استقرار أسعار الذهب في مصر بعد تراجع الدولار    عاجل:- السعودية تمنع دخول مكة لحاملي تأشيرات الزيارة خلال موسم الحج    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 23 مايو 2024    أسعار الدواجن واللحوم اليوم 23 مايو    فلسطين.. إصابات جراء استهداف زوارق الاحتلال الصيادين شمال غرب خان يونس    ماذا يعني اعتراف ثلاث دول أوروبية جديدة بفلسطين كدولة؟    باحثة ب«المصري للفكر والدراسات»: قلق دولي بعد وفاة الرئيس الإيراني    العثور على ملفات حساسة في غرفة نوم ترامب بعد تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي    ليلة التتويج.. موعد مباراة الهلال والطائي اليوم في دوري روشن السعودي والقنوات الناقلة    تعليم الجيزة تكشف حقيقة تسريب امتحان الدراسات الاجتماعية بالجيزة    أخبار مصر: منع دخول الزائرين مكة، قصة مقال مشبوه ل CNN ضد مصر، لبيب يتحدث عن إمام عاشور، أسعار الشقق بعد بيع أراض للأجانب    محمد صلاح يثير الجدل مجددًا بنشر غلاف كتاب "محاط بالحمقى"    اللعب للزمالك.. تريزيجيه يحسم الجدل: لن ألعب في مصر إلا للأهلي (فيديو)    نشرة «المصري اليوم» الصباحية..قلق في الأهلي بسبب إصابة نجم الفريق قبل مواجهة الترجي.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم قبل ساعات من اجتماع البنك المركزي.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم الخميس 23 مايو 2024    رحيل نجم الزمالك عن الفريق: يتقاضى 900 ألف دولار سنويا    أول دولة أوروبية تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو.. ما هي؟    ناقد رياضي: الأهلي قادر على تجاوز الترجي لهذا السبب    والد إحدى ضحايا «معدية أبو غالب»: «روان كانت أحن قلب وعمرها ما قالت لي لأ» (فيديو)    سيارة الشعب.. انخفاض أسعار بي واي دي F3 حتى 80 ألف جنيها    سر اللعنة في المقبرة.. أبرز أحداث الحلقة الأخيرة من مسلسل "البيت بيتي 2"    وأذن في الناس بالحج، رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادا للركن الأعظم (صور)    رئيس الزمالك: شيكابالا قائد وأسطورة ونحضر لما بعد اعتزاله    ارتفاع عدد الشهداء في جنين إلى 11 بعد استشهاد طفل فلسطيني    هل يجوز للرجل أداء الحج عن أخته المريضة؟.. «الإفتاء» تجيب    محافظ بورسعيد يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 85.1%    ضبط دقيق بلدي مدعم "بماكينة طحين" قبل تدويرها في كفر الشيخ    المطرب اللبناني ريان يعلن إصابته بالسرطان (فيديو)    بالأسم فقط.. نتيجة الصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2024 (الرابط والموعد والخطوات)    4 أعمال تعادل ثواب الحج والعمرة.. بينها بر الوالدين وجلسة الضحى    أمين الفتوى: هذا ما يجب فعله يوم عيد الأضحى    تسجيل ثاني حالة إصابة بأنفلونزا الطيور بين البشر في الولايات المتحدة    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23 مايو في محافظات مصر    وزير الرياضة: نتمنى بطولة السوبر الأفريقي بين قطبي الكرة المصرية    البابا تواضروس يستقبل مسؤول دائرة بالڤاتيكان    تشييع جثمان ضحية جديدة في حادث «معدية أبو غالب» وسط انهيار الأهالي    بالأرقام.. ننشر أسماء الفائزين بعضوية اتحاد الغرف السياحية | صور    ماهي مناسك الحج في يوم النحر؟    