نائب وزير النقل: كل طريق آمن إنجاز للوطن بأكمله    الحكومة توافق على إزالة صفة النفع العام عن قطعة أرض بمنطقة أثر النبي بالقاهرة    رئيس الوزراء: ما شاهدناه في معرض النقل الذكي يعكس حجم النهضة الكبيرة    البورصة المصرية تخسر 2.8 مليار جنيه بختام تعاملات الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    التغيرات المناخية أبرز التحديات التى تواجه القطاع الزراعى وتعيد رسم خريطة الزراعة.. ارتفاع الحرارة وتداخل الفصول يؤثر على الإنتاجية.. ومنسوب سطح البحر يهدد بملوحة الدلتا.. والمراكز البحثية خط الدفاع الأول    رئيس مياه القناة يتابع سير العمل بمحطات وشبكات صرف الأمطار    وزير الخارجية يؤكد مواصلة مصر جهود تحقيق الاستقرار في السودان    الرئيس السورى أحمد الشرع يوضح علاقته بهجمات 11 سبتمبر.. ماذا قال؟    الجيش السودانى يتقدم نحو دارفور والدعم السريع يحشد للهجوم على بابنوسة    بيراميدز يعلن موعد أول مباراتين في مجموعات دوري الأبطال    تطورات موقف آدم كايد من المشاركة في تدريبات الزمالك    حلمي طولان يستدعي ثلاثيًا جديدًا لمعسكر منتخب كأس العرب بدلاً من لاعبي بيراميدز    اجتماع تنسيقي بين الأهلي وسموحة لترتيبات سوبر اليد    أوباميكانو: هذا الثلاثي أسهم في نجاحي    النيابة العامة تأمر بإيداع قاصر أنجبت 3 أطفال وتركتهم في زراعات الشرقية بدار فتيات    «أمطار وشبورة».. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا الأربعاء وحتى نهاية الأسبوع (التفاصيل)    تاريخا جديدا بهتاف تحيا مصر فى أول مشاركة برلمانية بأكتوبر.. فيديو وصور    تأجيل محاكمة 8 متهمين بخلية داعش مدينة نصر لجلسة 11 يناير    ضبط المتهمين في مشاجرة أنصار المرشحين أمام لجنة انتخابية بالأقصر    بعد مشادة كلامية.. مقتل أم بعد إطلاق ابنها النار عليها بشبرا الخيمة    عزاء إسماعيل الليثي غدًا أمام ميدان الترولى بمسقط رأسه فى إمبابة    القومي لثقافة الطفل يطلق البوستر الرسمي لملتقى الأراجوز والعرائس السابع    إحباط من المقربين.. حظ برج الدلو غدًا 12 نوفمبر    إقبال كثيف على جميع لجان الاقتراع فى انتخابات النواب بالإسكندرية.. فيديو    شقيق محمد صبحي يكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان الكبير.. (خاص)    «سنة و50 يومًا» يحتاجها زائر المتحف المصري الكبير لمشاهدة كل القطع الأثرية المعروضة (تحليل بيانات)    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    إدارة التعليم بمكة المكرمة تطلق مسابقة القرآن الكريم لعام 1447ه    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    الرئيس السيسي يكلف وزير الصحة بمتابعة الحالة الصحية للفنان محمد صبحي    وفد من جامعة الدول العربية يتفقد لجان انتخابات مجلس النواب بالإسكندرية    جائزة أفضل فيلم روائي طويل لفيلم ملكة القطن بمهرجان سالونيك السينمائي    رحلات تعليمية وسياحية لطلاب المدارس بالشرقية    «أنا مش العقلية دي».. ياسر إبراهيم يرفض الاعتراض على قرار حسام حسن    «رحل الجسد وبقي الأثر».. 