«الأعلى للثقافة» يوصي بإنشاء «مجلس قومي للوعي بالقانون»    تسليم 16 عقد عمل لذوي الهمم بالقاهرة    10 فئات محرومة من إجازة رأس السنة الهجرية (تعرف عليها)    أولها «البنك الأهلي».. أغلى 10 علامات تجارية قيمة في مصر 2025    محافظ الغربية يتابع أعمال تطوير كورنيش مدينة كفر الزيات    إزالة 14 حالة تعدٍّ على أملاك الدولة والأراضي الزراعية في بلبيس ب الشرقية    بمناقشة 14 ورقة بحثية.. «التخطيط القومي» يختتم مؤتمره السنوي (تفاصيل)    سر الغطاء الخرساني الإيراني.. واشنطن تكشف معلومات عن الهجوم على منشآت طهران النووية    بابا الفاتيكان ينتقد «الشراسة الشيطانية» للصراعات في الشرق الأوسط    خامنئي: إيران انتصرت على إسرائيل ووجهت «صفعة قاسية» ل أمريكا (الكلمة كاملة)    السيسي ورئيس وزراء بريطانيا يؤكدان ضرورة العودة للتفاوض لتسوية الأزمة الإيرانية الإسرائيلية    «لم أعتد على ذلك».. المثلوثي يفاجئ جماهير الزمالك ب بيان جديد    بث مباشر الآن مباراة مصر ضد البرتغال في بطولة العالم لشباب كرة اليد    رسميًا.. كريستيانو رونالدو يجدد عقده مع النصر السعودي    بسبب الفيزياء.. 6 حالات إغماء لطلاب في لجان امتحانات الثانوية العامة بالبحيرة    بكاء طلاب الثانوية العامة من صعوبة امتحان الفيزياء في كفر الشيخ    ارتفاع شديد في درجات الحرارة.. طقس المنيا ومحافظات شمال الصعيد غدًا الجمعة 27 يونيو    بعد ظهورها مع أحمد السقا.. من هي شيرين شيحة التي أشعلت السوشيال ميديا؟ (صور)    ب «حلق» ونظارة شمسية.. عمرو دياب يثير الجدل ببوستر «ابتدينا» ولوك جريء    «الحظ يحالفك».. توقعات برج القوس في الأسبوع الأخير من يونيو 2025    خلال مؤتمر «صحة أفريقيا».. إطلاق أول تطبيق ذكي إقليميًا ودوليًا لتحديد أولويات التجهيزات الطبية بالمستشفيات    فحص 829 مترددا خلال قافلة طبية مجانية بقرية التحرير في المنيا    حلقة نقاشية حول تكامل الرعاية الصحية والتعليم في «Africa Health ExCon 2025»    الخارجية الفلسطينية: عجز المجتمع الدولي عن وقف "حرب الإبادة" في قطاع غزة غير مبرر    خلافات عائلية تتحول إلى جريمة مأساوية.. شاب يشعل النار في والده السبعيني بقنا    تكثيف جهود مكافحة الإدمان بحملات توعوية ميدانية في الأقصر    ميرتس: الاتحاد الأوروبي يواجه أسابيع وأشهر حاسمة مع اقتراب الموعد النهائي لفرض الرسوم الجمركية    محافظ المنيا يعتمد الحدود الإدارية النهائية مع المحافظات المجاورة    أمانة العمال المركزية ب"مستقبل وطن" تختتم البرنامج التدريبي الأول حول "إدارة الحملات الانتخابية"    بلاغة الكتابة السوداء المخيلة .. الرغبة .. المصادرة.. السلطة    شاهد.. أرتفاع إيرادات فيلم "ريستارت" أمس    وفد من مجلس كنائس الشرق الأوسط يعزي بشهداء كنيسة مار الياس في الدويلعة    السبت المقبل .. المنيا تحتفل باليوم العالمي للتبرع بالدم 2025    جولة مفاجئة إلى جمعية منشأة القصاصين للإصلاح الزراعي بالإسماعيلية    أفضل وصفات العصائر الطبيعية المنعشة لفصل الصيف    محافظ الجيزة يتفقد مستشفى الحوامدية للوقوف على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين    نساء الهجرة.. بطولات في الظل دعمت مشروعًا غيّر وجه التاريخ    ألونسو