سي إن إن: تغيير مصر شروط وقف إطلاق النار في غزة فاجأ المفاوضين    محمد الغباري: مصر فرضت إرادتها على إسرائيل في حرب أكتوبر    حظك اليوم وتوقعات برجك 23 مايو 2024.. تحذيرات ل «الثور والجدي»    محلل سياسي فلسطيني: إسرائيل لن تفلح في إضعاف الدور المصري بحملاتها    محمد الغباري ل"الشاهد": اليهود زاحموا العرب في أرضهم    بسبب التجاعيد.. هيفاء وهبي تتصدر التريند بعد صورها في "كان" (صور)    22 فنانًا من 11 دولة يلتقون على ضفاف النيل بالأقصر.. فيديو وصور    مراسم تتويج أتالانتا بلقب الدوري الأوروبي لأول مرة فى تاريخه.. فيديو    ماذا حدث؟.. شوبير يشن هجومًا حادًا على اتحاد الكرة لهذا السبب    مختار مختار : علامة استفهام حول عدم وجود بديل لعلي معلول في الأهلي    بقانون يخصخص مستشفيات ويتجاهل الكادر .. مراقبون: الانقلاب يتجه لتصفية القطاع الصحي الحكومي    احذر التعرض للحرارة الشديدة ليلا.. تهدد صحة قلبك    «الصحة» تكشف عن 7 خطوات تساعدك في الوقاية من الإمساك.. اتبعها    أستاذ طب نفسي: لو عندك اضطراب في النوم لا تشرب حاجة بني    هيئة الدواء: نراعي البعد الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين عند رفع أسعار الأدوية    إبراهيم عيسى يعلق على صورة زوجة محمد صلاح: "عامل نفق في عقل التيار الإسلامي"    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن فى مستهل التعاملات الصباحية الاربعاء 23 مايو 2024    طالب يشرع في قتل زميله بالسكين بالقليوبية    عمرو سليمان: الأسرة كان لها تأثير عميق في تكويني الشخصي    البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان يلتقي الكهنة والراهبات من الكنيسة السريانية    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«باترسون» للأمريكي جيم جارموش: قصيدة حب للأشياء الصغيرة
نشر في نقطة ضوء يوم 25 - 11 - 2017

في فيلمه «باترسون» (2016) يقدم لنا المخرج الأمريكي جيم جارموش قصيدة حب للأشياء الصغيرة، للحياة بتفاصيلها البسيطة، لإيقاع الحياة اليومية الذي يتكشف لنا أنه على تكراره ليس رتيبا بالمرة، ولكن يحفل بالاختلافات والبهجة.
الفيلم أيضا احتفاء بالشعر وخلقه وإبداعه، فما أصدق الشعر حين يعبر عن تلك المشاعر الإنسانية الصغيرة التي نختبرها في حياتنا.
بلدة باترسون في ولاية نيوجيرسي هي موطن الشاعر الأمريكي وليام كارلوس وليامز (1883 1963)، الذي كتب قصيدته الطويلة «باترسون» عن البلدة وأهلها، والذي جعل من تأمل المدينة الصغيرة وحياتها اليومية سبيله لفهم الإنسان والتعبير عنه. تدور أحداث فيلم جارموش أيضا في باترسون في ولاية نيوجيرسي، وهو فيلم يحتفي بالشعر وبالحياة وإيقاعاتها المتنوعة البسيطة.
في بلدة باترسون يعيش باترسون (آدم درايفر)، الشخصية المحورية في الفيلم، وهو سائق حافلة وشاعر يحيا حياة بسيطة صغيرة، ولكنها عامرة بالمشاعر والتفاصيل ثرية في المشاعر على بساطتها. دوما نلمح طيف ابتسامة متأملة على وجه باترسون الذي تتبدى لنا حياته كقصيدة حافلة بالإيقاعات اليومية المتنوعة.
يتقاسم باترسون حياته مع حبيبته لورا (غولشيفته فرحاني)، ذات المواهب الإبداعية المتعددة، التي تزين بيتهما الصغير بإبداعاتها من الستائر والطلاء واللوحات، ويشاركهما الحياة والبيت كلبهما المشاكس اللطيف مارفن. تتمهل الكاميرا على تفاصيل بيت باترسون ولورا، العامر بالحب والفن والإبداع والدفء على بساطته، وفي رحلة باترسون اليومية من البيت إلى الموقف الكبير للحافلات تكاد الكاميرا تعانق مباني باترسون القرميدية وشوارعها الصغيرة ووجوه سكانها.
باترسون شاعر يخط قصائد من القلب في دفتره السري الصغير الذي يقرأ ما يحويه على لورا، ولكنه لا يسعى لنشر ما يكتب أو نسخه. يكتب قصائد يودعها مكنون نفسه ولكنه لا يسعى من ورائها إلى شهرة. يقود باترسون حافلته منتبها للطريق ولكن شعره وقصائده هما رفيقا دربه في رحلة حافلته اليومية عبر باترسون، فهو يطورالقصيدة في ذهنه وهو يقود الحافلة، ليخطها في كراسه وهو يتأمل الشلال المتدفق في باترسون في استراحته للغداء. باترسون يتأمل الحياة اليومية حوله ويصوغها في قصدية، ونحن بدورنا نتأمل حياته ونستمد من تنوعاتها البسيطة الحكمة والبهجات الصغيرة. ربما يمكننا القول إن جارموش هو فيلسوف الحيوات الصغيرة، الذي يجسد في أفلامه شخصيات وأحداثا ذات مغزى إنساني عميق على بساطتها.
