بمشاركة 46 متدربًا من 22 دولة أفريقية.. اختتام الدورة التدريبية ال6 لمكافحة الجريمة    أمين البحوث الإسلامية يبحث مع رئيس جامعة أسيوط تعزيز التعاون لنشر الوعي بين الطلاب    محافظ الجيزة يشهد فعاليات توزيع شهادات إتمام دراسة طريقة برايل 2025 لمتحدي الإعاقة البصرية    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    مسئولو «الإسكان» يتابعون ملف التقنين ومعدلات التنفيذ بالأراضي المضافة بالعبور الجديدة    ارتفاع الذرة المستوردة وانخفاض المحلية، أسعار الأعلاف والحبوب اليوم في الأسواق    الإحصاء: معدل البطالة 6.4٪ خلال الربع الثالث لعام 2025    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية الأحد 16 نوفمبر 2025    وزارة الزراعة: متابعة المستفيدين من مشروع البتلو وتقديم الدعم الفني    اعتماد تعديل المخطط التفصيلي لأرض مشروع «كابيتال جروب بروبيرتيز» بمدينة الشروق    النائب حازم الجندي: الاستراتيجية الوطنية للصحة الرقمية تعزز قدرة الدولة على إدارة القطاع الصحي بكفاءة    أيمن الجميل: إعفاء السلع المصرية من الرسوم الجمركية الصينية فرصة لزيادة الصادرات وتعزيز القطاعات الاستثمارية والصناعية    تقارير: زين الدين زيدان يقود منتخب فرنسا بعد انتهاء كأس العالم 2026    مسؤول أممي: الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر وصمة عار    سفن صينية تدخل مياه يابانية متنازع عليها في ظل توتر العلاقات    أبوريدة يجتمع مع منتخب مصر المشارك في كأس العرب    موعد مباراة إيطاليا والنرويج.. والقنوات الناقلة في تصفيات كأس العالم 2026    بدوري الأبطال .. الأهلي ينتظر الموافقة على حضور 50 ألف مشجع أمام شبيبة القبائل    تقارير : زين الدين زيدان يقود منتخب فرنسا بعد انتهاء كأس العالم 2026    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    إحالة عاطلين بتهمة الاتجار بالمواد المخدرة في روض الفرج للجنايات    ضبط سيدة اعتدت على ابنتها وأصابتها بنزيف بالمخ في كفر الشيخ    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    حالة الطقس في السعودية اليوم الأحد.. أمطار رعدية غزيرة وتحذيرات من السيول    تعليم الإسماعيلية: يعلن جداول امتحانات شهر نوفمبر للعام الدراسي 2025/2026    ضبط 143718 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    «البيئة» تشن حملة موسعة لحصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    لإضافة بُعد روحي وتربوي، الجندي يوضح سبب وجود مصطفى حسني في لجنة تحكيم "دولة التلاوة"    وزير الثقافة يزور طلاب أسوان المصابين في حادث طريق إسنا    الليلة على DMC .. ياسمينا العبد تكشف أسرار مشوارها الفني في صاحبة السعادة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    الرعاية الصحية تبحث تطوير خدمات القساطر القلبية المتقدمة لمرضى التأمين الصحي الشامل    متحدث الصحة: ملف صحى إلكترونى موحد لكل مواطن بحلول 2030    ما هي عقوبة مروجي الشائعات عبر السوشيال ميديا؟.. «خبير» يجيب    الرياضية: أهلي جدة يفتح ملف تجديد عقد حارس الفريق إدوارد ميندي    فيديو.. عمرو أديب يحتفي بتلال الفسطاط: من أعظم المشروعات في السنوات الأخيرة    156 عاما على افتتاح قناة السويس، الممر المائي الذي غير حركة التاريخ    سؤال برلمانى بشأن ظاهرة العجز الصارخ فى المعلمين    كيف نظم قانون الإجراءات الجنائية الجديد تفتيش المنازل والأشخاص؟    