كيف يمكن ان تنتهي المواجهة بين إدارة باراك أوباما وحكومة بنيامين نتانياهو؟ لا بدّ في البداية من التأكيد انها مواجهة وليست حربا بعدما اعلن غير مسئول أمريكي، بما في ذلك الرئيس أوباما نفسه، ان العلاقة مع إسرائيل علاقة استراتيجية وان أمريكا ستظل أفضل حليف لها. ولكن، خلف الكلام الجميل المطمئن، تبقي هناك مشكلة أساسية تواجه الإدارة الأمريكية تسبب بها بيبي نتانياهو. تتلخص هذه المشكلة بأن أوباما، يدرك ان تراجعه أمام بيبي سيجعل منه رئيسا ضعيفا لا أمل له في ولاية ثانية. هناك منذ الآن محللون إسرائيليون يقولون في مقالات تنشر في مجلات مختصة ان حلفاء اليمين الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة نفسها ينصحون بيبي بالتعاطي مع أوباما من موقع قوة نظرا الي حال التخبط التي تعاني منها الإدارة من جهة والي ان الرئيس الأمريكي لا يعرف ماذا يريد وان ساعة الحساب دنت من جهة أخري. لم تبق سوي ثمانية اشهر علي موعد الانتخابات التي يجدد فيها الناخبون الأمريكيون قسما من اعضاء الكونجرس. تشير كل استطلاعات الرأي، اقلّه الي الآن، الي ان الحزب الديموقراطي سيتعرض لنكسة قوية في هذه الانتخابات وان مسئولية الهزيمة سيتحملها رئيس عاجز علي الصعيدين الداخلي والخارجي. في الداخل، يصارع أوباما لتمرير مشروعه في شأن الضمان الصحي بسبب كلفته الكبيرة. وفي الخارج، لم يستطع اتخاذ مواقف حاسمة في شأن اي قضية كان. علي سبيل المثال، لا يزال الجيش الأمريكي غارقا فوق اذنيه في أفغانستان وليس ما يشير، علي الرغم من الانتخابات الأخيرة، ان الانسحاب من العراق سيعني ان البلد صار ينعم بالسلم وان النظام فيه سيكون ديموقراطيا تسيره مؤسسات ثابتة. الأهم من ذلك، ان إدارة أوباما لم تحسن التعاطي مع إيران وبرنامجها النووي وان التردد هو سيد المواقف الأمريكية من طهران بدليل الخطاب الأخير للرئيس الأمريكي في مناسبة رأس السنة الجديدة في إيران حسب التقويم الفارسي. في هذا الخطاب، كرر أوباما عرضا قدمه في المناسبة نفسها من العام الماضي. لم يلق ذلك الخطاب اي تجاوب إيراني وليس ما يشير الي ان خطاب السنة سيكون له تأثير ما. لا تتحمل إدارة أوباما التراجع أمام حكومة نتانياهو وذلك لأسباب لا تتعلق فقط بالضغوط التي تمارسها عليها المؤسسة العسكرية. باتت المؤسسة العسكرية الأمريكية، التي خرجت عن صمتها، تعتبر ان السياسة الإسرائيلية الرافضة لتسوية مع الجانب الفلسطيني تعرض الجنود الأمريكيين المنتشرين في الشرق الأوسط للخطر. ولكن، هناك ايضا انطباع عام في واشنطن والعواصم العالمية وعواصم دول المنطقة بأن اي سقوط لأوباما أمام بيبي سيعني نهاية عهد الرئيس الأمريكي بعد أقلّ من سنة ونصف السنة علي بدايته. لن يكون أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي سوي الاستجابة لمطالب الإدارة الأمريكية ولو ظاهرا. هذه المطالب طرحتها عليه بشكل مباشر وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في اتصال هاتفي استغرق ثلاثًا واربعين دقيقة تلا "الاهانة" التي تلقاها نائب الرئيس جو بايدن خلال زيارته الأخيرة لاسرائيل. في مقدمة المطالب الأمريكية وقف الاستيطان كي يتمكن الفلسطينيون من العودة الي المفاوضات لو بشكل غير مباشر. هناك في الوقت الحاضر مجموعة من العوامل تحتم علي الحكومة الإسرائيلية التعاطي بجدية مع إدارة أوباما. المسألة مسألة حياة او موت بالنسبة الي الرئيس الأمريكي، نظرا الي ان المكان الوحيد الذي تستطيع فيه الإدارة تحقيق اختراق ما هو النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي. اذا لم يحصل ذلك، سيكون علي باراك أوباما ان يعلن منذ الآن استسلامه. اكثر من ذلك، سيترتب عليه الرضوخ للأجندة الإيرانية لنتانياهو. وهذا سيعني في طبيعة الحال الانجرار الي مغامرات عسكرية تفرضها إسرائيل علي الولاياتالمتحدة التي لا تزال، الي اشعار آخر، القوة العظمي الوحيدة في العالم. من القوة العظمي الحقيقية أمريكا ام إسرائيل؟ لا شك ان الأسابيع المقبلة ستكشف ما اذا كانت صفحة عهد أوباما طويت ام ان علي إسرائيل التراجع؟ في عهد بوش الأب في العامين 1990 و1991 تحديدا، اظهرت الإدارة الأمريكية انها قادرة علي التحكم بالسياسة الإسرائيلية. منعت واشنطن الدولة العبرية من اي تدخل من اي نوع كان في حرب تحرير الكويت ومنعتها حتي من الرد علي الصواريخ العراقية التي اطلقت في اتجاه إسرائيل. تبين ان واشنطن قادرة علي فرض ارادتها متي توفرت القيادة السياسية التي تعرف ماذا تريد. كانت إدارة بوش الأب تريد اخذ كل دول المنطقة الي مؤتمر مدريد الذي انعقد في اواخر اكتوبر من العام 1991. جرّ بوش الأب ووزير الخارجية جيمس بايكر حكومة اسحق شامير، رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك، الي مؤتمر مدريد جرّا. صحيح ان بوش الأب لم يستطع تمديد ولايته، لكن الصحيح ايضا ان شامير سقط في الانتخابات الإسرائيلية وخلفه اسحق رابين. هناك في الوقت الحاضر فرصة لإحداث تغيير في إسرائيل. في الامكان، اذا استمرت الضغوط الأمريكية، بطريقة ذكية طبعا، اسقاط حكومة نتانياهو وتشكيل حكومة جديدة تضم الليكود الذي لديه سبعة وعشرون نائبا وكاديما (28 نائبا) وحزب العمل (13 نائبا). مثل هذه الحكومة القوية التي لن تكون تحت رحمة الأحزاب المتطرفة، بل ستكون قادرة علي التوصل الي تسوية معروفة الأسس. المهم ان تكون هناك ارادة أمريكية وان يدرك أوباما اخيرا انه علي رأس قوة عظمي لا تخشي حكومة إسرائيلية متطرفة ولا اللوبي الإسرائيلي في واشنطن!