محيط - رهام محمود الحرب الفرنسية والمقاومة الأسبانية لجويا يعيش العالم فوق صفيح ساخن ، وتتوغل آلة الحرب هنا وهناك تحصد أرواحا بريئة أو تتركها بندوب وجروح جسمانية ونفسية لا تزول ، وهنا يغيم الأفق عند البعض ويتلاشى طموحهم بغد أفضل وقد تخور قواهم ويستسلموا ، أما البعض الآخر فإن العنف يحفزه على فعل المقاومة حتى لو فقد حياته. ولم يكن الفنان بعيدا أبداً عن ظروف شعبه ففي أوقات المحن العصيبة يعكس إبداع الفنانين مشاهد العنف برؤى متنوعة ، وهنا نطرح على فنانين ونقاد سؤال : كيف تؤثر أجواء الحرب على الفنانين قديماً وحديثا؟ تذكر الفنان التشكيلي أحمد الجنايني لوحة "الجورنيكا" للفنان العالمي بيكاسو التي تعد في مقدمة تلك الأعمال الكثيرة التي تصور العنف، والتي تعتبر من أهم النقلات الفنية على مستوى العالم؛ فحينما شاهدها هتلر سأل بيكاسو "لماذا تلك المشاهد البشعة التي تتناولها اللوحة"، فأجابه "أنتم من تقومون بتلك البشاعة"؛ فهذه اللوحة عبرت عن الحرب الأهلية الاسبانية، واستطاع بيكاسو خلالها إعادة تركيب الأشكال بأسلوب يخدم اللوحة، وهي موجودة حاليا في الأممالمتحدة. ومن اللوحات النادرة أيضا والتي عبرت عن العنف لوحة "آكلو البشر" السريالية للفنان سلفادور دالي، والتي يقشعر جسد المتلقي حينما ينظر إلي بشاعة العمل، فهنا إذا نجح الفنان في التعبير عن تلك البشاعة، أصبح ناجحا في توصيل رسالته؛ لأن الفن ليست تعبيرا عن الجمال فقد، بل لابد أن يعبر عن العالم في سلبياته وإيجابياته أيضا. أحمد الجنايني يضيف الفنان الجانيني: لفت نظري أيضا في هذا الاتجاه تجربة الفنان السوري عبد الرحمن مهنى، حينما تناول القضية الفلسطينية، والتعبير عن الانتهاكات التي يتعرض لها المواطن الفلسطيني، وهذا استغرق منه تجربة عريضة بعد تجربته الفنية التي تناولت نكسة مصر عام 1967. أما على صعيد التمثال فأذكر عمل الفنان الدكتور المصري محمد العلاوي، الذي عبر في منحوتته "الرحايا" عن العنف وقهر الإنسان؛ حيث صور طحن الإنسان بدلا من طحن الغلال، كما أن حركة العمل تعطي الإحساس بالاتزان والتعبير عن مضمون الفكرة. يقول الجنايني: ولا نستطيع أن ننسى الفنانين العراقيين الذين قدموا أعمالا فنية مهمة عن قهر الإنسان، سواء في فترة الاستعمار أو الفترات الموجودة حاليا ، و لبنانيين قدموا تجارب عريضة عن الحرب اللبنانية والعنف في جنوب لبنان. أحيانا جاء تعبير الفنان عن فكرة الحرب بشكل رومانسي، وأحيانا أخرى بعنف، وفي النهاية حينما يتكامل العمل تشكيليا تكون لغة الشكل هي البطل الأساسي في العمل، ومن خلالها يأتي التعبير عن المضمون، وبذلك ينجح العمل. أما السفير والفنان يسري القوضي فضرب أمثلة لفنانين عظام مناهضين للحرب ، فنذكر لوحات "جويا" ضد الحرب الأهلية الاسبانية، و"مانية" في مناهضة الحروب، وبيكاسو وغيره. في المرحلة الكلاسيكية نذكر الفنان "لويس داليد" الذي قام بعمل لوحة مشهورة حول أسطورة عن تصارع القبائل، تناول فيها قبيلتين تتصارعان، والنساء تقفن في الوسط لمنع الحرب بينهما. كما أن بيكاسو