مصر ترحب باتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين جمهورية الكونجو الديموقراطية وحركة M23    طريقة عمل صدور الفراخ، بصوص الليمون والثوم    بنين تعتمد تعديلات دستورية تشمل إنشاء مجلس الشيوخ وتمديد الولاية الرئاسية    كبير الأثريين يكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري بالتحرير    وزارة الداخلية تقرر إبعاد 3 أجانب خارج مصر    وزير الخارجية يجري اتصالات مكثفة بشأن الملف النووي الإيراني    أمام كاب فيردي .. عمر مرموش يحل أزمة الجبهة اليسرى فى منتخب مصر    إصابة العشرات بعد اندلاع اشتباكات في المكسيك وسط احتجاجات الجيل زد    استقرار أسعار الذهب الأحد 16 نوفمبر.. وعيار 21 يسجل 5455 جنيهًا    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    ألبانيا أول منتخب أوروبي يحجز مقعده في ملحق مونديال 2026    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    وزير الصحة: متوسط عمر المصريين زاد 20 عاما منذ الستينيات.. وكل دولار ننفقه على الوقاية يوفر من 3 ل 7 دولارات    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعد يكن: المايسترو
نشر في نقطة ضوء يوم 27 - 03 - 2016

النوم تحت القصف ترك أحلاماً غير سعيدة في ذاكرته؛ فقد تعرّض التشكيلي السوري للاختطاف غير مرة على يد ميليشيات (جبهة النصرة - ذراع القاعدة في بلاد الشام)؛ لينجو بأعجوبة بعد إصابة قدمه بكسرٍ لا زال يعالج منه حتى الآن. ابن حي السبيل الحلبي ما يزال يصر على زيارة مدينته التي أكلتها الحرب؛ فالبرغم من إحراق التكفيريين لمرسمه في مشروع الفنانين ب(عين جارة) وتدميره عن آخره، ما يزال (سعد يكن- 1950) يعودُ أماكنه الأولى، متفقداً ركام الأبنية ممتزجاً برماد لوحاته المحروقة.
نلتقيه في دمشق ذات صباح عابراً منها إلى بيروت؛ المدينة التي استقر فيها منذ سنتين منصرفاً إلى إتمام مشاريعه الفنية التي لا تتوقف؛ حيث لا تلبث أن تنقطع ضحكاته المرحة مفترّةً عن شاربيه الكثّين ولكنته الحلبية المحببة: «استحلوا مرسمي لأن الفن برأيهم حرام فهو شرك بالله)؛ وأحرقوا مكتبتي فالكتب أيضاً بالنسبة إليهم حرام (فلا كتاب إلا كتاب الله)؛ خطفوني مرتين ولاحقني رجال داعش على (طريق حلب- دارة عزة) مطلقين النار عليّ، مما أدى لانقلاب سيارتي ولولا تدخل قوات الجيش السوري وقتها وإنقاذهم لي في آخر لحظة لما طلعت عليّ شمس بعدها، (تنذكر ما تنعاد)».
كان الفنان الذي ينحدر من أب تركي وأم حلبية قد درس الفن مبكراً في مركز الفنون التشكيلية بحلب ليتخرج منه عام (1964)، فقبل أن يذهب إلى دمشق عام 1971 لإكمال دراسته للفن في كلية الفنون الجميلة هناك، كان (يكن) حتى ذلك الوقت قد أقام ثلاثة معارض فردية؛ لكنه وبعد سنتين من الدراسة عاد الشاب الصغير إلى حلب: (غادرت في إجازة أسبوعية وحتى الآن لم أعد إلى كلية الفنون الجميلة(!.
توقفه عن دراسة الفن لم يكن له كبير أثر على حلمه؛ فقد أقام هذا الفنان اثنين وخمسين معرضاً فردياً في أوروبا وكندا والعالم العربي ناهيك عن مشاركته في مئة وخمسين معرضاً مشتركاً حول العالم؛ فحتى عام 1976 كان (يكن) قد أنجز ما يقارب 22 ألف سكتش عن حلب؛ راسماً بغزارة رواد مقاهيها ومسارحها وأحيائها الشعبية، مطربيها وباعتها وأدبائها.
