يعتبر قصر الأمير يوسف كمال من أجمل وأعظم القصور التي شيدت في عهد أسرة محمد علي، يقع في منطقة المطرية بالقاهرة، وصاحبه هو الأمير يوسف كمال، وهو من أبناء الأسرة المالكة في مصر، وممن يمتلكون ثروة كبيرة وينفقون منها طوعًا وتطوعًا على العمل العام، شأنه في ذلك شأن الأمير عمر طوسون، وقد اشتهر بحبه للفنون، مما دفعه إلى إنشاء مدرسة للفنون الجميلة في العام 1905، وجمعية محبي الفنون الجميلة العام 1924، وشارك في تأسيس الأكاديمية المصرية للفنون بروما. كان الأمير يوسف من أغنى أغنياء مصر في عصره في عام 1937م، حيث قدر إيراد أملاكه بمائة ألف جنيه، وفي عام 1934م قدرت ثروته بحوالي 10 ملايين جنيه، وكان في هذا العام أغنى شخصية في مصر، بينما في عام 1948م كان يمتلك حوالي 17 ألف فدان تعود بدخل يقدر ب340 ألف جنيه في العام. ومما يذكر للأمير يوسف أنه في عام 1914 عرضت عليه رئاسة جامعة القاهرة لكنه اعتذر واكتفى بأن يكون عضوًا في مجلس إدارتها، وحينما اضطر حسين رشدي باشا للتخلي عن الجامعة اختير أن يكون رئيسًا لها، وفي فترة رئاسته هذه كان يرسل النوابغ من طلابها للدراسة في الخارج على نفقته الخاصة. عمارة خديوية أما قصة بناء القصر، فقد بني في فترة امتزجت فيها العمارة الأوروبية بالعمارة الشرقية (العربية الإسلامية) وذلك عام 1908، وقد صممه مهندس القصور الملكية الشهير أنطونيو لاشياك وهو من أشهر المعماريين الذين وفدوا إلى مصر في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وهو نفسه من قام ببناء قصر الطاهرة في أوائل القرن العشرين. كما يرجع له الفضل في تصميم مجموعة كبيرة من مباني وسط البلد، مثل الفرع الرئيسي لبنك مصر، عمارات الخديوية، المبنى القديم لوزارة الخارجية المصري بميدان التحرير، مدرسة الناصرية بشارع شامبليون، مبنى محطة الرمل بالإسكندرية، كما أنه أعاد تصميم قصر عابدين بعد تعرضه للحريق، حيث كان مبنيًّا قبل ترميمه بالخشب على غرار مبنى الأوبرا القديم الذي تعرض هو الآخر للحريق عام 1971. استغرق بناء القصر حوالي 13 عامًا، ونظرًا لمجريات الحوادث وهجوم المباني والتوسع العمراني غير المحسوب، فإن هذا القصر يعد نموذجًا لصمود القيم الجمالية في مواجهة هجوم الحضارة الإسمنتية، وتمثل منطقة المطرية المتواجد بها القصر بانوراما طبيعية هائلة، فهي من أشهر المناطق الأثرية منذ فجر التاريخ، إذ عرفت في العصور الفرعونية باسم (أون) أي مدينة الشمس، وأطلق عليها الرومان اسم هليوبوليس وأطلق عليها العرب اسم عين شمس، ومن أشهر آثارها مسلة سونسرت الأول بارتفاع 20 مترًا وتزن 121 طنًّا. عمود مرنبتاح كما تحتضن منطقة المطرية عمود مرنبتاح الأثري وبقايا معابد الرعامسة وشجرة مريم التي قيل إن السيدة مريم والسيد المسيح جلسا تحتها في رحلة الهروب من اضطهاد الرومان وغيرها من الآثار التاريخية، كما أن القصر كانت تحيط به حديقة مساحتها 12 فدانًا من الأشجار والزهور، لكن نظرًا لأن الأمير يوسف اشتهر بالصيد فقد تحول هذا القصر إلى متحف عقب ثورة 1952، إذ كان غنيًّا بالحيوانات المحنطة التي اصطادها أثناء رحلاته إلى أفريقيا. فقد اشتهر الأمير يوسف بحبه للصيد واصطياد الحيوانات