ردًا على لابورتا: نشعر في ريال مدريد بالحرية    محافظ أسوان يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد بمسجد النصر    رئيسة حكومة إيطاليا تحتفل ب"وحدة الناتو" وتسخر من إسبانيا    ب 4 ملايين دولار، محمد رمضان يكشف عن سبب رفضه عرضا خياليا للعودة إلى الدراما (فيديو)    وفاة والدة الدكتور محمد القرش المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة وتشييع الجنازة في كفر الشيخ    أندية البرازيل مفاجأة مونديال 2025    جهات التحقيق تأمر بتفريغ الكاميرات فى اتهام مها الصغير أحمد السقا بالتعدى عليها    جوارديولا يكشف تفاصيل إصابة لاعب مانشستر سيتي قبل مواجهة يوفنتوس في مونديال الأندية    انتصار السيسي تهنئ الشعب المصرى والأمة الإسلامية بالعام الهجري الجديد    عصمت يبحث إنشاء مصنع لبطاريات تخزين الطاقة والأنظمة الكهربائية في مصر    وزير الري يتابع إجراءات رقمنة أعمال قطاع المياه الجوفية وتسهيل إصدار التراخيص    تهنئة السنة الهجرية 1447.. أجمل العبارات للأهل والأصدقاء والزملاء (ارسلها الآن)    الناطق باسم الأمن الفلسطيني: جرائم الاحتلال لن تثنينا عن أداء دورنا الوطني    بعد رحيله عن الزمالك.. حمزة المثلوثي يحسم وجهته المقبلة    بنتايج خارج القائمة الأولى للزمالك بسبب العقود الجديدة    نور عمرو دياب لوالدها بعد جدل العرض الخاص ل"فى عز الضهر": بحبك    جهات التحقيق تستعلم عن الحالة الصحية لعامل وزوجة عمه فى بولاق    إخلاء محيط لجان الثانوية العامة بالطالبية من أولياء الأمور قبل بدء امتحاني الفيزياء والتاريخ    هل الزواج العرفي حلال.. أمين الفتوى يوضح    بمناسبة العام الهجري الجديد.. دروس وعبر من الهجرة النبوية    دار الإفتاء تعلن اليوم الخميس هو أول أيام شهر المحرّم وبداية العام الهجري الجديد 1447    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هاجس الوجه
نشر في أخبار الأدب يوم 19 - 02 - 2012

عرفنا أعمال الفنان التشكيلي الكبير "عادل السيوي" بداية من عقد السبعينيات، وقد قام الفنان إلي جوار إنجازاته الإبداعية بدور ثقافي كبير في حياتنا، فقد نقد أعمالاً تشكيلية، وترجم دراسات عديدة، منها كتاباه المهمان : "نظرية التصوير لليوناردو دافنشي" و"نظرية التشكيل لبول كلي"، كما قدم دراسات في الفكر الجديد، وشارك الفنان في معارض دولية عديدة، منها بينالي "فينسيا"، وقد صدر مع افتتاح البينالي، كتاب بالإنجليزية، يتضمن سيرته الفنية، وحواراً عن رحلته الشخصية، وكثيراً من القضايا الفنية، ومنها علاقة الفن بالجماهير، ومسألة : "الوعي التشكيلي" وغيرها . وللفنان كتاب أسماه (عين التابع) وهو كما قال هو عنه محاولة لقراءة خريطة الفن المعاصر من عين فنان مصري، وفيه يخوض لأول مرة تجربة وضع ملاحظاته في كتاب، وليس ترجمة ما كتبه الآخرون .
وكانت الحداثة في السبعينيات تسود الحياة الثقافية في الخطاب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفي الإبداع بمختلف أجناسه وأنواعه. والحداثة تعني تفكك الثقافة التقليدية لتظهر الثقافة القائمة علي الأسس العقلانية التي تنادي "بالتنوير" في مختلف مجالات الحياة، وتتصف الحداثة بكونها بنية كلية، وبأنها وعي نوعي ينتمي إلي سياق شامل.