مصمم ديكورات
عام كامل قضاه هذا الفنان مصمماً لديكورات (مسرح الشعب) بحلب مع كل من وليد إخلاصي وحسين إدلبي وعبد الرحمن حمود؛ مثلما أنجز سكيتشات كاملة عن (مسرح الشوك) لكل من عمر حجو ودريد لحام على مسرح الحمراء بدمشق: «كنتُ وقتها أواظب على رسم تلك السكيتشات؛ محاولاً تسجيل حركة الممثلين على الخشبة، هذه الحركة التي جعلتني أرغب بالتقاطها خارج السكونية المعهودة؛ فكل الممثلين كانوا في نظري (هاملت) شكسبير حتى الكومبارس منهم كانوا يبدون لي بحواراتهم الفصيحة وطريقة تحركهم وإلقائهم وردود أفعالهم أشبه لنسخة من تلك الأعمال التي كان على الجمهور أن يقاربها لظروف حياته؛ فالجماهير للأسف لم تكن وقتها على درجة من الثقافة يسمح لها بتلقي العمل الفني، ولهذا كنتُ أثناء تدريسي للفن أعلّم طلابي آداب الذهاب إلى المسرح وطريقة تذوق اللوحة والفيلم السينمائي».
يرى (يكن) أن الفوتوغراف أبلغ بما لا يقاس على اللوحة في التعبير عن ويلات الحرب التي ألمت ببلاده: «الكاميرات اليوم أصدق بكثير من هؤلاء الفنانين الذين يصوّرون الحرب بطريقة سخيفة مرتكزين على رسم بناء مدمّر هنا أو طفل يبكي هناك قبالة الأنقاض؛ إنها مشكلة التعبير بالنسبة للفنان الذي يريد أن يقدم صياغة عن الحرب السورية بأسلوبية غير مسبوقة وبعيداً عن المباشرة؛ من هذا المنطلق ما يزال لدي تهيب في التعبير عن الكارثة التي ألمت بنا».
المقاربة في اللوحة يجب أن تكون مختلفة عن الفوتوغراف - يضيف (يكن): «نحتاج اليوم إلى أبجدية تعبير مختلفة للحاق بما وثقه الفوتوغرافيون، فهؤلاء استطاعوا أن يقدموا ما يشبه الوثيقة عن الحرب السوية، أما التشكيليون فما زالوا حتى الآن للأسف يقلّدون عمل الفوتوغراف، لا أكثر».يشتغل (يكن) اليوم في غاليري بالعاصمة اللبنانية على مشروع جديد له علاقة بصياغة فضاء كامل عن الحرب باللونين الأسود والأبيض؛ فيما يجري الاستعدادات الأخيرة لمعرضه الأحدث في السابع من نيسان القادم ب(صالة تجليات بيروت- صيفي فيليج) مقارباً بذلك أجواء الكابوس: «الأزمة التي نمر بها اليوم أزاحت الفنان السوري خارج الدائرة الاجتماعية؛ فلقد انقضت اليوم تلك المقولات الماركسية من قبيل (الفن للمجتمع) أو (قل لي من ترسم أقل لكَ من أنت) وزمن إقامة المعارض التشكيلية في المعامل أو ما كان يسمى ب(الفن للجماهير). هذه الشعارات التي كانت سائدة فترة السبعينيات اكتشفنا أنها ليست من اختصاص الفنان، بل هي من مهمات الدولة؛ واليوم في ظل الظروف التي نحياها كسوريين لم تعد اللوحة مهمة حتى بالنسبة للمتذوقين وهواة الاقتناء؛ الجميع اليوم يبحث عن مكان آمن له ولعائلته، فهاجس الإنسان السوري اليوم ليس اللوحة بل تأمين لقمة طعام وشربة ماء نظيفة لأطفاله».