المفترسة وغامر في سبيل ذلك إلى أفريقيا وبعض بلاد الهند وغيرها، واحتفظ بالكثير من جلود فرائسه وبعض رؤوسها المحنطة وكان يقتنيها بقصوره العديدة بالقاهرة والإسكندرية ونجع حمادي مع تماثيل من المرمر ومجموعة من اللوحات النادرة. كما عرف أنه أهدى مجموعة من الطيور المحنطة ورؤوس الحيوانات المفترسة من صيده إلى متحف فؤاد الأول الزراعي، وبعضها ضم إلى متحف محمد علي بالمنيل، وأهدى أيضًا آلاف الكتب المصورة عن الطيور والحيوانات إلى دار الكتب المصرية وجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا)، وتضمها حاليًا المكتبة المركزية بجامعة القاهرة، وكان ثالث رئيس لجامعة القاهرة. تحفة معمارية وتقول المرشدة السياحية ألفت إبراهيم: إن القصر يعد تحفة معمارية ذات ذوق رفيع يطل بواجهته على حديقة اتساعها حوالي 14 فدانًا، فقد صمم على طراز أوروبي يرجع إلى عصر النهضة بداية من واجهة القصر الرئيسية، فالأعمدة والزخارف النباتية تظهر فيها التأثيرات الغربية، فالقبة المفتوحة أعلى العقد التي تبدو أقرب إلى قرص الشمس حينما تتسع بأنوارها على الكون. وتضيف إبراهيم: تصميم القصر يجمع بين طراز النهضة الفرنسية مع طراز النهضة الإيطالية، وللقصر أربع واجهات تبعًا للاتجاهات الأصلية، وجميعها تتبارى في الجمال المعماري، وتتميز الواجهات بأنها صممت بنظام الكتل البارزة والكتل الغائرة، فالواجهة الشمالية تتوسطها كتلة مدخل تعلوها شرفة وهذه الشرفة تعلوها قبة. وتابعت: على اليسار توجد قاعة استقبال أخرى، كان يشغلها الأمير، ويتصدر جدار الواجهة لوحة للأمير وبعض رفاقه أثناء إحدى رحلات الصيد، أما الطابق الثاني من القصر فيشمل القاعات والحجرات الخاصة بالمعيشة، ومنها قاعة ذات تأثيرات فنية صينية ظهر فيها رسم للتنين في السقف إلى جانب مظاهر حياتية مختلفة. أما على اليمين، فتوجد القاعة العربية وغرفة الاستقبال المميزة بالتغطيات والعقود الخشبية التي تحيط بالباب الذي يفتح على شرفة القصر الخارجية، وعلى النوافذ، كذلك السقف الذي تم تغطيته بالأخشاب والزخارف المحفورة في مستويات عدة. وتشير إبراهيم إلى أن من أهم ما يميز القصر هو أن الجدران مغطاة بأقمشة ذات ألوان وزخارف متكررة تحيط بها إطارات خارجية، توجد فيها أعمدة خشبية فيها مسارات فنية، ويتصدر القاعة عقد بتصميم متميز يحيط بإحدى نوافذ القاعة، وتوجد مدفأة من الرخام، وأعلاها دوائر تشبه الشمس تحيط بها إطارات مذهبة إلى جانب الأشكال الزخرفية المتعددة. وتوضح أن عظمة المكان تظهر في القاعة العربية التي تجعل من يدخلها يعيش في أجواء عصر المماليك، إذ جمع الأمير يوسف محتوياتها من قصور بعض المماليك القديمة، وتنطق الصورة بجمال هذه القاعة، عندما ننظر إلى السقف تظهر هذه القبة التي يشع زجاجها بضوء الشمس وزخارفها بتناغم جمال الحليات الخشبية مع جمال باقي العناصر الزخرفية، وتتماثل القبة مع النافورة في خط يربط بين مركزيهما، وتشع في هذه القاعة التأثيرات العثمانية، وعلى أحد جدرانها توجد نافذتان تأخذان الشكل المتطور من فن المشربية، إذ تظهر الزخرفة الخشبية التي يغطيها الزجاج الملون فتبدو وكأنها قرص من صناعة النحل. خدمة ( وكالة الصحافة العربية )