يركب الخطاط جاسم المعراج مجموعة من الحروف والخطوط المختلفة في نسق متكامل برمزية وإيحاء، ليقدم بلاغة خطية جديدة في المشهد الحروفي العربي والإسلامي. يتوخى من خلالها كائنية الحرف وشموليته، وإحداث مسلك خطي عربي إسلامي متفرد، فاختار طريقة مائزة في التعبير، ليرسم بخطوط عربية متباينة بحركات يبسط أشكالها بكميات مختلفة في الفضاء. وبذلك فأعماله في مجملها تحقق أشكالا جديدة تستهدف جمالية الحرف في إطار مضبوط القواعد، ومحكم الجماليات، بتنظيم فارقي لكل المفردات والعناصر المكونة للقاعدة الحروفية العربية الإسلامية. فتتجسد سحرية الخط العربي في كونيته من خلال عمليات التركيب المتنوعة، ومن خلال عمليات التثبيت المحكمة والمنظمة داخل الفضاء، وتظهر أشكال الخط العربي، خاصة في خط الثلث ومجمل الخطوط الأخرى مكثفة في الفضاء باحترام لضوابطها، وهو ما يحيل إلى أن قلم المبدع جاسم المعراج يترصد التوظيف الجمالي المحكم لكل المفردات الفنية، من ألوان وخطوط وخامات واختزال للمساحات، بتصور يستهدف الرقي بالفضاء الحروفي نحو الأجمل. ويتبدى من خلال أعماله أن هذا التأطير يأتي في سياق التجربة الفنية للخطاط جاسم المعراج التي تروم التجديد الحروفي المعاصر، باستعمالات أكثر دقة وأكثر حفاظا على الموروث العربي الإسلامي وضوابطه وتقييداته، وهو ما يوضح المشروع الفني الذاتي للخطاط جاسم المعراج، الذي يؤلف بين التداعيات الثقافية بحمولتها التراثية العربية الإسلامية، والتداعيات الفنية بسحرها الجمالي المرصع بنشوة الموروث الخطي الأصيل بمنمنماته الرائقة، وخزان من الأشكال والألوان المعاصرة المدججة بالتقنيات المعاصرة، إذ يبدع ويشكل أنواعا مختلفة في الكثافة والتموقع اللوني والحرفي، على كل المستويات داخل الفضاء. وهي مكونات تترسب في ذهن الخطاط جاسم المعراج فيطبقها بقدر ما تستدعيه الساحة الحروفية العربية الإسلامية من تجديد وتحديث وعصرنة. وهذا من مميزات الخط في التشكيل العالمي، فضلا عن العلاقة بين جماليات الخط وجماليات التشكيل والتعبير. وفي هذا المنحى نجد نوعا كبيرا من التوازن الإبداعي لدى الخطاط جاسم المعراج، بين الخط في نطاقه الأصيل وصناعة الأشكال منها الدائرية والمستطيلة.. فإن حِرفيته وموهبته ورؤاه الخطية تمنح القراء عموما تحويلا جذابا، يتمثل الكلَّ الفني في الخط، ويجمع المفردات الحروفية بنوع من الدقة والضبط، ويبدد الغموض ويختزل بعضا من المساحات، سواء تعلق الأمر بالأشكال الدائرية أو المستطيلة أو المسطحة. ينجز تركيبات متوالفة خفيفة وأخرى كثيفة رائقة، بنوع من التبسيط، بانتقاء دقيق وتسويغ تحكمه الجماليات المتعددة، حتى يتراءى الدال الخطي حمّالا لأوجه من المعاني العربية الإسلامية لتتوارى في أسمال ما ورائيات الشكل الحروفي، وهو بعض من التقديم البلاغي للرؤية البصرية التي تستجلي غالبا دلالات إضافية. وهذا يحيل إلى أن الخطاط جاسم المعراج يبني فضاءه على ميزان فني معرفي مركّب، يغلِّب المجال الحسي أحيانا، ويغلب المجال البصري أحيانا أخرى، لكنه مليء بالطاقة التعبيرية، ويروم إبراز الملامح الجمالية للحرف العربي في كونيته داخل جمال اللون والفضاء. وفي سياق آخر، فإن الحروفية المتنوعة الأشكال الجمالية التي يشتغل عليها الخطاط المعراج تستحوذ على معظم أعماله، لتشكل مفردات أيقونية أساسية لبعث الجديد، في عملية تشكُّل البناء الفني، فيحول الحروف المتنوعة والمختلفة بناء وشكلا إلى مشاهد إيحائية باعتبارها أحد المكونات الأسلوبية ذات القيمة الفنية التي تنتج العديد من الدلالات البصرية التي تحتمل التأويلات الجمالية المتعددة؛ ويحولها إلى رموز لها خاصياتها ومكانتها داخل الفضاء وداخل المنظومة الخطية العربية الإسلامية.