يمكن اعتبارها مِن أبرز فناني السيريالية في اليمن، وتكاد تُمثّل أحد عناوين هذه المدَرَسة في الجيل الثاني للمحترف اليمني. علاقة ريما قاسم (1969) بالسيريالية تنفتح على آفاق التجريب اللوني لتمنح لوحاتها طاقات شعورية يمثلّ اللون محور لغتها، وتأتي الأشكال استجابة تعبيرية للغة اللون وحركته؛ فنقرأ محمول اللوحة تعبيراً عن إحساس الفنانة ورؤيتها تجاه المحيط. ريما، وهي خِريجة تربية فنية في جامعة الملك سعود في الرياض، مِن التشكيليين اليمنيين الدارسين، الذين مثّلت تجاربهم روافد نوعية للمشهد التشكيلي في بلادها، وكان لإسهاماتهم تأثير في تطوير الحركة التشكيلية هناك، وإن كانت هذه الحركة مازالت تعاني الكثير من المشاكل، والتي تجعل البعض يتحفّظ على وصفها بالحركة… وها هي الحرب تُضِيف مشاكل جديدة ضاعفت من معاناة التشكيليين ككل المبدعين في هذا البلد، بمن فيهم هذه الفنانة التي انقطعت عن الرسم لسنوات جراء الصراع المستعر هناك، ولم تعدّ للوحة إلا منذ وقت قريب، مِن خلال عددٍ من الأعمال بالحبر الصيني اشتغلت عليها بالأسود والأبيض، ملتزمة أسلوبها السيريالي ولغتها المفتوحة في التعبير بشمولية عن أحاسيسها. الانقطاع على امتداد تجربتها لأكثر من عقدين، ومنذ ظهورها في أول معرض جماعي… نظّمت ريما، حتى الآن، معرضين شخصيين، في ما تعثر تنظيم معرضها الثالث. نظّمت معرضها الأول عام 1996 في صنعاء، وبعد عشر سنوات افتتحت معرضها الثاني، وفي عام 2009 تعثر تنظم معرضها الثالث، واكتفت بإصداره في كتالوج، فيما مازالت أعماله في منزلها على أمل انفراج الأوضاع. نتيجة ما شهدته البلاد منذ عام 2011 غابت ريما مثل كثير من التشكيليين اليمنيين عن الواجهة، وتسببت الحرب المستعرة هناك منذ 2015 في تكريس انقطاعها عن الرسم وغيابها عن المشهد، ووفق حديثها ل«القدس العربي»، عبر البريد الإلكتروني، حيثُ تقيم حالياً في العاصمة السعودية، فإنها عادت للرسم منذ عام تقريباً، مُتحدّية الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب، حد أصبح فيه الحصول على المواد أمر ليس باليسير. «انقطاعي كان بسبب الحرب؛ وبالتالي عدم تفرغي للرسم مثلما كان عليه الحال قبلاً» تقول ريما، «عدتُ للرسم منذ سنة تقريباً، واستطعتُ إنجاز عددٍ من الأعمال عَرضتُ بعضها في صفحتي في موقع انستغرام». ظهرت أعمال ريما لأول مرة على الجمهور في منتصف التسعينيات من القرن الماضي عقب عودتها من السعودية، حيث ولدت وتعلّمت لتبدأ العمل مُعلِمة تربية فنية في الرياض، ومِن ثم في صنعاء، مُلتحِقة بالمشهد التشكيلي، حيثُ بدأتْ في تسجيل حضورها من خلال عددٍ من المعارض الجماعية، تخللها معرضان شخصيان، لتنقطع ريما مع مَن غاب مِن المبدعين في كثير من المجالات، بما فيها الفن التشكيلي نتيجة ما شهدته البلاد من أحداث عام 2011 انتهت بحرب دخلت عامها الرابع منذ اندلاعها في 2015. السيريالية منذ بداية تجربتها أمسكت ريما بأسلوبها الخاص ضمن اللوحة السيريالية، التي عكست قدراتها في التعامل مع اللون، الذي يولد من خلاله الشكل؛ فتتجلى اللوحة نصاً بصرياً ينقل مشاعر الفنانة عبر محاميل تعبيرية يتداخل في نسج جملته التشكيلية اللون والشكل والإحساس الفني؛ وهي أحاسيس استمرت الفنانة في الاشتغال على ترجمتها والتعبير من خلالها