والحداثة تتمرد علي كل ما يعرقل التطور، وعلاقاته، لأن القيود لا تعني سوي التخلف، وكان الفنانون الحداثيون يتطلعون إلي المستقبل، وينظرون إلي العمل الفني باعتباره عملية تركيب بين عناصر متفاعلة متحركة، وحصيلة النص التشكيلي، أو رؤية الفنان لا نستطيع الحصول عليها إلا بعد أن يتم إنجاز اللوحة، فهي تالية لعملية المعالجة التشكيلية، وعرفنا هذا لدي الفنانين المجايلين لعادل السيوي: محمد عبلة، وصلاح بيصار، وعمر جيهان وغيرهم .
وبعد انتهاء عقد السبعينيات علي وجه التقريب، بدأنا ندخل إلي زمن الكومبيوتر، والتكنولوجيا والالكترونيات، في مجتمع المعلومات، وهذا تطلب تغيراً في كل شيء بداية بالواقع الاقتصادي والسياسي، وانتهاء بالأخلاقيات وبالذائقة الفنية. في وقت بدأت تتهدد فيه العقلانية بسبب ازدياد معدلات التشوش وافتقاد الثقة في الكيانات الكبيرة والأيديولوجيات الكبيرة، وكان الناقد المصري الأمريكي "إيهاب حسن" قد أعلن استحالة التحديد، وتوسع هذا المعني كثيراً حتي شمل العمارة أولاً، ثم اكتسح بالتدريج مجالات الرقص والمسرح والتصوير والسينما والموسيقي، في مرحلة انتهاء "الحكايات الكبري"، الذي يصفه الناقد الفني "أميتاي اتزيوني" بأنه عصر "ما بعد- الحديث"، لقد صرنا نعيش المجتمع المعلوماتي، الذي يعتمد الترقيم Digitizationوالذي يولد أوهاماً واقعية من خلال الحاسبات والتصوير الإلكتروني، وهذا كله يعد نتيجة للتكنولوجيا الثقافية الجديدة .
لقد انتهت الجماليات الشكلانية السابقة، وأصبح النص التشكيلي يستمد قوانينه من المجتمع الذي صار بدوره يتغير تغيراً مطرداً، لقد صار العمل التشكيلي معبراً عن تلك المقومات الحضارية الجديدة, فظهرت اتجاهات فنية تصيغ جماليات فنية مختلفة، وتهدف إلي التواصل مع المجتمع بكل متغيراته، في حس جمعي واضح، ومن هنا نفهم اتجاه الفن إلي الجماهيرية، حيث بدأت موضوعات الفن تخاطب الجمهور العريض فكان لابد من ترك المجاز الفني السابق، والاتجاه إلي أشكال فنية جديدة تخاطب الناس مباشرة، فانتقل الفن من التجريد إلي البيئية الملموسة، انتقل من التأثيرية والتكعيبية والتجريدية، إلي الفن المحسوس، وتداخلت فيه الوسائط التعبيرية غير المسبوقة. وقد تغيرت وجهة نظر الفنان الآن: غير رأيه في كل ما كان يعتبره من المسلمات سواء علي مستوي المعايير الجمالية أو الموروث الأكاديمي، وأصبح حراً في اختيار الأداة والرؤية، وأصبح الفن أيضاً يبتكر القضايا والوسائل التي تمكنه من التواصل مع مجتمعه من خلال تاريخ هذا المجتمع وخصوصيته، محطماً الفكرة القديمة التي تصور الفنان علي أنه منتج أعمال جمالية تسعي للكمال، وتوضع لدي تجار اللوحات , في سوق الفن التشكيلي، ولم يعد الفنان منتجاً للقطعة الفنية المتفردة، بل صار أكثر تواصلاً مع المجتمع وأكثر حيوية معه، والفنان عادل السيوي في أحد معارضه الأخيرة، اختار مجالاً يصل من خلاله إلي المتلقي مباشرة، وهو مجال فناني السينما المصرية في المرحلة الأسبق، وهم الفنانون المحبوبون لدي المصريين، والذين شكلوا ثقافتهم لفترة ليست بالقليلة .