يماثل الفيلم في تكوينه ديوان شعر، كل يوم قصيدة من قصائد هذا الديوان، ويبدأ جارموش قصيدة اليوم باسمه مكتوبا على الشاشة، «الاثنين» مثلا، ونرى ذلك التوازي بين أحداث اليوم الذي تنظمإيقاعه أحداث متكررة وبين القصيدة التي ينظمها باترسون والتينرى نصها على الشاشة. ينتظم عقد الفيلم القصيدة في أسبوع من حياةباترسون ولورا.
ويكمن إبداع الفيلم وإبداع جارموش الحقيقيان في اكتشاف أن ما يبدو كأحداث يومية رتيبة متكررة ليست بالرتيبة على الإطلاق، فكل يوم يحمل بهجة صغيرة واكتشافات مثيرة وقد يحمل بعض الشجن أيضا. في طريق باترسون اليومي للعمل تتنوع وجوه بلدة باترسون، ونرى الكثير من التوائم الذين يبدو جارموش مفتونا بتطابقهم المختلف طفيفا، ونرى شاعرة صبية تجاذب باترسون أطراف الحديث، ليكتشف أنا لها أيضا كراسها السري الذي تودعه قصائدها، وتتنوع الوجوه وقصص الركاب في حافلة باترسون. ويمارس باترسون جدوله اليومي الذي يبدو كما لو كان كل يوم فيه بيت في قصيدة تكشف أسرارها وتنوع موسيقاها الداخلية رويدا رويدا، فكل يوم حين يعود باترسون للمنزل، يكتشف تفصيلا جديدا في زينة المنزل، أو في طلائه، قامت بها لورا، وفي الحانة التي يرتادها مساء نرى فصول قصة حبيبين اثنين من رواد الحانة، ونكتشف مشاكسات كلب باترسون الذي يبدو للوهلة الأولى وديعا مستكينا. لقاءات كثيرة مع عابري سبيل، وصدف متعددة وشذرات أحاديث تشكل يوم باترسون وتضفي التنوع على إيقاعه، لقاءات على صغرها لا تمر مرور الكرام ولكنها تشكل وجدان الفيلم ووجداننا.
أحداث الفيلم، الذي كتب له جارموش السيناريو المحكم والحوار البليغ في شاعريته على بساطته، ليست بالأحداث الجسام، ولكن كل تنويع بسيط يضيف إلى حياة باترسون ويضيف إلى المنمنمات الصغيرة التي تشكل الصورة الكبيرة التي هي الحياة. جارموش هو فيلسوف الحيوات الصغيرة، وعلّ ما نراه جليا في الفيلم هو أن الحيوات الصغيرة لا تقل في عمقها وإنسانيتها عن الحيوات التي تحفل بالأحداث الكبار. فربما مثلا تغير محادثة عابرة مع عابر سبيل مسار يوم أو تمنحنا هدية بسيطة من غريب جرعة أمل، وهو ما يحدث لباترسون. «الدفتر الذي لم يُكتب فيه يحمل أكبر قدر من الاحتمالات»، هكذا تقول إحدى شخصيات الفيلم، ونحن بدورنا نقول إن الحياة الصغيرة بتفاصيلها الدقيقة تحمل أكبر قدر من الثراء الإنساني.
يمضي الفيلم كقصيدة، قصيدة هي الحياة بكل تفاصيلها، قصيدة نسمعها وباترسون يتلوها بصوته وهو يؤلف شعره وهو يدونه في دفتره السري الصغير، قصيدة تنسجها لورا أثوابا وفرشا للمنزل وتخبزها كعكا شهيا تزينه بيديها. الحياة والقصيدة هما تلك النغمات والأشياء الصغيرة التي تمنح الحياة معناها. باترسون ولورا لا يبحثان عن مغامرة كبيرة ولا ينتظران سعادات ضخمة، بل يجدان سعادتهما في حبهما لبعضهما بعضا وفي مساندتهما لبعضهما بعضا. يعلمان أن سعادتهما الحقة تكمن في بيتهما الصغير وفي عمل يحبانه، هو في كتابة الشعر وشغفه به، وهي في شغفها بمشاريعها الفنية. الحياة هي الحب والشغف والصدق فيهما.
في «باترسون» يقدم جارموش قصيدة مصورة، عذبة الإيقاع والصورة، أضفى عليها تصوير فريدريك إلمس الكثير من الشاعرية. يمضي الفيلم كقصيدة تنساب في هدوء يوضح تمكن مخرجه من صنعته وأدواته. ويؤدي درايفر شخصية باترسون بحساسية كبيرة تنقل هذه الحالة من الصفاء والسكينة التي تسكن سائق حافلتنا الشاعر، وتضفي فرحاني الكثير من البهجة على شخصية لورا، التي تملأ البيت والحياة دفئا، والتي نعلم أن باترسون يذوب فيها عشقا وأنها تحبه بصدق كبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.