بداخلك ، وتظل عاجزا عن نطق الآه ، رغم الوجع الرابض فيك ، حينما تشعر بالقهر ، بالذل ، بالحرمان، بالخسة ، بالظلم… حينما تستطيع تمثيل الفرح في خضم معاناتك ، وتحاول رسم إبتسامة مجهدة على شفاهك ، عندما تشعر بالحزن آصبح يغلف روحك حتى تصير أنت وحزنك نسيجا واحدا ، حينما يتسع فمك بضحكه البلياتشو البلهاء بينما تعتصر آلما في داخلك ، فقط من أجل تحاشي نظرات الرثاء والعطف ، حينما تنظر إلى نفسك في المرآة فلا تعرفها ، لا ترى إلا ملامحا ضبابية أعياها الزمن بعواصفه العاتية... هنا فقط ستسرق ، نعم ستسرق من نفسك وستتغير ! ستسرق من نفسك بفعل عوامل الصدمات والكبوات التي مررت بها ، لن يبقى منك إلا بقايا روح مشوهة ، حتى التعبير عن نفسك الموجوعة تصبح عاجزا عنه ،تبحث عن كلمات تصفك فلا تجد ، ثم ستنتقل إلى مرحلة آخرى حيث ستشعرإنك أصبحت غريبا عن حقيقتك التي جبلت عليها منذ زمن براءتك...لست انت هذا ولا هذه طبائعك ، ستصبح مستغلا، متلونا ، فظا ، سواد قلبك سيغطي علي بياضه ، مثاليتك ستسقط سهوا ، ستحكمك مصالحك وفقط .. لن تجد دمعة في عينيك ولا دقة في قلبك تأثرا بفرح أو حزن ،أحاسيسك ستصبح بلا أحاسيس .. سيجمد قلبك ويتجبر …وستعتنق مبدأ أنا ومن بعدي الطوفان ،وستجد لنفسك المبررات- (لم لا اظلم ..فأنا ظلمت كثيرا ) . المرحلة الأخيرة : الندم ، الندم ثم الندم بعد أن يمضي العمر وتزهد الدنيا ، ستندم على نفسك الغائبة ، وستحن إلى جيناتك الطيبة ، وستشعر بالخسارة والحسرة ، ولكن بعد فوات الآوان ، فلن تعد تملك متسعا من الوقت أو الجهد حتى تحاول إصلاح ما شوه منك . قبل الوصول للنهاية ، قبل نفاذ الطاقة والعمر ، وقبل أن نذهب بأرواح مشوهة ونادمة ، فلنفتح الجرح ونواجه الوجع بداخلنا ، فلنعش أوجاعنا وآلامنا حتى آخر رمق فينا حتى نتطهر منها ، فلا ضرر من أن نصرخ ونملأ الكون بأهاتنا ولا عيب من أن نكتئب أو نحبط أو نيأس بدلا من التخفي وراء قناع البلياتشو ، فنحن بشر وعرضة لأي مشاعر إنسانية ممكن تقهرنا لفترة من الزمن ، لنترك لأحزاننا العنان ، ولنفرط دموعنا حتى نغتسل من كل الأثار السلبية التي تتركها فينا صدماتنا وكبواتنا ، فتذهب بلا رجعة ونبقي نحن بذاوتنا الحقيقية وأرواحنا النقية .