في كل مرحلة من مراحل تجربتها عبر مستويات ظلت تتطور من خلاله اللوحة واللغة الخاصة بالفنانة، وصولاً لأعمالها الأخيرة التي تشابك فيها الأسود والأبيض على غير العادة في علاقتها بالألوان في مُجمل أعمالها السابقة. «مازالت السيريالية هي الأساس الذي تشكّلت، من خلاله، لغتي الخاصة التي أعبر من خلالها عن أفكاري؛ وإن كنتُ أصبحتُ في الأعمال الأخيرة أكثر تجريدية ورمزية من سيريالية المراحل السابقة»، تقول ريما،» أنا من خلال السيريالية أُعبرُ عما أريد بحرية وأتركُ القراءة للمتلقي بحرية». وتعزو التزامها السيريالية، منذ بداية تجربتها، لأسباب كثيرة منها، «إن السيريالية أسلوب يمنحك الحرية في التعبير عن أفكارك بدون حواجز، علاوة على أنها تمثل وسيلة من وسائل الهروب من الواقع أو لنقل رفض الواقع أحياناً. ما يمكن قوله هو إن ثمة أسباب كثيرة تجعل من السيريالية أسلوب الفنان»، وتضيف، «كانت السيريالية تلفت اهتمامي كثيراً منذ البداية، حيث وجدتُ أنها تمنحني القدرة على التعبير بحرية بدون قيود، كما أنني معها عندما أبدأ الرسم لا أفكر كثيراً بأي طريقة وبأي أسلوب، فما أفكر به أعبّر عنه لونياً وتلقائياً، أي شيء يملأني في تلك اللحظة أعبّر عنه لونياً. لقد وجدتُ من خلال السيريالية، الأسلوب واللغة التي من خلالها اتواصل مع المتلقي وأوصل فكرتي لأي متلق في أي مجتمع وأي ثقافة وأي زمان». الخامات مرّت تجربتها بعددٍ من المراحل في علاقتها بالسيريالية، وهو ما يمكن تمييزه -مثلاً- وبوضوح من خلال اشتغالها على الخامات؛ فتنوعت خاماتها على مدى تجربتها؛ فاشتغلت على الألوان المائية والفحم والسيراميك والفخار والخشب والورق وغيرها، وإن كانت تميّزت كثيراً بالاشتغال على الألوان الزيتية، وبرزت خلالها تحديداً في توظيف الأصفر كثيراً ضمن لغتها، وكان للحضور الطاغي لهذا اللون دلالات كثيرة أبرزها التعبير عن مدى انفعالها وتفاعلها مع أفكارها خلال تشكل لوحتها. اشتغلتْ في أعمالها الأخيرة على اللونين الأسود والأبيض، اللذين شكلا أساساً تقنياً للمرحلة الراهنة للوحتها في علاقتها بالحبر الصيني… وعزتْ اختيارها لهذه الخامة لعدة أسباب أهمها «العامل المادي وسهولة توفرها، وأنها أيضاً لا تحتاج لمكان كبير في تنفيذ الأعمال سوى اسكتش وأقلام الحبر وبعض الأدوات البسيطة». «كما أحاول أن أعوض بهذا الأسلوب عما ينقصني من مهارات في علاقتي بالخامات، كما تساعدني في توصيل الفكرة من خلال تحدي استخدام علامة واحده فقط» تقول ريما. المُتلقي في علاقتها بالمتلقي تؤمن ريما بأن قراءة وفهم المُتلقي لموضوعاتها أمر مهم: «لو لم يستطع المتلقي قراءة لوحتي فهذا يعني أنني لم أنجح». ألا يزعجك أن يعجز بعض المُتلقين عن فهم لوحاتك، لاسيما أن متذوقي الفن التشكيلي في اليمن مازالوا محدودين، كما أن السيريالية تحتاج حراكاً تشكيلياً ومتلقين يمتلكون وعياً يمكّنهم من فتح وقراءة اللوحة؟ - اللغة التي أعبر من خلالها هي مفتوحة وأكثر شمولية، وأجدها أبلغ لكل زمان ومكان وثقافة ومجتمع كالموسيقى مثلاً، لكن السيريالية تحتاج لتعود وتدرب، واتفق معك في أن أعمالي قد لا يفهمها سوى المثقف فقط، لكن الإنسان العادي يمكنه أن يقرأها، إلا أنه يجب أن نعطي فرصة للفرد في مجتمعنا في أن يتعلم ويفهم ويرى بوضوح وبحرية أيضاً.