تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها    التخطيط والتعاون الدولي واتحاد بنوك مصر يوقعان بروتوكول تعاون لتعظيم الاستفادة من منصة «حافز»    ترامب: انخراط واشنطن في النزاع بين إيران وإسرائيل وارد    ليبيا.. الدبيبة يعرض على وفد أممي رؤية حكومته لانتخابات شاملة    محمد صلاح يوجه رسالة للجماهير في عيد ميلاده ال33    رسميًا.. جاتوزو مدربًا جديدًا لمنتخب إيطاليا خلفًا لسباليتي    مدير التأمين الصحي بالقليوبية تتفقد امتحانات التمريض في مدرسة التمريض ببنها    فيلم شرق 12 يبدأ عرضه في زاوية ويُتوّج مسيرته العالمية بمناقشة مع صنّاعه    تأجيل أولى جلسات محاكمة المتهم بالانضمام ل " جماعة طالبان " الإرهابية ل 7 سبتمبر    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد صدمة وفاة شقيقها نور الدين    إعلام إسرائيلى: صفارات الإنذار تدوى فى الجولان والجليل ومنطقة حيفا    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    دعاء دخول امتحان الثانوية العامة لراحة القلب وتيسير الإجابة    تأجيل نهائي كأس أمير الكويت لأجل غير مسمى بسبب أحداث المنطقة    رئيس الوزراء العراقي: العدوان الإسرائيلي على إيران يمثل تهديدا للمنطقة    السيسي يصدق على إطلاق مبادرة «مصر معاكم» لرعاية أبناء الشهداء    مدبولى: مخطط طرح أول المطارات المصرية للإدارة والتشغيل قبل نهاية العام الجاري    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    رئيس مجلس الدولة يفتتح فرع توثيق مجمع المحاكم بالأقصر    ضبط 4 أطنان سلع مجهولة المصدر في حملة تموينية مكبرة بمركز ومدينة بسيون    خالي قتل أمي بكوريك.. القصة الكاملة لجريمة بالغربية سببها علبة سجائر    استمرار أعمال توريد القمح بتوريد 508 آلاف طن قمح منذ بدء موسم 2025 بالمنيا    محافظ الشرقية يستقبل أسقف ميت غمر ودقادوس وبلاد الشرقية والوفد الكنسي المرافق    صحيفة أحوال المعلم 2025 برابط مباشر مع الخطوات    نقابة المهن الموسيقية برئاسة مصطفى كامل تنعى نجل صلاح الشرنوبي    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    مكتبة الإسكندرية تطلق أحدث جوائزها للمبدعين الشباب    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    لطلبة الثانوية العامة.. تناول الأسماك على الغداء والبيض فى الفطار    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    النواب يحذر من تنظيم مسيرات أو التوجه للمناطق الحدودية المصرية دون التنسيق المسبق    شكوك حول مشاركة محمد فضل شاكر بحفل ختام مهرجان موازين.. أواخر يونيو    5 جوائز ل قرية قرب الجنة بمسابقة الفيلم النمساوي بڤيينا    ماشى بميزان فى سيارته.. محافظ الدقهلية يستوقف سيارة أنابيب للتأكد من الوزن    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    حسين لبيب يعود إلى نادي الزمالك لأول مرة بعد الوعكة الصحية    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعى بكليات الجامعة ومعاهدها    محافظ أسيوط: استمرار حملات تطهير الترع لضمان وصول المياه إلى نهاياتها    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    انقلاب ميكروباص يقل 14 من مراقبي الثانوية العامة وإصابة 7 بسوهاج    البابا تواضروس يترأس قداس الأحد الثاني من بؤونة بكنيسة العذراء والشهيدة مارينا بالعلمين (صور)    دراسة: لقاح كوفيد يحمى من تلف الكلى الشديد    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    أخر موعد للتقديم لرياض الأطفال بمحافظة القاهرة.. تفاصيل    التعليم العالى: المؤتمر ال17 لمعهد البحوث الطبية يناقش أحدث القضايا لدعم صحة المجتمع    توافد طلاب الدقهلية لدخول اللجان وانطلاق ماراثون الثانوية العامة.. فيديو    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    لافتة أبو تريكة تظهر في مدرجات ملعب مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسطردة القطة وعلف الخنزيرة!