21 عامًا على رحيل ياسر عرفات (بروفايل)    «العمل» تستجيب لاستغاثة فتاة من ذوي همم وتوفر لها وظيفة    إصابة 16 في حادث إنقلاب ميكروباص بطريق أسيوط الغربي بالفيوم    طن عز الآن.. سعر الحديد اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 أرض المصنع والسوق    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    "البوابة نيوز" تهنئ الزميل محمد نبيل بمناسبة زفاف شقيقه.. صور    غزة على رأس طاولة قمة الاتحاد الأوروبى وسيلاك.. دعوات لسلام شامل فى القطاع وتأكيد ضرورة تسهيل المساعدات الإنسانية.. إدانة جماعية للتصعيد العسكرى الإسرائيلى فى الضفة الغربية.. والأرجنتين تثير الانقسام    هيئة محامي دارفور تتهم الدعم السريع بارتكاب مذابح في مدينة الفاشر    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    غرفة عمليات حزب الوعي تتابع سير العملية الانتخابية    تأكيد مقتل 18 شخصا في الفلبين جراء الإعصار فونج - وونج    تحديد ملعب مباراة الجيش الملكي والأهلي في دوري أبطال أفريقيا    حسام البدري يفوز بجائزة افضل مدرب في ليبيا بعد نجاحاته الكبيرة مع أهلي طرابلس    وزير الصحة يبحث مع نظيره الهندي تبادل الخبرات في صناعة الأدوية وتوسيع الاستثمارات الطبية المصرية - الهندية    بسبب أحد المرشحين.. إيقاف لجنة فرعية في أبو النمرس لدقائق لتنظيم الناخبين    معلومات الوزراء: تحقيق هدف صافى الانبعاثات الصفرية يتطلب استثمارًا سنويًا 3.5 تريليون دولار    الصحة: الخط الساخن 105 يستقبل 5064 مكالمة خلال أكتوبر 2025 بنسبة استجابة 100%    جمارك مطار القاهرة تضبط محاولة تهريب كمية من مخدر الحشيش    هدوء نسبي في الساعات الأولى من اليوم الثاني لانتخابات مجلس النواب 2025    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سدود أمام شلال الحب
نشر في أكتوبر يوم 17 - 10 - 2010

كان «ثروت» رجل أعمال ناجح إلى أقصى درجة، وكان أحد أسباب نجاحه هو شخصيته الجذابة، وما يتمتع به من لباقة شديدة، وحديث شائق، وسرعة بديهة، مع روح فكاهة، وذكاء اجتماعى خارق. وفى أى مجلس أو حفل، كانت المنضدة التى يجلس عليها بمثابة المغناطيس الذى يجذب إليه رجالا وسيدات يتنافسون على الاستمتاع بمجلسه. وفى عمله، كان يقرب إليه من يعملون معه، ويتباسط معهم فى الحديث ويجاملهم فى كل المناسبات، مما جعلهم يعشقونه، ويتقنون عملهم حبا واحتراما له. أما فى بيته، ومع أسرته، فقد كان الأمر يختلف تماما بمجرد دخوله لمنزله، يتحول إلى شخص آخر، قليل الكلام، عزوف عن الاستماع لزوجته أو لأبنائه. وما كان «ثروت» ليسمح لنفسه قط بأن يظهر لهم مشاعره، سعيدة أم حزينة. فيوم أن أصيب ولده بمضاعفات الحصبة، خرج من البيت متظاهرا بأنه لا يمكنه أن يترك شغله، بينما أغلق مكتبه على نفسه وظل يبكى لساعات. وحينما نجت زوجته بأعجوبة من حادث سيارة، ما فعل إلا أن قال لها: «حمدالله على السلامة»، بينما وقفت هى مذهولة لأنه أسرع الخطى إلى حجرة مكتبه دون حتى أن يستفسر عن التفاصيل. ودون أن تدرى زوجته بشىء، منح «ثروت» مرتب شهر إضافى لجميع العاملين بشركاته، ليحتفل مع نفسه بنجاة زوجته، ودون أن يخبر أى مخلوق.
كانت زوجته توقن بأنه يحبها، ولكنها تفشل مرة تلو الأخرى فى حثه بكل الطرق على أن يعبر عن حبه بكلمات لطيفة، أو لمسات حانية، أو حديث من القلب يفضى لها فيه بمكنون نفسه. كانت تشعر دائما - حتى فيما يفترض أن يكون أكثر اللحظات حميمية - بوجود سد لا تعرف كنهه، يوقف التواصل الحقيقى بينهما، وتصاب المشاعر بالفتور.