رسم هذه الأسطورة أيضا بأسلوب مختلف، وعبرت عنها أيضا المصورة "إيف سوسما" التي تعيش في انجلترا، حيث أعادت تصويرها بشكل حديث في عمل فيديو. يسري القويضي ولك ن – والحديث للقويضي- انحاز فنانون مشاهير للعنف ، كالفنان "مارينيتي" مؤسس حركة المستقبلية في أوروبا عام 1911، الذي أيد العنف والحرب باعتبارها الوسيلة الوحيدة لإصلاح العالم ! ، وهو اتجاه غير شائع بين الفنانين على أية حال ، وحينما قامت الحرب العالمية الثانية أثرت القنبلة الذرية على كثير من الفنانين، كالفنان ليفورت ستيل، الذي تأثر بشكلها، وبدأ في صياغة لوحات تجريدية متأثرة بالتفجير النووي، وهو ما نسميه بالتأثير غير المباشر. في العصر الحديث يوجد فنانون في أمريكا وانجلترا وفي الشرق عارضوا العنف، كالفنانة الأمريكية جاني هولزر، والتي عرضت في فينسيا منذ حوالي عامين أعمالا فنية تعارض سياسة بلدها. وكذلك الفنانة الأمريكية آملي برينس، والتي عرضت أيضا أعمالا تعارض فيها السياسة الأمريكية في العراق. كما عرض الفنان ريتشارد سيرا منذ أربعة سنوات عملا يستنكر ما يفعله الجيش الأمريكي في سجن أبو غريب، وكان بعنوان "توقف يا بوش". الفنان بيتر بومنت يرسم أبوغريب أما الفنان الانجليزي مارك وولينجر فكان يقود مظاهرات في لندن ضد اشتراك انجلترا بقواتها في حرب العراق، وكان يسير في المظاهرات بلافتات لمعارضة السياسة البريطانية، وحينما أصدرت الحكومة البريطانية قرارا بوقف المظاهرات، ذهب إلى المتحف وعرض عملا انستيليشن، وضع فيه كل اللافتات، وفاز به بجائرة "تارنر" عام 2007 - الجائزة التي تقدم كل عام لأفضل الفنانين -. ومن الشرق قدمت الفنان الأمريكية ايميلي جاسر من أصل فلسطيني عملا عبارة عن خيمة طرزت فوقها جميع أسماء القرى التي دمرها الإسرائيليون، وذلك باللون الأسود كرمز لما حدث في فلسطين، وكذلك الفنانة الإنجليزية منى حاطوم من أصل فلسطيني، والتي قامت أيضا بعمل ضد العنف. عبر العصور استعرض الفنان الدكتور سيد القماش وكيل كلية الفنون الجميلة بالمنيا الأعمال التي تناولت الحروب بدءا بقابيل وهابيل، والتي رسمت في لوحات فناني عصر النهضة، وبعد ذلك في الفنون البدائية والحروب الأولى بين الإنسان والإنسان والحيوانات والوحوش والطبيعة. وفي الحضارات حيث رسمت العديد من الحروب على الجدران الفرعونية كمعركة "قادش" وجميع المعارك التي خاضها الفراعنة، والتي رسم معظمها في البر الغربي في الأقصر وفتح رمسيس وغيرها. ثم التعبير عن الحروب في الفنون القبطية، وبعدها الحضارة الإغريقية المليئة بالحروب، ودخول العصر الوسيط في فنون عصر النهضة ، وبعض الرسوم القبطية التي تعبر عن الاضطهاد بين الرومان والإغريق ضد المسيحيين في أوروبا وأقباط الشرق ، وفي الفنون الإسلامية تم رسم كل الفتوحات الإسلامية من قبل الفنانين المسلمين وغيرهم من الأديان الأخرى. سيد القماش وأوضح د. القماش أن هناك لوحات شهيرة عن الحروب المعاصرة ، كالحرب العالمية الأولى وظهور المدرسة "الدادية"، ولوحات بيكاسو وبيراك عن حرب كوريا ، وجويا عن الحرب الأهلية