تقع إيران أو العراق على خريطة العالم. والدليل على شدة جهلها بالشئون السياسية ظهر أمام المشاهدين الأمريكان عندما كانت ضيفة على المحاورة اللامعة «كيتىكوركيت» فى شبكة «سى. بى. اس» فعندما طلبت منها أن تذكر الصحف التى تطالعها يوميا كمتابعة الشئون السياسية فشلت فى ذكر اسم صحيفة واحدة. وقالت فى إحدى المواجهات التليفزيونية وبجدية شديدة وثقة زائفة فى نفسها أنها خبيرة فى العلاقات الدولية لأنها تستطيع أن ترى روسيا من نافذة منزلها فى ألاسكا. وفى الحزب الجمهورى الذى تنتمى إليه بالين من يتوقع ألا تجتاز الانتخابات الداخلية لأنها غير مؤهلة للترشح للمنصب الرئاسى. لكن ذلك رأيهم. فعلى الجانب الآخر أظهر استطلاع للرأى أجرى نهاية الشهر الماضى فى ولاية «إيوا» التى تجرى بها الانتخابات الداخلية لاختيار مرشح الرئاسة وضعا مغايرا. فقد طرح على المشاركين اختيار مرشح من ثلاثة مرشحين جمهوريين. وهم ميت روحانى الحاكم السابق لولاية ماسا شيوستس ورجل أعمال ومايك هاكبى الذى نافس ماكين الجولة الماضية وخسر أمامه وسارة بالين. وأظهرت النتائج الفرق الشاسع بين «بالين» والمرشحين الآخرين. ولذلك الاستطلاع مغزى كبير. فالفائز فى ولاية إيوا بصفة عامة يكون أيضا الفائز فى نهاية سباق الانتخابات الداخلية. وتحظى بالين بتأييد حركة «حفلات الشاى» التى اكتسبت زخما وتأييدا فى الشارع الأمريكى. والتى نصبت بالين زعيما لها بلا منازع. فهى تتفق مع أعضاء تلك الحركة اليمينية المتشددة فى معارضة الإجهاض وتأييد تنفيذ عقوبة الإعدام وتطالب بالموافقة لكل مواطن على حمل السلاح. والأكثر من ذلك تعارض الرئيس أوباما بل وتتعمد السخرية منه فى لقاءاتها مع مؤيديها وتظهره رئيسا ضعيفا بلا وطنية وخائن للقيم الأمريكية. ويبدو أن بالين تتمتع بذكاء حاد وبمستشارين يرسمون لها تحركاتها بدقة. فهى تتواجد فى كل مكان. وتقوم بحملات جمع التبرعات للمرشحين فى الحزب. وتلقى محاضرات عن جودة الحياة والأمومة. والمقربون منها يقولون إنها تعتقد أنها خُلقت لإنجاز عظائم الأمور. وقد فرض مستشاروها حظرا شاملا على اقتراب وسائل الإعلام منها. فهى لا تظهر إلا أمام الكاميرات فى شبكة «فوكس نيوز» التى تعاقدت معها مقابل مليون دولار سنويا. أما إن كان لديها ما تريد أن تعلنه فتقوم بذلك من خلال «تويتر» أو «الفيس بوك» لذلك فهى أول شخصية سياسية أمريكية تلهث وسائل الإعلام الأمريكية الكبيرة وراءها من خلال مواقع التواصل الاجتماعى. وتقوم بنفسها بكتابة ما ينشر عليه. لكن يؤخذ عليها أن كتاباتها مليئة بالأخطاء الإملائية. وأحيانا ما تستخدم كلمات لا وجود لها فى قاموس الكلمات الإنجليزى. وعندما لفتوا نظرها لذلك أجابتهم بغرور بأنها مثل الأديب العالمى شكسبير الذى اخترع كلمات جديدة فى اللغة. المناوئون لها يطرحون أسئلة خبيثة من نوعية البحث عن الدافع الحقيقى لدى ماكين لاختيارها نائبا له. فحتى المقربين من العمل معه فى الحملة الانتخابية لن يعرفوا إن كان ذلك أحد نوادره أم أنه لم يعاجل ميوله بالرغبة فى إحاطة نفسه بالنساء الحسناوات. ومؤخرا سألوا الرئيس السابق جورج بوش الابن إن كانت بالين تصلح مرشحة الحزب الجمهورى للرئاسة. فى البداية حاول التهرب من الرد المباشر لكنه أعطى انطباعا برأيه فيها عندما قال: «إن ماكين ارتكب خطأ عندما تنافس على المنصب مع نائب امرأة. وكان قرارا غير صائب جعلنى اتشكك فيما بعد فى قراراته واختياراته. ورغم رأى الرئيس السابق فيها فلديها مؤيدون أعضاء فى «مدونة» «محافظين من أجل بالين» كل ما هو مسجل فيه يصورها فى هيئة المنقذ الذى سيعيد لأمريكا احترامها وكبرياءها. صحف النميمة الصفراء ادعت أن زوجها «تود بالين» ذات يوم أخبر صديقا له أنهما فى حالة فراق جسدى منذ سنوات. ثم علم فيما بعد أنها حامل فى أصغر أطفالها. بالين عندما تنافست مع ماكين فى الانتخابات الماضية أظهرت جهلا شديدا بالسياسة الخارجية الأمريكية والشئون العسكرية. فرجال الحملة الانتخابية اكتشفوا عدم معرفتها بمهام الجيش الأمريكى فى العراق وأفغانستان وسخروا لها عدة خبراء ليعلموها ويدربوها على المواجهات التليفزيونية وأحضروا لها الكثير من الكتب للاطلاع عليها لكنهم صدموا من أنها كانت تفضل اللعب بثلاثة أجهزة بلاك بيرى على القراءة. إذن فنحن أمام ظاهرة أمريكية يحتشد نصف الناخبين مؤدين لها وذلك وفق استطلاع رأى يطرح احتمال أن تصبح سارة بالين رئيسا للدولة العظمى رغم كل ما نشر من مثالب عنها. ومن جانبها فهى واثقة من قدرتها ومؤهلاتها لتحقيق النصر بالمنصب الرئاسى حيث قالت أمام حشد جماهيرى الأسبوع الماضى فى ولاية تكساس إن العالم ينتظر نورا جديدا ومن المؤكد أنه سيسطع من ألاسكا قد يكون لننتظر.. ونتابع.. ثم سنرى.