«إنهم فى إسرائيل يحترمونه احتراما كبيرا ويقدرونه أيما تقدير لأنه لقنهم درسا قاسيا لن ينسوه على مر الأيام».. هذه كلمات بطل الحرب والسلام الرئيس الشهيد أنور السادات فى أول خطاب رسمى له عقب نصر أكتوبر متحدثا عن قائد قوات مصر الجوية -آنذاك- الفريق أول حسنى مبارك.. ولذلك لم يكن مفاجئا أن يطرح الرئيس حسنى مبارك فى لقائه الأخير برموز الفكر والإبداع المصرى تساؤله المهم عن تأخير لافت لإنتاج فيلم يؤرخ لنصر أكتوبر المجيد وقد نوه سيادته أن هذا الانتصار به من الأحداث ما يفى بإنتاج أكثر من فيلم يتناول أكثر من زاوية تمجد هذه الحرب الفارقة فى تاريخ مصر المعاصر بل تاريخ أمة عربية تاقت لمثل هذا الانتصار على مدى أكثر من نصف قرن مضى.. وخاصة العمل العسكرى الفذ الذى أصبح مادة علمية لمختلف الأكاديميات العالمية للبحث والدراسة حول ملابساته التى غيرت مقاييس الاستراتيجية العسكرية فى العالم أجمع حيث كانت عوامل الإخفاق المتوقعة تفوق كثيرا عوامل النجاح وجاءت المفاجأة المذهلة لتبطل كل هذه التوقعات حين تحقق عبور القوات المصرية لأكبر مانع مائى فى العالم فضلا عن استحالة اقتحام خط بارليف وهو أكبر حائط صناعى شهدته الحروب عبر التاريخ.. ولا غرابة فى أن يأتى التساؤل من الرئيس مبارك حول فيلم عن أكتوبر فهو الذى يعرف حقيقة ما جرى وقيمته العسكرية من تفوق يصل إلى درجة الإعجاز إن لم نقل المستحيل لأن مبارك هو الذى حمل مفتاح النصر وأهداه إلى قواتنا المسلحة لتحققه فى ساعات محدودة إن لم نقل فى الدقائق الأولى والتى ظهرت خلالها بوضوح الخطوة المظفرة فى دعم قواتنا البرية مشاة وآليات موزعة لتأخذ مكانها على الضفة المقابلة للقناة فضلا عما أحدثته قواتنا الجوية فى خطة محكمة لا تنقصها الدراسة المتأنية والتى لا تقبل نتيجة سوى الانتصار من تدمير للمواقع الحصينة للقوات الإسرائيلية بما أصابها بالشلل التام وكذلك القيادات الإسرائيلية التى أصيبت بالذهول والارتباك والهلع الذى جعلهم يبكون أمام وكالات الأنباء وشاشات التليفزيون العالمية فى مشهد تاريخى مفعم بالمشاعر المتناقضة والتى تنفى نفيا قاطعا ما كان يشاع كذبا بأن جيشهم هو الجيش الذى لا يقهر. ورغم أن السينما قد سارعت بإنتاج عدة أفلام لا يرقى معظمها لمستوى الحدث فإن الأمل مازال ينعقد نحو إنتاج أكثرمن فيلم يتناول قضية الإعداد الجيد لهذه المعركة الفاصلة وما بها من جوانب إنسانية تظهر بشكل واضح المعدن النفيس للإنسان المصرى الذى يأبى الضيم والمذلة إلى جانب أفلام أخرى تتناول تجسيد الجانب العسكرى سينمائيا ليكون وثيقة تاريخية تقدم للأجيال الجديدة والتى لم تشهد هذا الانتصار المذهل حقائق ما فعله الأجداد والآباء لهم من نضال لتحرير الأرض المصرية وإعلاء لكرامة مصر والأمة العربية جمعاء. وأعتقد أن السينما المصرية بحالتها الراهنة لن تستطيع أن تقدم فيلما يواكب عظمة الحدث وأخشى ما أخشاه أن يقوم بعض الانتهازيين من منتجى هذه الأيام بعمل أفلام هزيلة تشوه هذا النصر الكبير وتكرر ما حدث منذ سبعة وثلاثين عاما من إنتاج أفلام نسيها الجمهور العربى كما نسيها منتجوها لضعف مستواها الفنى ومعالجاتها الدرامية الساذجة. ومن هنا نناشد الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة أن يضطلع بدوره المأمول فى دعم إنتاج فيلم كبير يتكافأ وروعة وعظمة هذا المنعطف التاريخى العظيم لمصر وقواتها المسلحة خاصة أن الوزارة عادت لتتولى مسئوليتها لإحياء الإنتاج السينمائى المصرى وهنا يجب أن تكون البداية إنتاج فيلم أكتوبر الذى صار حلما لكل المصريين والعرب والخطوة المرجوة والمنتظرة هى تكليف الوزير لأكثر من سيناريست للاشتراك فى ورشة فنية عالية المستوى من ذوى الخبرة فى المجال السينمائى لإعداد السيناريو الملائم ونحن على يقين أن قواتنا المسلحة سوف تقدم كل المعونة الواجبة ليظهر هذا الفيلم راصدا لكل البطولات الرائعة لرجالها البواسل وحينذاك سيفتح الباب واسعا لإنتاج أفلام أخرى مماثلة تتناول الإنسان المصرى الذى انتصر فى معركة التحرير كما انتصر أيضا فى معركة السلام فهل يكون تساؤل الرئيس مبارك لمبدعينا من الأدباء والفنانين تكليفا وتشريفا يطلق بداية جادة لتحقيق هذا الحلم الأمل والذى طال انتظاره؟