أكثر من ثلاثين عاما على نصر أكتوبر وما زلنا ننتظر أدبا يواكب هذا النصر، أدبا متميزا بقدر تميز الحدث غير المسبوق فى المنطقة العربية التى تعودت على أن تكون غنيمة حرب للدول الكبرى التى اقتسمت الدول العربية فيما بينها فى زمن المد الاستعمارى. فعلى الرغم من الروايات والأعمال الأدبية والفنية التي خاطبت هذا النصر، فلم تتعد كونها مغازلة لطيفة، لم تفلح فى الإيغال فى تناول عبقرية الحدث ولا رمزيته التي جعلت أهون المواد «الماء» سلاحا جبارا يدمر أعتى الحصون «خط بارليف» . ولذلك ومهما بلغ كم المكتوب عن الحرب حتى الآن ، فلن يبلغ عظمة ما كتبه الأسبان والأمريكان والفرنسيون عن ثوراتهم وحروبهم الأهلية ، لأن هؤلاء استطاعوا أن يخلدوا تاريخهم ويورثوه إلى أجيال حديثة شبت تعرف أبطالها ورموزها الوطنية جيدا . بينما نحن نجد أن نصر أكتوبر لا يعرفه سوى من عايش الحرب، وهم فى تناقص يحتمه الزمن الذى لا يتوقف عن السير نحو النهاية، أو من تجاوز الأربعين من عمره ومازال يتذكر أناشيد النصر التى كان يدرسها في المرحلة الإبتدائية. ويبقى شبابنا لا يعرفون عن السادس من أكتوبر إلا أنه يوم إجازة رسمية ، يستريحون فيه من المدرسة وازعاج مدرسيهم. ومن المؤكد أن هؤلاء الشباب شبوا وهم يجهلون أطراف الحرب، لأنهم لو علموا أن دولهم العربية تكاتفت وقتها من أجل تحقيق هدف واحد حقيقى ، لما تشاجروا وتنازعوا من أجل مباراة كرة قدم وهدف مشكوك فى صحته، وفوز لا يتجاوز لاعبى فريق دون آخر، وتنتهى فرحته بانتهاء وقته. ويظل التقصير قائما على الرغم من أن هناك بطولات عديدة وقصصا أغرب من الخيال يتم الكشف عنها، وأخرى مازالت حبيسة الوثائق التي يتم تسريب البعض منها بالتدريج، وكل هذا يعتبر مادة دسمة للكتابة السياسية التى تستمد موضوعها من قصص حقيقية، والتى دوما ما تستقطب القراء، وخاصة الشباب الذين يبحثون عن نموذج البطل المحارب الذى يخوض المغامرة تلو الأخرى، و لا يقهره شىء. ويظهر هذا بوضوح فى تعلقهم برموز الثورة فى كل مكان، وعشقهم لمعرفة سيرهم المكتوبة والممثلة المتوافرة، لأن صانعيها أدركوا كيف يفكرون وما يستهويهم. ويقف الأدب العربى حتى اليوم عاجزا عن تقديم نموذج يلتف حوله الجميع مثلما فعلوا مع جيفارا على سبيل المثال، فما إن يقترح فريق اسما لبطل حتى يهاجمه فريق آخر ناعتا إياه بصفات لا تخرج عن تعلقه بالغرب أو بأفكاره الماركسية مثلا . ولكن نماذج أبطال نصر اكتوبر لن يختلف عليها أحد، فقد شهدت تعاونا عربيا مشرفا، وانصهرت فيها كل دواعي الفرقة من لون وعقيدة واتجاه وفكر. فلم تكن الرصاصة لتفرق بين مصرى وسورى، ولا رقيب دفاع جوى / سامح فرج، ضابط رادار الإنذار بالكتيبة 652، ولا العميد «فيليب نصيف زخارى» قائد اللواء 98 د/جو بقطاع (بورفؤاد – بورسعيد) هذا التشكيل القتالى الذى خاض أعنف معارك الدفاع الجوى فى حرب أكتوبر، حيث كان مكلفا باغلاق وتأمين المدخل الشمالي والشمالي الشرقى والغرب للجبهة، وتعرض للهجوم مرات عديدة، وتم قصفه بكافة أنواع القنابل، وفى كل مرة يقوم التشكيل الباسل باستعادة قوته. وهكذا فإن ثلاثين عاما فترة كافية جدا لتختمر فكرة النصر، وعلى المثقفين – وهم ضمائر الشعوب- والأدباء والروائيين على وجه الخصوص البدء فى العمل، فقد آن وقت تقديم روايات، وذلك لما تتيحه الرواية من حرية فى السرد، واتساع الفضاء الذى يمكن الروائى من تحميلها بكل فيوضات الحكى والتداعى، ورسم شخصيات بصورة كاملة متيحا لها فرص التعبير عن نفسها. تلك الشخصيات ما هى إلا أبطال محلية الصنع، تتحرك فى أعمال يختلط فيها الواقع بالمتخيل، ويكون الناتج نماذج وطنية يتعلق بها الشباب، يرى فيها نصرا لم يعايشه، ويكره فيها هزيمة لم يعرف مرارتها. ولربما يجىء اليوم وينسى شبابنا «جيفارا، ورامبو، وفان دام ،وأرنولد شوازنجر» ويتعرف على أسماء مثل «المقاتل الدهشان» قاذف صواريخ الأسترايلا ، صائد طائرات الفانتوم والميراج والسكاى هوك. وصائد الدبابات البطل «محمد عبد العاطى» الذى دمر 23دبابة باتون، وسانتوريون وشرمان، و3 عربات مجنزرة، والذي قدمه الفريق أحمد اسماعيل، وزير الدفاع لينوب عنه في قص شريط افتتاح معرض الغنائم في ديسمبر 1973 ، وفي حضور كبار الشخصيات تقديرا لبطولاته، والذى توفى فى التاسع من ديسمبر 2001 بعد أن قام بدوره فى الحياة المدنية بكفاءة؛ تماما مثلما كان فى حياة الدفاع عن وطنه. ورقيب مجند « محمد رمضان عبده» الذي تمكن من اسقاط 7طائرات بواسطة صواريخ الأسترايلا المحمولة فوق الكتف، والعريف «ابراهيم السكري» بطل الصاعقة، و مساعد قوات جوية «حمدى عثمان» الذى قام بإزالة قنبلة تزن ألف رطل من على مهبط الطائرات بقاعدته الجوية، وقام بقطرها بسيارة نقل عسكرية، وأبعدها خارج المطار بكل فدائية وتنفجر القنبلة فور ابعاده لها، منقذا للمهبط و الطائرات المتواجدة ولزملائه. ومن المؤكد أن قصة كل بطل من هؤلاء الجنود تصلح لأن تكون رواية، وكل بطل منهم يصلح أن يحل محل جيفارا، وغيره. هؤلاء الأبطال مجرد أمثلة لمن قال عنهم الشاعر محمد يوسف: يا وطني/اضرب بجذورك عند الخط الأول/فجنودك عند الخط الأول/ىزرعوا الشمس على السترات/نقلوا تربتك إلى الرايات/ كى تنبت فى وقت الشدة/ أبطالا وسنابل/ ورياحا وقنابل.