ولكن الفنان عادل السيوي لا يقدم ما يقدمه رسامو الوجوه محدودو الأفق، ولا يقدم فن البورتريه، بل يقدم فناً شعبياً جديداً يوصل من خلاله دروساً أساسية في مجال الفن التشكيلي، وكما يري الفنان نفسه فإن اختيار تيمة الوجه سوف تحل له مشكلة أساسية من مشكلات النص التشكيلي، وهي مشكلة بنية العمل الفني نفسها، فسوف يكون هناك وجه يتوسط مساحة اللوحة، وانطلاقاً منه يمكن أن يتحرك للتعبير عما يريد من خلال تفاصيل أخري أو بواسطة اللون، خاصة أن الوجه هو شيء متخيل من ابتكار الفنان ومن صنعه، علي عكس البورتريه الذي يعين أشخاصاً في الواقع، سواء كانوا معروفين أم مجهولين، يقول الفنان في هذا التعبير النوستالجي الحميم : ( بدأت أرسم نجوم عمري في مرحلة لاحقة بسبب الحنين إلي أيام الطفولة والمراهقة فرسمت إسماعيل ياسين وعبدالفتاح القصري وسعاد حسني وهند رستم في لوحات تتسم بالبساطة وتعتمد علي المباشرة في الطرح، وكذلك اعتمدت علي تقنية البوستر السينمائي، في محاولة للتواصل مع الجمهور انطلاقا من الذاكرة الجماعية) .
وكان من الطبيعي أن يثير الفنان ضجة هائلة في الصحافة من قبل النقاد الصغار، أو النقاد الذين حبسوا أنفسهم في مجال ضيق في التصور الجمالي الحداثي الذي يمثل نهاية العالم بالنسبة لهم، ونشرت بالفعل مجموعة من المقالات تهاجم المعرض، ولكن الفن دائماً مجال للتغير والبحث والثورة الدائمة، والفنان الكبير لابد أن يفاجئنا، ويكسر توقعاتنا، ويجعل من إنتاجه دائماً موضوعاً للتساؤل الجذري المستمر حول الفن ووظيفته في المجتمع، ويجعلنا نعيد التفكير مرات ومرات في مسألة طبيعة علاقة الفنان بعمله التشكيلي. وبالتأكيد فإن ما فعله عادل السيوي سوف يحفزنا للتساؤل، وسيجعلنا نغير تصوراتنا التقليدية عن الفن ودوره، وسوف ينشط في عقليتنا فكراً جديداً، يوسع معني التشكيل في حياتنا الثقافية، فلا يصير مجرد فعالية بصرية فقط، بل يصبح التشكيل قادراً علي الاستجابة لحاجات فكرية وعاطفية وروحية للإنسان، ويصبح التشكيل قادراً علي أن يأخذنا إلي السينما والمسرح ومختلف الفنون الأخري.
لقد ترك كثير من الفنانين اليوم صالات العرض الثابتة، وأنشأوا أماكن العرض المؤقتة الصغيرة، مثلما فعل فناننا "السيوي" الذي باع أعماله الفنية في العرض الأول لها، وهكذا .. لن يبقي الفن التشكيلي في صالات مغلقة دائمة، بل سيتحرك مباشرة من يد الفنان إلي عين المتلقي، ليبدأ الفنان في عمل جديد يشهد علي أنه يقظ، وأنه يعايش الحياة بكل ما فيها من إيقاع مطرد .. وبالفعل هناك عدد كبير من فناني اليوم اتجهوا للفنون سريعة الإنتاج، سريعة الوصول للمتلقي، كما أن هناك فنانون اتجهوا للطبيعة مباشرة مثل فناني البيئة، وأصحاب توجه فن الأرض، وغير هذا من الفنون المبتكرة . وبسبب تعدد مصادر الفنان اليوم، وتعدد معاييره فلن تكون هناك مقاييس مسبقة لتقدم الفن التشكيلي يحفظها النقاد ويطبقونها بطريقة الببغاء، بل ينبغي علي الناقد أن يكون متسع الثقافة بالدرجة التي يلتقط فيها توجه كل فنان وخصوصية أدواته وخاماته، ويلتقط فيها كيف أنه سوف تتدخل في الفن أجواء اجتماعية وشعبية وأخلاقية وفلسفية إلي جوار الأجواء الفنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.