في قاعة محكمة، تدور معظم احداث فيلم “قضية رقم 23″ لزياد دويري الذي يروي "قصة بلد هو لبنان"، بحسب ما يقول المخرج اللبناني، قصة يمكن ان تشكل نموذجا يحتذى لمصالحة لم تتم بين الاطياف المختلفة في البلد الصغير على الرغم من مرور اكثر من 25 عاما على انتهاء الحرب فيه. ويقول دويري عن فيلمه الجديد الذي حاز في مهرجان البندقية السينمائي السبت جائزة أفضل ممثل للفلسطيني كامل الباشا، "هي قصّة كرامة والبحث عن العدالة وقصّة بلد هو لبنان". ويضيف"دخلت على قدر الإمكان في التاريخ ولكن من دون مبالغة"، مشيرا الى انه أراد أن يثبت ان "ما من فئة (في حرب لبنان 1975-1990) يمكنها أن تقول عن نفسها أنّها كانت وحدها مضطهدة، وما من فئة يمكنها أن تقول إنها وحدها جُرحت، فثمة فئة أخرى لها الحق أن تقول أيضاً إنها دفعت دماً خلال الحرب". ويسلط "قضية رقم 23" الذي يبدأ عرضه في لبنان الخميس، الضوء على خلاف بين طوني (عادل كرم)، المسيحي المتطرف، وياسر (كامل الباشا)، اللاجئ الفلسطيني المسلم المقيم في احد مخيمات لبنان. ويتحول الخلاف الصغير بين الرجلين إلى مواجهة كبيرة في المحكمة تتطور الى قضية وطنية تفتح ملفات الحرب الاهلية المثيرة للجدل بلغة سينمائية جميلة ومتماسكة. ويرى الناقد السينمائي اللبناني نديم جرجورة ان الفيلم "يفتح نافذة ضرورية للإطلالة على فصول من الذاكرة اللبنانية ممنوع الاقتراب منها أو مقاربتها وتناولها وطرح أسئلتها، وعلى فصول من المشترك في هذا التاريخ وتلك الذاكرة بين لبنانيين وفلسطينيين". ويضيف "ان قضية رقم 23" يبحث بين أمور عديدة أخرى، في ضرورة المصالحة مع الذات. المصالحة مع الآخر لا تكتمل من دون المصالحة مع الذات. وهذه محتاجة إلى العودة إلى الماضي للخروج منه". وانطلقت شرارة الحرب اللبنانية في 1975 بعد إطلاق نار تعرضت له حافلة تقل فلسطينيين في بيروت، وتحولت الى قتال بين أحزاب مسيحية لبنانية من جهة ومنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تتخذ من لبنان مقرا آنذاك وأحزاب يسارية واسلامية من جهة أخرى. وشهدت خلال السنوات الطويلة تدخلات للجيش السوري والإحتلال الإسرائيلي الى جانب هذا الطرف او ذاك، واقتتالا داخليا في صفوف كل الاطراف، وتخللتها مجازر وعمليات تشريد واسعة، بعد انتهائها في 1991، أصدر البرلمان اللبناني قانون عفو عام عن كل جرائم الحرب. ولم يشكل لبنان على غرار دول أخرى شهدت حروبا وانقسامات مثل جنوب افريقيا والمانيا، لجانا تعنى بالمصالحة والمصارحة وتبيان الحقائق. وليست المرة الأولى التي يتطرق فيها دويري الذي يشكل "قضية رقم 23" فيلمه الروائي الرابع، الى موضوع الحرب اللبنانية الشائك. فقد تناول فيلمه الأول "بيروتالغربية" (وست بيروت) في العام 1998 حقبة بدايات الحرب من وجهة نظر مراهقين يعيشون في الطرف الغربي من بيروت الذي كان انذاك تحت سيطرة التنظيمات الفلسطينية المسلحة والقوى اليسارية اللبنانية. وطبع الفيلم تاريخ السينما المحلية ما بعد الحرب الاهلية بجرأته. ويقول دويري عنه بعد حوالي عشرين عاما من تصويره، "لو صوّرته اليوم لا أغيّر شيئا فيه، فكل شيء يأتي في وقته لأنه حصل في زمنه. عندما أخرجت الفيلم كانت عندي وجهة نظر معيّنة، وعندما أخرجت قضية رقم 23 كان عندي وجهة نظر مختلفة لا تنكر الأولى ولا تلغيها، فهذا تطوّر طبيعي في الحياة". وقال دويري الذي هاجر الى الولاياتالمتحدة في 1983 “الحرب اللبنانيّة رافقتني إلى لوس أنجليس وانقسام بيروت الشرقيّة والغربيّة بقي معي رغم انتهاء الحرب وفتح المعابر وإعادة توحيد العاصمة". ونال "بيروتالغربية" جوائز عدة ابرزها جائزة فرانسوا شاليه خلال مهرجان كان في العام 1998 وجائزة النقاد الدوليين في مهرجان تورنتو. وتركت الحرب بصماتها على السياسة اللبنانية حتى اليوم، وهي تتجلى في انقسامات عميقة واضطرابات أمنية متفرقة واستشراء الفساد. وفي إطار تداعيات الحرب هذه، اوقف زياد دويري في مطار بيروت الاحد لساعات وأُحيل على المحكمة العسكرية التي أخلت سبيله في اليوم التالي ولم توجه اليه اي تهمة.