في أسبانيا، ورسم جيروم بوش الحروب بشكل سريالي، والمذابح التي رسمها الفنان الألماني بروجل . حتى الحروب غير العسكرية ، أو السياسية والاقتصادية التي أفرزتها العولمة عبر الفنانون عنها ، ومنها ضياع الهوية ، حروب الانترنت ، الصراعات الدينية ، وغيرها من الصراعات التي ارتبطت بالحداثة والبرفورمانس ، ووصولا لحروب القرن الحالي المرتبطة برغبة السيطرة على الخيرات ، وظهور فنون جديدة ارتبطت بالإنترنت والجرافيك. أما عن إحتلال فلسطين فهو في ضمير الفنانين والمصريين بالأخص بحكم التجاور ، وعبروا عن رموز الحرب ليست المادية فقط كالطائرات والدبابات ، وإنما المعنوية كفكرة الخيانة مثلا، ونظرا لأن العالم . والجميل هنا أن الفنان لا يرتبط بالحرب في بلده فقط بل في كل بلدان العالم، فحاليا يمكننا متابعة ما يحدث في العالم عبر التكنولوجيا، وتعبير الفنان عن حالة الحرب لا يعني نقلها حرفيا، والدليل على ذلك أن الفوتوغرافيا إذا تكون الأفضل. والفن إن كان مرتبطا بفنانين في بيئات مختلفة، إلا أنه في النهاية يعبر عن كل معاناة الشعوب، فكثير من الأعمال الفنية لفنانين من بلدان المختلفة عبرت عن الحرب الفلسطينية، ومصريين رسموا عن حروب الجزائر واليمن وغيرها، ومعركة الصحراء والعالمين، وأعمال رامبرنت جميعها حروب من نوع آخر بقوة الضوء واللون والرسم، وهكذا آلاف الأعمال التي تعبر عن الحروب ، وقد أقمت معرضي الرافض لغزو العراق للكويت عام 1990 ، عبر 36 لوحة . فنون عنيفة يوسف ليمود وقال الفنان والناقد يوسف ليمود الذي يعيش في سويسرا: تناول الفن عبر العصور كافة المواضيع في الحياة، ومنها ما يخص الحرب والعنف بشكل عام، ومن أبرز الأعمال الحديثة التي يمكن أن تكون المثل الأبرز لهذا الموضوع، العمل الكبير المشهور لبيكاسو والمسمى الجرنيكا، نذكر أيضا لوحة بيكاسو التي اشتغل عليها من لوحة الفنان جويا، وهي تمثل إعدام بعض الأشخاص على يد عساكر مقتحمين، ويبدو في الصورة نساء وأطفال يصرخن، هذا بشكل عام عن الفن الحديث، أما الفن المعاصر فإنه ذهب بعيدا بشكل غير مباشر أو أحيانا بشكل مباشر جدا إلي عمق هذا الموضوع، ونذكر الفنان الألماني يوزف بويز وهو من أشهر الفنانين الألمان المعاصرين، والذي استمد كل أعماله من تجربته الشخصية في الحرب، حيث كان مراهقا وقت الحرب العالمية الثانية، وحشر في الحرب تحت مجموعة القوات المسماة بشباب هتلر، وتحطمت طائرته فوق منطقة جبلية في منطقة القوقاز، وكاد أن يموت، لولا بعض القبائل القوقازية التي أحاطته بالبطاطين والشحم، وعاد بعدها إلى ألمانيا ليصبح من أشهر الفنانين، بل ويعمل بهذه المواد التي شفي بها؛ ليعبر عن الموت والدمار والحرب. يواصل ليمود: كذلك تعتبر ألمانيا والمدرسة التعبيرية الألمانية بشكل خاص هي أبرز المدارس في العالم منذ بداية القرن العشرين، التي نلمس فيها انعكاس الحروب والدمار في عالم الفن، وذلك يرجع إلى التاريخ الألماني الحديث والتي مرت فيه بحربين عالميتين كبيرتين. ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الفنان الألماني انسيلم كيفر، الذي ينصب عمله على المناظر المستوحاة من عالم الخراب العسكري، إذ يقوم بتجسيد طائرات عسكرية حربية محطمة يصنعها من ألواح الزنك والصاج، وتستدعي هذه الأعمال الفراغية أو هذا النحت الفراغي صورة لحقول القتل والتدمير . ولكن من أبرز الأمثلة المرعبة عمل الفنان النمساوي الألماني - هيرماننيتش – وهي عبارة عن أعمال "بيرفورمانس" يشارك فيها مئات وأحيانا آلاف من الأشخاص، إذ يقومون بطقوس ذبح الحيوانات، ثم صب الدم على أنفسهم وملابسهم، ويغرقون في الدم والموسيقى الصاخبة، وفي طقوس ورموز مأخوذة من عالم المسيحية مثل الصليب، ويظل "البيرفورمانس" أحيانا لمدة ثلاثة أيام، يبدو وكأنه مهرجان للجنون والدم والجنس، تنطلق فيه الصرخات والتشنجات والرقص والعري وشرب الدم وأكل اللحوم نيئة، ويتصور الفنان هيرمانيتش أن هذا العرض له فلسفة خاصة وهي أن هذا الجنون يحاول أن يطهر العقل والجسم من ذاكرة الحروب وحيوانية الإنسان والغرائز الأكثر بهيمية، والتي استغلها " الدين " – على حد قوله - في تكبيل الإنسان!! كما أن هناك الكثير من فناني البيرفورمانس المعاصرين في العالم عبروا عن العنف، كالفنانة البوسنية ابراهيموف التي عبرت في عروضها عن القتل والدم والعظام، حيث قدمت واحدا من عروضها وسط مجموعة كبيرة من العظام، وظلت تقشر هذه العظام وكأنها تقشر البطاطس، وهي بذلك تحيل إلى ما حدث من تجربة مروعة من مجازر حدثت في البوسنة والهرسك. كذلك نجد الفنان الأمريكي بروس ناومان يعبر عن حال الخراب الإنساني بشكل عام، إن لم تكن له تجربة مباشرة مع الحرب، فنجد في بعض أفلامه الفيديو صراخ بشري مرعب، يستدعي إلى الذهن حالة الخراب الإنساني بشكل عام، وامتصاص الإنسان لدم أخيه الإنسان. الحرب الأهلية الأسبانية يتابع ليمود: وفي الفن العربي نجد نموذجا رائعا نلمسه في لوحة الفنان حامد ندا المسماة "العبور"، والتي عبر فيها عن انتصار أكتوبر في شكل أحصنة ترقص ويرقص فوقها رموز من الشعب المصري، فالرائع في عمل ندا هذا أنه لم يسقط في فجاجة التعبير المباشر بالقتل والتدمير، بل أنه وجد في الرقص خير معبر عن فكرة العبور التي هي حرب بكلمة أخرى. ولا ننسى أن المدرسة الدادية قامت كرد فعل على الحرب العالمية الأولى بكل عبثيتها والخراب الذي سببته للعالم اجمع، فكان النتاج الفني لأصحاب هذه المدرسة هو نتاج عبثي كأنهم أرادوا أن يقولوا بأعمالهم أنه لم يعد هناك معنى لشيء ولا حتى الفن. وليس بالضرورة أن تكون الأعمال الفنية التي تعبر عن الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر هي أكثر الأعمال استحضارا للحرب والعنف الإنساني، بل يمكن أن نقرأ الحرب والدمار والخراب في أرق الأعمال التي تدعو للسلام والحب، فهو رد فعل عكسي ضد الحروب.
لوحة بريطانية عن أبوغريب السجن العراقي هجوم المماليك لوحة الخريف يأكل نفسه - دالي لوحة أغتيال مار لجاك لويس دافيد سلفادور دالي الغورنيكا بيكاسو من اعمال جويا الحرب - سلفادور دالي لوحة لعبدالرحمن مهنا فلسطين العراق حطام - طوم بونغ فلسطين لوحة عن الحرب