انتمائي لسوريا هو انتماء شخصي وليس انتماء سياسياً أو قبلياً أو عشائرياً- يعلق (يكن) ويقول: «مدينة حلب أعرفها أكثر من أي إنسان في الدنيا؛ لكنها اليوم عبارة عن أنقاض فوق أنقاض، الدمار أتى على مدينة الطرب والقدود والموشحات أصبحت بلون الدم؛ الوطن قضية شخصية وليست قضية عامة؛ فالمهم كيف يعبّر الفنان عن مأزقه إزاء هذا الوطن، وكيف يستطيع البقاء حياً في ظل هذا الخراب والموت اليومي، سواء في داخل البلاد أو خارجها لا بد من حلول، لا بد من دور يلعبه الفنان على الأقل في حماية حياته وحياة من يحبهم».
ثقافتنا ثقافة كلمة لا صورة ومعظم الوسط الاجتماعي العربي وتحديداً السوري يعيش تحت الحد الأدنى من الفقر الذي لا يسمح له باقتناء لوحة - يضيف: «مثل ما حدث مع لؤي كيالي الذي كان يرسم الفلاحين والعمال و(الفعيلة) والمشردين ثم تباع لوحاته في مزادات الفن وحفلات الكوكتيل للأثرياء؛ هذه مفارقة لا يمكن تجاهلها بين موضوع الفن ومآلات تسويقه وطبيعة الجمهور الذي يطمح لاقتناء الأعمال الفنية مختلفة تماماً عن هموم اللوحة وشجون الفنان».
البعض عندما يذكر اسم سعد يكن يذهب مباشرةً إلى المقارنة بين أعمال الفنان السوري وبين أعمال (فرانسيس بيكون- 1909- 1992) فكيف يفسر (يكن) التصاق اسمه بالفنان الإيرلندي - يجيب: «أول مرة شاهدتُ فيها أعمال (بيكون) كانت عام 1976 وكان واضحاً بالنسبة لي قسمات الإنسان المحوّر الذي كنتُ قد اشتغلتُ عليه في معارض عديدة وقد ظهرت وقتها إلى العلن؛ لكنني لم أنزعج من ذلك التقارب في الأسلوب، بل شعرتُ أن بيني وبين (بيكون) ثمة تقاطعات عديدة؛ لكن تفكيره باللوحة كان مختلفا تماماً عما أفكر به؛ صحيح أن هناك شكلانية قريبة بيني وبين الرسام الإيرلندي الراحل، لكننا مختلفون جذرياً في بناء اللوحة، وهذا ماقلته ل(بيكون) شخصياً عندما زرته في لندن مقتبل تسعينيات القرن الفائت؛ فلدي تتحرك الأشكال وتتلوى أمام الفرشاة لتساهم في الخط واللون؛ وقتذاك ضحك (بيكون) وقال لي: (صحيح أن هناك تقاطعات بين أعمالنا، لكن لوحاتك من يراها يشعر مباشرةً أن شخوصها من بلدان العالم الثالث). الحقيقة ليس لدي مشكلة أن يكون لدي تقاطعات بيني وبين أي تجربة فنية في العالم، فأنا لم أستورد تجربتي من أحد».
القطيعة
القطيعة التي أعلنها جيل (سعد يكن) مع التراث التشكيلي الموجود في بلدان المشرق العربي بدءاً من الأيقونة مروراً بمنمنمات الواسطي في العراق وصولا إلى النحت التدمري وجدرانيات الكنائس واللوحات الفسيفسائية والتصاوير البابلية؛ جعلت من اللوحة السورية رهينة لصدمة الحداثة الغربية التي كان لها عميق الأثر في تجربة الرواد، يعلق (يكن) على ذلك فيقول: «لم تكن هناك قطيعة كان هناك توجه مختلف لدى جيل السبعينيات، فقد كانت نهضة متكاملة شملت التشكيل والأدب والمسرح والسينما، ولقد اندفعتُ مع أبناء جيلي لتأسيس حداثة خاصة بنا كشرق، حيث تزامن ذلك مع صعود قصص سعدي حوراينة وزكريا تامر ومسرحيات سعد اله ونوس وأشعار الماغوط الغاضبة إلى واجهة الحركة الثقافية في البلاد؛ جيلنا أتى بعد جيل الستينيات من أمثال نصير شورى وفاتح المدرس ونذير نبعة وسواهم؛ كنا نتوق إلى معاصرة تشبهنا؛ تشبه أفكارنا ورغبتنا في التجديد والخروج من المدرسية نحو تحرير اللون والخط من عبء المحاكاة للغرب والمواكبة للمرحلة التشكيلية الفردية».