نشر في نقطة ضوء يوم 12 - 03 - 2018

«كيف تجعل الناس يقبلون بلا تذمر ما كانوا يرفضونه بالأمس؟»، سؤال يطرحه أحد النازيين على زميله في مشهد مسرحي كتبه الشاعر والمسرحي الألماني برتولت بريشت، فيشير النازي الآخر إلى قطة تستلقي تحت الشمس قائلاً لزميله: لنفترض أنك تريد أن تطعم هذه القطة ملعقة كبيرة من المسطردة، سواءً كرهت القطة ذلك أم أحبته، ماذا تفعل؟ فيقترح صديقه أخذ ملعقة المسطردة وإدخالها إلى فم القطة قسراً، فيذكِّره صديقه بأن القطة ستبصق المسطردة على الفور بدون أن تبلع نقطة منها، ولن ينوبه من محاولته سوى خربشات لا تعد ولا تحصى، ثم يطلب من صديقه المندفع أن يراقبه جيداً، حين يتناول ملعقة المسطردة ويقوم بسرعة ماهرة بلصقها بمؤخرة القطة البائسة التي ستحاول وهي مأخوذة من شدة الألم، أن تلعق المسطردة كلها لعلها تستريح من الألم، قائلاً لصديقه بلهجة المنتصر: «هل ترى يا عزيزي؟ الآن تلتهم المسطرة وبكامل إرادتها».
في مسرحيته الرائعة (99 في المئة) التي ترجمها سمير جريس، والتي تقدم مشاهد كاشفة لبؤس الحياة في ظل النازية، يفتتح بريشت مشهداً مهماً عنوانه (المخبر) بهذه السطور: «ها هم السادة المعلمون، الصبي يشد أذنهم، ويعلمهم أن يقفوا مشدودي الصدر، كل تلميذ مخبر، ليس على التلاميذ أن يعرفوا شيئاً عن الأرض والسماء، بل من يعرف ماذا عن من؟ ثم يأتي الأطفال الأعزاء وينادون على الجلادين والقامعين ويأخذونهم إلى البيت، ثم يشيرون إلى الآباء، ويصرخون: خونة، فيُعتقلون بالقيود والسلاسل».
في تقديمه للمسرحية يشير سمير جريس إلى الكلمة التي ألقاها بريشت سنة 1935 في المؤتمر الدولي للكتاب المنعقد في باريس، والتي هاجم فيها زملاءه الذين اعتبروا النازية مرضاً عابراً أصاب الجسد الألماني، وأتباع هتلر حثالة لا تمثل ألمانيا والألمان، لأنه كان يرى الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، ويعتبر النازية والفاشية نتيجة مباشرة للنظام الرأسمالي المتوحش الذي يدافع عن مصالحه بالأنياب والأظافر، مستغلاً الطبقة العاملة أبشع استغلال، وهو ما جعل هتلر يتحالف مع رجال أعمال مرموقين، يشير جريس إلى بعض أسمائهم، ثم يستشهد بكلمات بريشت التي يرى فيها أن من يهاجمون الفاشية بدون مهاجمة أسبابها أو محاولة اجتثاث جذورها، أي بدون مهاجمة النظام الرأسمالي الظالم «كمن يريدون نصيبهم من العجل، لكنهم لا يريدون ذبحه، يريدون أكل لحم العجل لكنهم لا يريدون رؤية الدماء، وهم يشعرون بالرضا عندما يغسل الجزار يديه قبل أن يقدم لهم اللحم».
في مشهد آخر من مشاهد المسرحية يلتقي مسجونان في فناء أحد السجون، فيعرف كل منهما أن الآخر خباز، يقول المسجون الأحدث لزميل مهنته أنهم قبضوا عليه لأنه لم يقم بخلط النخالة والبطاطس مع عجينة الخبز، لكي يزيد وزنه، ثم يسأل المسجون الذي سبقه إلى السجن قبل سنتين عن سر سجنه، فيقول له: لأنني خلطت النخالة والبطاطس مع عجين الخبز، فقد كانوا يطلقون على ذلك قبل سنتين غشاً في المواد الغذائية.
في مشهد يسخر من تعليمات الدولة القمعية المرتبكة، ويحمل عنوان (الفلاح يعلف الخنزيرة)، تدور أحداثه عام 1937 في مزرعة بأيشاخ، يقف الفلاح أمام باب الحظيرة معطياً تعليماته لزوجته وطفليه بأن يغلقوا أفواههم، وإلا دخل أبوهم السجن مدى الحياة، ثم يذكرهم بأنه حين يعطي العلف للماشية الجائعة، لا يرتكب شيئاً ضد القانون، لأن الرب لا يريد أن تجوع المخلوقات، والخنزيرة إذا جاعت صرخت، وهو لن يتحمل سماع صرخاتها، ولذلك سيقدم لها العلف لكي لا تموت، لأن الدولة لن تعوضه عنها لو ماتت، تؤكد زوجته على كلامه وتضيف إليه أن الدولة لم تأخذ رأيهم حين وضعت خطتها التي تقضي بعدم تقديم العلف للماشية في الحظيرة، ثم يطلبان من أولادهما مراقبة الحظيرة من الخارج لتحذيرهما إذا اقترب أحد، ثم يقف الفلاح أمام الخنزيرة قائلاً: خذي كلي يا لينا، هايل هتلر، إذا جاع أحد المخلوقات فليس هناك دولة».