حدث أن واجهت «ثروت» محنة خطيرة فى عمله بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، أدركت زوجته بحبها وذكائها أنه قلق ومتوتر، لكنه أبدا ما تفوه لها بكلمة شكوى واحدة، وهى تشعر به مستيقظا فى فراشه طوال الليل. وإذا ما أبدت إليه أى إشارة تعاطف أو مواساة، إذا به كالقنفذ تخرج كل أشواكه فجأة حتى يهرب من لمسة من يدها، أو حضن تريد به أن تحتويه. كان يتظاهر طوال الوقت بأنه على ما يرام، وأن أى شيء يحدث لا يهز له شعرة واحدة.
التظاهر بالاستغناء/u/
حالة «ثروت» معروفة فى علم النفس، وهى شخصيات تعانى من «رفض الاعتماد على الغير» بصورة مرضية، وذلك نتاج صدمات نفسية عنيفة حدثت فى الطفولة المبكرة، ما بين الميلاد والسنوات الثلاث الأولى، وسببت لهم جروحا فى الروح، لأنهم حُرموا من الإحساس بارتباط آمن مع الأم. وهؤلاء يكبرون وهم لا يعرفون كيف يقيمون علاقة ارتباط آمنة مع كبار مثلهم. أيضا حين يتعرضون فى العام الثانى والثالث لمزيد من الجروح لأنهم حرموا من دعم عاطفى من الأم والاب أو من يرعونهم من الكبار (جدة أو مربية)، فإنهم يضعون ستائر كثيفة على الجانب المجروح فيهم، فى علاقاتهم الإنسانية وهم كبار كنوع من الحماية لأنفسهم من التعرض لمزيد من الجروح.
ويقول العلماء إنه من المستحيل لمن لم تندمل جروحهم أن يكونوا تلقائيين ومفتوحين بما يكفى لإقامة علاقات إنسانية حميمة فعلا، بل يسمونهم «الهاربين من الحميمية». وبينما يحتاج هؤلاء الأشخاص فى أعماق أنفسهم للمودة والألفة الحميمة مع من يحبونهم إلا أن ما تحتفظ به ذاكرة الجسد من صدمات للروح فى سنوات عمرهم الأولى تؤدى بهم إلى حال من الحذر الشديد، والعمل على السيطرة على مشاعرهم بقوة فى المواقف الحميمة. ف»ثروت» كان يجيد إقامة علاقات مع البعيدين لأنها لا تصل إلى المنطقة المجروحة التى يخفيها فى العلاقات القريبة.
الكمبيوتر البشرى/u/
ويشبه العلماء هذا الحال بأنه يشبه برنامج كمبيوتر يختزن الصدمات فى اللاوعى عند من هم مثل «ثروت». الفرق الوحيد هو أنك – مع برنامج الكمبيوتر - تختار ما تريد تفعيله، وتتحكم فيما تحتاج إلى إخراجه. أما فى حالة «برنامجك النفسى الداخلى»، فالمشاعر التى تنتابك فى موقف ما وأفكارك، وتصرفاتك، تتحدد وفقا لمخزون من المفاهيم المشوهة التى تبرمجت على أن تظهر بمجرد أن تصل إليها إشارات إنذار من الحواس، تنبهها بأنها تتعرض فى العلاقة الحالية لما يشبه ما حدث فى الصدمات الأولى. كل هذا بلا وعى منك ولا تحكم.
ويقول علم النفس إنه لا يمكن إقامة علاقة إنسانية سوية وناجحة، والحفاظ عليها وصيانتها، إلا حين يغير مثل هؤلاء الأشخاص «البرنامج الداخلى» الراسخ فيهم، وأول خطوة فى تغيير البرنامج هى اكتشاف محتوياته وثانى خطوة هى استعمال الأدوات لتغيير محتواه فالمحتويات القديمة هى أكبر عائق فى طريق إقامة علاقات سوية، مع أنفسنا ومع الآخرين. ومن هذه المحتويات وأهمها هى الصدمات الناتجة عن حرماننا من: 1- بناء رباط قوى وصحى بالأم يعطينا الإحساس بالأمان، 2- الدعم العاطفى والروحى الذى نحتاجه لنتعرف على أنفسنا الحقيقية، ونُعطى الفرصة لتطويرها، والتعبير عنها بحرية وأمان أيضا.