من هنا كانت لوحات (يكن) بمثابة وثيقة عن مدينة بحجم حلب، إذ جاءت أعماله لتروي بألوانها الصريحة وانزياحاتها الصادمة حكاية الشرق عبر ثنائية (جلجامش وإنكيدو) مقتفيةً لمرادفات رحلة البحث عن الخلود، والحفر في تراث ألف ليلة وليلة، فبين سيف شهريار وحكايا شهرزاد تمكن (يكن) مع رفاق دربه من تجذير شخصية لافتة للتشكيل في بلاده، منقّباً في خانات حلب وشيوخ طربها؛ عن سهرات (صبري مدلل) و(صباح فخري) التي رسمها بصيغة زمنية، زاوج فيها بين الإيقاع واللون، دامجاً بذلك بين حاستي السمع والرؤية، مستعيراً أجواء الأوركسترا والليالي العربية والدون كيشوت والراقصة ورواد المقاهي وأبراج الفلك في لوحاته: «لا يمكن ربط الموسيقى بسماعها من خلال الأذن بل يمكن من خلال التأمل وبصمت سماع إيقاعات تخرج من السلم الموسيقي لتصل إلى الأشكال بتناغم وحساسية عالية، لتدخل مجال الإيقاع والعين والمشاعر؛ ولتكن اللوحة بحد ذاتها موسيقى، فانفراج الروح بالموسيقى حالة من الخروج العمودي عن الواقع، لذلك اللوحة لدي عن الموسيقى والغناء أعتبرها مؤشراً صحياً للنفس والروح، بغض النظر عن ماهية الإيقاع وتنوعه عبر العصور؛ فأنا أهم مؤرخ للحياة الاجتماعية السورية نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، بتقنيات تشكيلية عالية، سواءً قبِل الآخرون هذه الحقيقة أم رفضوها».
السوق كما يخبرنا (يكن) لم يكن في حساباته فيقول: «ليس في العالم العربي صالات عرض احترافية بالمعنى التجاري للكلمة، باستثناء بعض الصالات التي حاولت وما تزال أن تخرج من مفهوم العرض المغلق والمقتصر على النخبة إلى مفهوم الفضاء المفتوح على المدينة، لكن ما يميز عملي برأيي أنني أتناول كل عام موضوعاً أشتغل عليه؛ التنويع في موضوعاتي وفي الثيمة التي أشتغل عليها أمرٌ جذري في محترفي الشخصي، لكن تحويري للشكل أخذ تحولات بطيئة لسبب بسيط؛ وهو أن موقفي الداخلي من الإنسان لم يتغير لأغير أسلوبي، فالكائن الإنساني تاريخياً لم يتغير منذ أيام قابيل وهابيل؛ المشاعر الإنسانية كالحب والغيرة والكراهية خالدة وهي بقيت هي منذ آلاف السنين، الذي تغير هو التكنولوجيا وليس المشاعر، التقنية التي تطورت تركت الإنسان متخلفاً عن سياقها، اليوم نتكلم عن (روبوتات) قادرة على تذوق اللوحة التشكيلية ونقدها؛ بينما ما يزال البشر رهائن المشاعر القديمة، قل لي: كم ألف قابيل وهابيل يوجد اليوم في سورية؟ أجل يوجد الكثير، فكيف تطلب مني أن أغير موقفي من الإنسان وهو ما يزال على حاله منذ آلاف السنين، الموسيقى والآداب والفنون عموماً جاءت أصلاً لتهذيب هذا المخلوق من الداخل، لكن هل أوقف ذلك الحروب من حولنا؛ أعتقد أن التهذيب لم يأتِ من أمراء الحروب، بل من الفن والمرأة تحديداً؟».
