ضمن جهودها المتواصلة لتوثيق مختلف التجارب الشعرية، خاصة تلك التي تركت بصمتها وتأثيرها بقوة في الساحتين الشعرية والفنية في الإمارات، صدر عن أكاديمية الشعر في لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية طبعة ثالثة مزيدة ومنقحة من ديوان الشاعر الإماراتي المعروف أحمد بن علي الكندي (1940 1985)، الذي يعد أحد أشهر شعراء النبط في الإمارات خلال القرن العشرين، حيث كان له حضوره المهم في الساحة الفنية في الإمارات، إذ كتب الكثير من القصائد الغنائية التي تغنى بها عدد من الفنانين، وكان من أهم الشعراء الذين ساهموا في تطوير القصيدة الشعبية والمحافظة على وجودها وجمالها بين الفنون والآداب الشعبية الأخرى. والديوان من جمع وتحقيق علي بن أحمد الكندي المرر، ويقول في تقديمه للإصدار "إن هذا العمل الذي بين أيديكم هو محاولة جادة لجمع ما أمكن من قصائد الشاعر أحمد بن علي الكندي، واستكمال لمحاولات سابقة لجمع القصائد التي لا نزال نبحث عن المزيد منها، وهذا العمل جزء بسيط من الجهود التي نقوم بها ونبذلها لحفظ تراث الإمارات، الذي يستحق أن نقضي فيه معظم ساعاتنا، ونصرف من أجله جل أوقاتنا، لأنه الماضي الذي يقودنا إلى المستقبل، مستحضرين بالمقولة الحكيمة للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: "من ليس له ماض، ليس له حاضر ولا مستقبل". ويقع الكتاب في 334 صفحة في حلة أنيقة وفي قطع من الحجم المتوسط، وضمّ الكتاب الجديد بين دفتيه معلومات حول حياه الشاعر، ثم قصائد الديوان التي أخذت الجزء الأكبر منه، تلتها قصائد المشاكاة والمردّة، ثم القصائد النحوية القريبة من الفصحى، وقد بلغ عدد قصائد الديوان 135 قصيدة ومقطوعة شعرية. كما يتضمن الديوان أيضاً قصائد تنشر لأول مرة للشاعر الراحل، ويشتمل الديوان على ملحقين، يحتوي الأول على صور نادرة للشاعر الراحل مع أسرته وأصدقائه، أما الملحق الثاني فيتضمن قصائد بخط الشاعر، وبعض من الوثائق الشخصية له، وهي تنشر للمرة الأولى أيضاً. ويتميّز الديوان بتوثيقه للمناسبات والأحداث التي قال الشاعر بسببها مختلف قصائده، كما تتضمن القصائد في هوامشها شرحاً لمفرداتها ذات الخصوصية في اللهجة الإماراتية، وإشارات للمناطق والمواقع التي ذكرها الشاعر في قصائده، وكانت مسرحاً للعديد منها، كما تضمنت الهوامش إشارات إلى جميع القصائد المغناة للشاعر. ويعد الشاعر أحمد بن علي بن الكندي بن علي بوملحا المرر أحد أهم شعراء النبط في دولة الإمارات، وهو حفيد الشاعر المعروف علي بوملحا المرر، ولد في ليوا في عام 1940، ونشأ في كنف عمه مصبح الكندي بعد وفاة والده وهو في السنوات الأولى من عمره، وعندما بلغ الثالثة عشرة التحق بالحياة العسكرية حيث عمل في شرطة أبوظبي في مختلف المراكز التابعة لها، ثم انتقل بعدها للعمل في دائرة الكهرباء في الإمارة نفسها، كما عمل في إحدى شركات التنقيب عن النفط في الدولة. وقد عُرف عنه ولعه بهواية الصيد بالصقور، واشتهر بإتقانه العزف على آلة الربابة التي كانت ترافقه دائما، وقد سجل في الثمانينيات العديد من التسجيلات الصوتية التي يلقي فيها قصائده بمصاحبتها، وتولى مع بداية قيام الاتحاد رئاسة مجلس شعراء البادية في منطقة (ليوا)، وصورت في منزله أغلب الحلقات التلفزيونية للمجلس. أما أشعاره فقد اتسمت بجزالة المعنى ورقة العاطفة والتصوير، وانعكست عليها شخصيته اللطيفة والحساسة، إذ عُرف عنه أنه كان سريع التأثر وذا نفس جياشة، كما كان من المجددين في مفردات القصيدة النبطية في الإمارات، ونظم على مختلف الأوزان الشعرية، ودارت بينه وبين عدد من شعراء عصره العديد من المساجلات الشعرية، أمثال الشاعرة فتاة العرب والشاعر صالح بن عزيز المنصوري وعبدالله بن عامر الفلاسي وراشد بن دسمان وسلطان بن هيّاي المنصوري. وكان للشاعر الكندي حضوره المهم في الساحة الفنية في الإمارات، إذ كتب الكثير من القصائد الغنائية التي تغنى بها عدد من الفنانين، وقد استمر في عطائه الشعري إلى وفاته في 26/12/1985.