أصدر الدكتور عثمان الصيني رئيس تحرير جريدة الوطن والدكتور عصام عبدالله الباحث والمترجم المصري كتابا عنوانه «العالم أفقيا: أمريكاوالصين والسعودية» عن دار مدارك. والكتاب يبدو فريدا في نوعه، فهو يمثل إحدى صور العولمة، في موضوعه وفي تأليفه من اثنين من أبرز الوجوه الإعلامية والثقافية في المنطقة العربية، ولهما مشاغلهما وأسئلتهما وهواجسهما حول أوضاع البلدان، موضوع الكتاب. في مقدمة الكتاب يتساءل المؤلفين الصيني وعبدالله: «لماذا نؤلف هذا الكتاب معا؟ ولماذا شغلت العولمة القسط الأكبر من كتابنا المشترك؟»، وتأتي الإجابة لتوضح هذا المشترك الذي يجمعها، إذ يقولان: «الظروف التي واجهت تأليفنا لهذا الكتاب، هي أفضل من يوضح الأسباب والأهداف التي قادتنا للعمل معا. كلانا ينتمي الي المنطقة العربية فكريا وثقافيا، ويمثل – في نفس الوقت - نموذجا للعولمة من الناحية العملية، الدكتور عثمان الصيني سعودي– مسلم، والدكتور عصام عبدالله مصري – أميركي – مسيحي، تعاونا قبل أكثر من عشر سنوات – وما يزال هذا التعاون - في اصدار ونشر كتابين «الأسس الفلسفية للعولمة» عام 2009 ، «وداعا ديكارت: كوزمولوجيا جديدة للعقل الانساني» عام 2014 فضلا عن عشرات المقالات والتقارير والدراسات والترجمات حول العولمة، ما لها وما عليها، في الصحف والمجلات السعودية. كما أننا تمتعنا بنفس مزايا هذا العصر: الكتابة علي جهاز كمبيوتر صمم في الولاياتالمتحدة وجمع في الصين ويستخدم في السعودية ومصر، وتبادلنا أفكارنا باللغتين العربية والانجليزية في اللحظة نفسها عبر شبكة الانترنت على رغم بعد المسافة بين الرياض ومكة وابها وواشنطن. وبفضل طبق صغير متصل بالاقمار الصناعية، شاهدنا معا – كل في مكانه - خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي في أول محاولة انقلابية ضد العولمة عام 2016، بالتزامن مع تدفق اللآجئين من الشرق الاوسط وشمال افريقيا الي أوروبا، فضلا عن العمليات الإرهابية لداعش في أماكن كثيرة من العالم، ووصول الرئيس ترمب الي البيت الأبيض وزيارته التاريخية للرياض في مايو 2017 ولقائه بقادة العالم في قمم الرياض، إنها العولمة والترابط والتواصل في القرن 21 الذي لم يلغ قط التنوع الجغرافي والفوارق الاقتصادية والاجتماعية وتنامي الهويات والنزعات الشعبوية واليمين المحافظ». ويمضي الدكتور الصيني والدكتور عصام عبدالله في القول: «أما من الناحية الموضوعية فقد عشنا أحلام العولمة ونهاية التاريخ والقرية الكونية الصغيرة، واستيقظنا صباح ذات يوم لنفاجأ بالعكس، وأن العالم ليس مستويا وانما يتألف من مجموعة هائلة من المطبات والهضاب والصخور والجبال والسهول الوعرة، أو بالأحري «تضاريس سياسية وبشرية» شديدة الصعوبة، تتبدي في تنوع الثقافات والهويات ومستوي العقلانية والأطماع، وتباين الآمال والتطلعات والاحباطات، وبروز أنواع غير مسبوقة من الصراعات. صحيح أن «العولمة» تزامنت مع فترة سلام بين القوى الكبرى. ومع ذلك، بدأنا اليوم ندرك أن هناك وجها آخر للعملة: إن الترابط ذاته الذي أوصل العالم معاً قد خلق أيضاً تحديات وأزمات وصراعات جديدة مما يعني أن التركيز علي الزمن الحاضر فقط في فهم تحولات العولمة، خطأ استراتيجي كبير، ويجب كشط القشرة الخارجية للعملة بوجهيها عبر التفكير في أعماق المستقبل القريب، علي الأقل». في المقدمة يطرح المؤلفان عددا من الأسئلة: «ماذا سنكون عام 2030؟ ما المشاكل والتحديات المتوقعة في العقد المقبل وما بعده؟ ما هي أهم ساحات الصراع ومداراته في القرن الحادي والعشرين؟ ما الآفاق والفرص المتوقعة في عالم (قد تغير)؟ والأهم، كيف نتجنب أكبر «كمين» استراتيجي - تاريخي يعصف بالشرق الأوسط «الكبير» لسنوات قادمة؟ ويذكر ان أن معظم دول المنطقة أصبحت مهددة بالتفكك، «من أسفل بالعودة الي حدودها ما قبل الوطنية، ومن أعلي بالذوبان عبر الاستسلام لإرادة الشركات والمنظمات العابرة للقوميات، وبين مطرقة الولاياتالمتحدة وسندان الصين، شئنا أم أبينا. وهو ما جعل كثيرا من الدول في عصر العولمة واقعة بين نارين: إما أن تنزلق الي دوامة الفوضي بفعل الحروب الأهلية الدموية المدمرة لتعود الي قرون موغلة في القدم، وإما أن تنضوي مجبرة تحت منظومة الشركات العابرة للقوميات والمتعدية للجنسيات، (أو) – وهو الخيار الأفضل والأصعب - أن تمتلك إرادتها السياسية في التغيير، وبسرعة محسوبة، عبر استخدام أدوات العولمة وامكانيات ما بعد الحداثة السياسية. وعلى سبيل المثال لا الحصر: كيف يمكن للمملكة العربية السعودية (والاختيار هنا مقصود كونها أكبر قوة إقليمية استراتيجية، مالية ونفطية وثقافية وجغرافية) أن تؤثر في التوازنات الدولية التي تتشكل الآن، وأن توازن مصالحها– وبالقدر نفسه – مع أكبر دولتين (الولاياتالمتحدةوالصين) محور السياسة العالمية في القرن الحادي والعشرين، رغم التوتر وحالة الصراع بينهما؟ هذا السؤال الكبير شغل المساحة الأكبر من كتابنا. ذلك أن أحد تحولات القوة الرئيسة في القرن الحادي والعشرين يتمثل في إحياء آسيا. ففي العام 1800، كانت آسيا تمثل نصف سكان العالم ونصف الاقتصاد العالمي. وبحلول العام 1900، دفعت الثورة الصناعية في أوروبا وأميركا الشمالية حصة آسيا من الناتج العالمي إلى 20%. ومن المنتظر بحلول منتصف هذا القرن أن تعود آسيا إلى تمثيل نصف سكان العالم ونصف ناتجه المحلي، وهذا باعتراف معظم الثقات من الباحثين والاستراتيجيين في العالم ان مستقبل العلاقة بين اميركا والصين مختلط، ومزيج معقد من التعاون والصراع، وقدر منطقتنا أن تكون في القلب من هذا التعاون والصراع! ويتطرق الصيني وعبدالله إلى المشكلة التي واجهتهما أثناء العمل، وسط تلاطم أمواج العلاقات الدولية، وتتمثل في «أن صراعات العولمة في القرن الحادي والعشرين بين قوى كبري – رغم اختلافها – تشبه «الكوكاكولا» و«البيبسي»، ان جاز التعبير - كلاهما تقريبا الشيء نفسه، الفروق بينهما شكلية وليس في العمق، لذا سعينا قدر الإمكان الي تجنب الوقوع في خطأ التفكير بمنطق الحرب الباردة - ما قبل العولمة، ونحن نتناول أشد مشكلات العولمة تعقيدا، أي التعاطف مع طرف ضد طرف آخر، مثلما كان الحال مع الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي السابق. ناهيك عن أن أغلب المؤلفات التي تتعرض للعلاقة بين الولاياتالمتحدةوالصين في السنوات الأخيرة، لم تسعفنا كثيرا، ربما لأنها ما زالت تروج لمنطق ما قبل التسعينيات من القرن العشرين، وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق عام 1989، وهو منطق يحكمه «الفهم الصفري» لحالة العالم. أضف إلى ذلك، أن محاولة الاقتراب من مستقبل العلاقات الأميركية – الصينية في السنوات المقبلة وتأثيرها العالمي والإقليمي، خارج الكتب الاكاديمية الخالصة والتقارير المؤدلجة والمسيسة، وبعضها صادر عن مؤسسات دولية للأسف، تطلبت التركيز علي المصادر الفكرية (والتاريخية) وشهادات المنظرين المعاصرين من الجانبين، وبعض مراجع الثقات من الباحثين والاستراتيجيين فضلا عن غربلة ما ينشر في مختلف وسائل الإعلام ومواقع الانترنت». ونقرأ في المقدمة أيضا: «توجد قسمة جديدة في عالم اليوم، الذي لم يعد من الناحية الجغرافية: شمال وجنوب، وشرق وغرب فقط، أو شيوعي ورأسمالي علي المستوي الاقتصادي كما كان الحال في مرحلة الحرب الباردة (1945 – 1989)، القسمة الجديدة هي بين عالم النظام وعالم الفوضي. في هذه المرحلة التي تشهد أكبر تحول تاريخي في العلاقات الدولية، أو قل السيولة بين النظام العالمي والفوضي العالمية، لن يتحدد هذا التحول بأفعال الولاياتالمتحدةوالصين فقط، ولكن – وبشكل متزايد – من خلال حلفائهما معا، والأشياء التي هم علي استعداد للقيام بها أو العكس، وهنا يكمن التركيز علي القوي الفاعلة في الشرق الأوسط الكبير تحديدا. هذا من ناحية، من ناحية أخرى، فإن الصراعات في القرن الحادي والعشرين أصبح ينطبق عليها المثل العربي الدارج: «خلاخل والبلا من داخل» – لم تعد خارجنا وإنما في أعماقنا - فما يجمعنا ويربط بيننا في عصر العولمة هو هو نفسه ما يفرقنا ويدفعنا للتصارع، أو بالأحرى فقد دخلنا فيما بات يعرف ب «حروب الاتصال» أو بالأحرى: حروب المحيطات والانترنت والبنية المترابطة للاقتصاد العالمي وأدوات النقل (الثقافي) والطرق والمواصلات، انه عصر يعيش في داخلنا بمعضلاته وتداعياته أكثر مما نعيش نحن فيه، لذا لا يمكن الفرار منه – كما كان الحال في مرحلة الحداثة والحرب الباردة - بالتوجه والاصطفاف الى جانب طرف دون طرف آخر (جغرافيا واقتصاديا وتكنولوجيا) أو تغيير مواقفنا ومواقعنا بسهولة من هنا إلى هناك أو العكس! باختصار لا يمكن لأي باحث ومثقف حقيقي في عصر العولمة أن يتهرب من مسئوليته الفكرية والاخلاقية في هذا المنعطف التاريخي، وتلك المسؤولية وحدها هي دافعنا الأكبر لتأليف كتابنا المشترك.