الطرب جاء في لوحات هذا الفنان من الممارسة والبحث واشتغاله الدائم ليصل إلى نقطة تشبه الحضرة في حلقات الغناء الحلبي: «الطرب اللوني لا يأتي من الخطوط أو الألوان بقدر ما يعكس حالتي الداخلية نحو الألحان وجملها العميقة والأثر الذي تتركه في النفس؛ هذا يخضع دائماً لدي للتجريب، لمنتهى الهزلية واللهو واللعب والصرامة والوعي واللاوعي بحركة البشر وقدرتهم على الإصغاء للون، شخصياً لا أرسم سكيتشاً ثم أفصّل اللوحة عليه؛ إطلاقاً، لا دراسة تسبق اللوحة التي تصل لدي ارتفاعاتها أحياناً إلى ثلاثة أمتار؛ بل أبدأ برسم اللوحة من نقطة ثم بشكل أعمّر عليه لوحتي، لكنني أعترف أن اللوحة دائماً هي أقل من تصوري للعمل الفني الذي أبحث عنه، ولذلك أرسم موضوعاً معيناً قرابة مئة مرة، لكنني ولا مرة رسمت اللوحة نفسها، ومن يقول أن (سعد يكن) هو ذاك الفنان الذي يرسم المقاهي، أقول له: إنني مستعد أن أقضي عمري كله في رسم المقاهي، لكنني لا أستطيع أن أرسم المقهى نفسه مرتين، ثمة زمن في اللوحة، ثمة وقت يمضي بين كراسي ووجوه تجلس عليها، ثمة لحظة لا يمكن استعادتها أو الادعاء بتجميدها لمرة واحدة وإلى الأبد».
موجة التشويه التي اجتاحت اللوحة السورية يخبرنا ( يكن) عنها وعن سر هذا الانصياع لهذا المزاج: «لا أسمه تشويهاً، بل تحويراً يأخذ معنيين سلبياً وإيجابياً؛ ولذلك أرفض أن أسمي بيكاسو مشوّهاً بل محوّراً، لكن دعنا نعترف أن موضة اللحاق بالحداثة مؤخراً بين جيل الشباب، دفع تصورهم لرسم الشخصية المشوهّة في فراغ اللوحة، والعمل على مبالغة في رسم الأطراف والرأس، فعند مشاهدة مثل هذه الأعمال لا تستطيع أن تميز بين لوحة هذا الفنان أو ذاك، فالكل يلحق الصرعة الجديدة، هذه ليست حداثة، فالحداثة ليست أسلوباً، بل هي موقف وتجربة وسلوك، وحالة ذهنية ورؤيا عميقة للواقع من حولنا، لكن من أسف بعض الفنانين (اللعيبة) الذين عملوا وفقاً لمزاج الصالات وبرامجها دمروا فهمنا للحداثة، أضف أن تلك الصالات دعمتهم واشترت لهم أعمالهم لتبيعها في المزادات بأسعار خيالية، والهدف في النهاية كان الاحتكار والربح المادي وتبييض الأموال، فيالق من الأقزام والمسوخ تتقدم اليوم في مواكب الفن التشكيلي العربي والسوري خصوصاً؛ والمسؤول عن هذا الانحراف هو الفنان بالدرجة الأولى التابع للغاليري ولمشيئة السوق التي تروج أعمال التشويه تلك؛ والتي يموّه من خلالها هؤلاء ضعفهم في رسم الشكل الواقعي وتطويره إلى سوية تنقض الواقعي وتدينه».
البعض يقول أن موجة التشويه استشرفت ما سيحدث في العالم العربي؛ لكن (يكن) له رأي آخر: «لا أعتقد أن هؤلاء يتمتعون بهذا الوعي، أجل لدينا مجموعة من الفنانين السوريين والعرب المهمين، لكن يقابلهم مجموعة كبيرة من هؤلاء الذين لا همَّ لهم سوى بيع لوحاتهم، دون أن يكون لديهم أدنى درجات الوعي الفني والمعرفي والوطني».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.