في آخر مشاهد المسرحية، الذي يدور في برلين عام 1938 داخل شقة يجلس فيها رجلان وامرأة من العمال، يناقشون الموقف الذي يمكن اتخاذه من الاستفتاء الشعبي الذي تنظمه دولة هتلر، ويحشد له إعلامه، الأصوات المؤيدة المهللة، يعلن العامل الشاب أسفه لعدم استطاعتهم إصدار ولو منشور صغير ضد ذلك الاستفتاء بسبب خطورة الأوضاع، يوافقه العامل المسن الذي يشير إلى الراديو، الذي ينبعث منه الضجيج قائلاً إن عليهم الاعتراف بأن النازيين يزدادون سلطة وقوة، فتشكك المرأة في قوله، ثم تخرج رسالة أرسل بها معتقل قبل لحظات إعدامه، وتقول إنها بفضل ضجيج الراديو النازي ستتمكن من قراءتها بصوت عالٍ بدون أن يسمع أحد الجيران، ثم تبدأ في قراءة الرسالة التي يطلب المحكوم بالإعدام فيها من ابنه أن يهتم بأمر أمه وشقيقاته وأن يكون ذكياً ويرسل تحياته للجميع، ثم يخبره بأنه سيُعدم غالباً في السادسة صباحاً، وأنه يكتب له على أمل أن يفكر الابن مستقبلاً في انحيازاته وانتماءاته، ليشعر الأب أنه لم يلق مصيره عبثاً، وأنه يهمه أن يعرف ابنه أن والده لم يغير مبادئه، ولم يقدم التماساً لأنه لم يرتكب جرماً، ثم يضيف الأب «حتى إن كان يبدو أنني لم أصل إلى شيء، كأنني لم أصل إلى شيء، لم أصل إلى شيء، ليست هذه هي الحقيقة. كل في مكانه، يجب أن يكون هذا هو شعارنا، مهمتنا صعبة جداً، ولكنها أعظم مهمة في الوجود: تحرير البشرية من القامعين. ليس للحياة قيمة قبل أن نصل إلى هذا الهدف، إذا غاب هذا الهدف عن أعيننا، غرقت البشرية كلها في أوحال الهمجية، مازلت صغيراً جداً ولكن لن يضرك إذا فكرت دائماً في الجبهة التي تنتمي إليها».
لم يطلب بريشت من شخصيات المشهد الرافضة لما حولها أن تتخذ فعلاً بطولياً كالذي فعله مرسل الرسالة، فأقصى ما فكرت فيه المرأة هو كتابة لا في ورقة الاستفتاء الهزلي، لم يسخر من إحباطهم الشديد بفعل أمواج النفاق والكذب التي تحيط بهم من كل اتجاه، فقد كان بريشت يكتب المسرحية من منفاه، بعد أن فر من بطش النازيين، حيث كتب معتذراً إلى الأجيال القادمة عن إخفاق جيله في مواجهة الزمن الفاشي الأسود «الذي يوشك الحديث عن الأشجار فيه أن يكون جريمة، لأنه يتضمن الصمت عن أهوال لا تحصى»، ولأنه كان يدرك ذلك جيداً، ولأنه لم يتمكن من تحقيق أمنيته في أن «يتجنب الخصام في العالم ويعيش وقته القصير بلا خوف، ويحيا بلا عنف»، ولأنه كان يدرك أن وقته الممنوح له على الأرض قصير، لم يجد ما ينهي به مسرحيته أفضل من تلك الرسالة البليغة التي يوجهها أب لابنه الذي يتمنى الأب له أن يعيش زمناً أفضل، ولا يطلب منه إلا أن يعرف دائماً مكانه الحقيقي في الحياة، ويفكر في الموقع الذي سينتهي إليه، لكي يكون لحياته هدف، ولتضحيات أبيه معنى.

«99 في المئة»: الخوف والبؤس في الرايخ الثالث مسرحية لبرتولت برشت ترجمة سمير جريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.