فحين نُحرم من هذين العنصرين (اكتساب الأمان والدعم العاطفى والروحى)، فإن برنامجنا الداخلى يتشكل بصورة غير سوية، تجعلنا نظل العمر كله، وكلما أقمنا علاقة بأى أحد، نطالبه - دون وعى طبعا - بتحقيق ما يفترض أن نكون قد استوفيناه من والدينا، وإذا لم يحقق لنا ذلك نضع عليه اللوم فى فشل العلاقة. كما يحتوى برنامجنا الداخلى على صور زائفة لأنفسنا وللعالم، فنعتقد مثلا «أننا لا نستحق الحب»، وتترسخ عقيدتنا بأننا فى عالم ليس به أمان، فيقول برنامجنا الداخلى «يجب أن أحمى نفسى حتى لا يجرحنى الآخرون». وفى كلا الحالين يتوقف تدفق الحب والمودة، فنشعر بالوحدة والاغتراب واليأس، والحرمان من الحب الذى نتحرق شوقا له.
برنامج صحى /u/
أول خطوة لتصميم برنامج جديد هو أن يتواجد الوعى لدى كل طرف بالمشكلة التى يعانى هو منها، ويكف عن تحميل الطرف الآخر مسئولية عدم استواء العلاقة. فإذا تعرّف كل شخص بينه وبين نفسه على محتويات «برنامجه الداخلي» وأقر بأنها تحتاج للتغيير، يكون كلاهما بذلك قد أدرك موقع السد الذى يوقف سريان شلال الحب. أما إزاحة هذا السد فتكون بالعمل على أن تكون العلاقة نفسها وسيلة لشفاء الطرفين، وذلك بإعادة تعريف معنى «العلاقة الحميمة» لتشمل التعامل مع الصراعات الموجودة، والاتساع والأمان لأن يقول كل منهما بصدق عما يطوق إليه، وعما يحب أن يقدمه للآخر. إن مجرد الحديث بصدق هو أول طريق الشفاء. طبعا ليس الأمر بالسهولة التى يقال بها، لكن توافر الإرادة من الطرفين يعتبر وسيلة فعالة لبناء «علاقة حقيقية»، والتخلص من تبادل الجراح والصراع. فالمنطقة العميقة التى حدثت فيها الصدمة هى نفسها التى سيتدفق منها الدواء. والتخلص من الخوف من كشف تلك المنطقة، هو نصر كبير للعلاقة.
أما نصيحتى الشخصية للطرف الذى صمم أن يأخذ خطوة نحو الشفاء، وإقامة علاقة صحية مع نفسه، والطرف الآخر، فهى أنه حتى إذا لم يكن الطرف الآخر على نفس درجة الاستعداد لخوض رحلة الشفاء، فعليه أن يبدأ هو أو هى خطواته ولا يتوانى، وهذا كفيل بأن يعطيه أو يعطيها قدرا كبيرا من الراحة، وسيؤثر إيجابيا فى العلاقة، لأنه وقد تحرر من المخزون العاطفى المشوه، لن يدخل فى صراعات، ولا اتهامات مع الطرف الآخر، وبالتالى فلن يغذى برنامجه غير السوى، وتلك مساعدة له أو لها غير مباشرة.
السؤال هو: ما الذى يؤدى إلى حرمان الكثيرين منا من الأمان منذ الميلاد وأثناء الطفولة؟ هل هناك أخطاء محددة يقع فيها الوالدان مثلا؟ وهل هناك من المعرفة ما يساعدهما على تجنبها لإعطاء الوليد احتياجاته الأساسية من الأمان والدعم النفسى الذى يؤثر فى حياته كلها؟ وهل هناك وسيلة يمكن أن يعوض بها الإنسان لنفسه هذه المشاعر الأساسية إن لم يتلقاها من أبويه؟ هذا هو موضوع المقال القادم بإذن الله.
تدريب: تأمل فى نسبة الحميمية الحقيقية فى علاقاتك القريبة، ودور البرنامج الداخلى عندك فى تحقيق القرب المطلوب أو إعاقته. أى تغيير تحتاج إليه؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.