الانتخابات الرئاسية الامريكية التي تجري الثلاثاء المقبل ستكون تاريخية بكل المقاييس مهما كانت نتيجتها. فللمرة الاولي، قد يصل رجل اسود او نائبة للرئيس الي البيت الابيض. ففي بلد لم يتمتع السود بحقوقهم المدنية الا منذ نصف قرن، يملك المرشح الديموقراطي باراك اوباما، المولود من اب كيني اسود وام بيضاء من مواليد كنساس، حظوظا كبيرة جدا ليكون الرئيس المقبل. وحين ولد اوباما في اغسطس 1961، كانت الزيجات من عرقين مختلفين محظورة في غالبية ولايات الجنوب ولم تصبح قانونية الا بقرار من المحكمة العليا عام 1967 . اما الجمهورية ساره بالين، وهي ام لخمسة اولاد وتحكم ولاية الاسكا منذ 2006، فقد تكون اول امرأة تصبح نائبة للرئيس في الولاياتالمتحدة. ويعلق بروس بوشانن المؤرخ في جامعة تكساس في اوستن "انها حقا انتخابات تاريخية بمقياس يكاد يكون ملحميا". ويقول لاري ساباتو استاذ العلوم السياسية في جامعة فرجينيا "امامنا اول افريقي امريكي يترشح للرئاسة (عن حزب كبير). وامامنا اول امرأة جمهورية تترشح لمنصب نائب الرئيس. وكان يمكن ان تترشح امرأة هي هيلاري كلينتون للرئاسة". ويضيف "في هذه الانتخابات، تطوي امريكا صفحة. سيكون من غير المرجح في المستقبل ان يتنافس اربعة رجال بيض علي منصبي الرئيس ونائب الرئيس من الحزبين الكبيرين". ويتابع "اصبحنا مجتمعا اكثر تنوعا، وهذه الانتخابات هي مؤشر علي هذا التنوع". وبحسب مكتب الاحصاءات الفدرالي، فان السود والامريكيين من اصل امريكي لا تيني او اسيوي او هندي بات عددهم مائة مليون شخص، اي ثلث التعداد العام للسكان. ومنذ وصول جورج واشنطن اول رئيس للولايات المتحدة العام 1789، انحصر اكبر منصبين في الدولة برجال من عرق ابيض. وحصلت النساء علي حق التصويت عام 1920 واذا كان الدستور الامريكي عدل العام 1870 للسماح للسود بالاقتراع، فانهم لم يتمكنوا من التوجه الي الصناديق الا في اواسط الستينات بعد نضال طويل من اجل تحصيل حقوقهم المدنية. ويذكر جوليان بوند رئيس منظمة "ان ايه ايه سي بي"، اكبر منظمات الدفاع عن الحقوق المدنية، بان عام 2004 شهد حالات ترهيب في حق ناخبين سود لمنعهم من التصويت في الانتخابات الرئاسية. لكن من المسلم به ان عدد النساء وافراد الأقليات اللاتنية الذين ترشحوا لمناصب منتخبة في الولاياتالمتحدة ازداد في شكل ملحوظ خلال الاعوام الاخيرة. وتؤكد الجمعيات انه ينبغي تحقيق مزيد من التقدم. فمن بين حكام الولايات، ثمة فقط حاكمان اسودان وثماني نساء. وتم انتخاب 78 امرأة اعضاء في مجلس النواب العام 2006 في مقابل 15 امرأة اعضاء في مجلس الشيوخ. ويضم مجلس النواب 42 نائبا اسود في مقابل سناتور اسود واحد هو باراك اوباما. وعين الرئيسان الامريكيان الاخيران، بيل كلينتون وجورج بوش، نساء ورجالا سودا في مناصب عليا في الادارة. فمادلين اولبرايت اصبحت العام 1997 اول وزيرة للخارجية. وكان خلفها كولن باول اول اسود يتولي هذا المنصب، وقد خلفته امرأة سوداء العام 2005 هي وزيرة الخارجية الحالية كوندوليزا رايس. كذلك، تترأس الديموقراطية نانسي بيلوسي مجلس النواب منذ 2007 وقبل ساره بالين، ادرج اسم الديموقراطية جيرالدين فيرارو عام 1984 علي قائمة مرشحي حزبها لتولي منصب نائب الرئيس. من ناحية أخري سيرث خليفة الرئيس الامريكي جورج بوش في 20 يناير المقبل عالما مليئا بالمشاكل واهمها الحربان في العراق وافغانستان وتحد ايراني للمجتمع الدولي واقتصاد عالمي يعاني من ازمة مالية خطرة. ودلت دراسات نشرت اخيرا الي ان الرئيس الجديد سيتسلم مقاليد الحكم في قوة عظمي عرجاء تواجه تشكيكا كبيرا في دول العالم حول حدود قوتها، كما سيرث بلدا ضعفت مكانته حتي بين اقرب حلفائه. وقالت مجموعة عمل في جامعة جورج تاون في وقت سابق من هذا العام ان "القيادة الاخلاقية للامريكيين وقدرتها علي صنع القرارات ستبقي موضع شك في البلاد وخارجها رغم ان قيادة جديدة ستدخل البيت الابيض". وقد اعربماكين واوباما عن استيائهما من سياسات الرئيس بوش التي لا تلقي قبولا بين الشعب الامريكي، ووعدا باعتماد نهج جديد. وقالت المجموعة في دراسة لمكانة الولاياتالمتحدة في العالم وتحديات السياسة الخارجية التي ستواجه الرئيس المقبل "ان استعادة البلاد لاحترامها لن يكون ممكنا الا اذا اظهرت الادارة المقبلة قدرات جديدة". ويخلف بوش وراءه كما هائلا من المسائل غير المنجزة. واذا لم تحصل اختراقات كبيرة فستقع علي عاتق خلفه مهمة انهاء التواجد الامريكي في العراق وافغانستان وانهاء البرامج النووية في ايران وكوريا الشمالية والتوصل الي اتفاق سلام دائم في الشرق الاوسط. ومن المؤكد ان الرئيس المقبل سيرث اقتصادا متعثرا، اذ توقع البيت الابيض هذا الاسبوع ارتفاعا حادا في معدلات البطالة في البلاد فيما حذرت توقعات القطاع الخاص بان يصل العجز في ميزانية 2009 مبلغ ترليون دولار. ويستضيف بوش قمة عالمية لمناقشة الازمة المالية في 15نوفمبر المقبل في واشنطن، ستركز علي وضع مبادئ لتعديل شامل للانظمة، ولكنه سيترك هذه المهمة والازمة التي قد تكون اسوأ ازمة مالية يشهدها العالم الي خلفه. ومن المرجح ان يواجه الرئيس الجديد قرارات صعبة بشأن العراق. واظهرت استطلاعات للرأي في الولاياتالمتحدة ظهور بوادر تفاؤل جديدة وسط انخفاض حدة العنف في العراق، الا ان معظم الامريكيين لا يزالون راغبين في سحب القوات الامريكية من ذلك البلد بالسرعة الممكنة. ولم يتضح ما اذا كان المفاوضون الامريكيون والعراقيون سيقرون اتفاقا حول حقوق وواجبات القوات الامريكية في العراق قبل انتهاء مدة التفويض الدولي لتواجد تلك القوات في البلد المضطرب في ديسمبر المقبل. وبعد سبع سنوات من الاطاحة بنظام طالبان المتشدد من الحكم في افغانستان، كان عام 2008 اكثر الاعوام دموية في القتال في ذلك البلد، فيما تعهد بوش وحلفاؤه الرئيسيون بزيادة عديد القوات فيه.