كنوزنا الملكية في خطر.. رسالة تحذير وناقوس خطر طبقتها دراسة "مهمة" بكلية الفنون الجميلة ، تطلب دعم منظمة اليونسكو لإنقاذ نحو 400 قصر ملكي من الإهمال وعوامل "التعرية الزمنية" وألسنة النيران الفعلية والرسمية على مدى الحكومات المتعاقبة منذ عهد محمد علي وحتى حكومات ما قبل الثورة. في رسالتها للماجستير "العمارة الداخلية لقاعات العرش في القصور الملكية بمصر " في الفترة من 1805 إلى 1952 تقول الباحثة عبير أحمد علي أحمد خيري بقسم الديكور بكلية الفنون الجميلة – شعبة العمارة الداخلية، إن هناك نحو 1200 قصر منذ عهد الفراعنة وحتى الآن منهم 400 قصر ملكي، تناولت في رسالتها منهم 17 قصرا فقط، منها ما يتبع وزارة الآثار أو السياحة ومنها ما تحول لرئاسة الجمهورية كقصر عابدين ورأس التين وقصر القبة وقصر الاتحادية ( فندق هليوبوليس بالاس ). ومنها ما تعرض للدمار مثل قاعة بقصر الجوهرة التي دمرت نتيجة زلزال 92 والحريق الذي نشب به عام 72 وامتد للسقف والحوائط الخشبية التي أتت عيها ودمرته تمامًا. وهناك من يقدر جدوده ويعظمهم مثل الأمير محمد علي توفيق، الذي عمل سراي العرش وقاعه للعرش لتخليد وتعظيم أجداده من الأسرة العلوية ووضع صورهم بداخل القاعة. تكمن أهمية الدراسة - كما تقول الباحثة- في حيثية قاعات العرش في عمارة القصور التاريخية بمصر وخاصة القصور الملكية من الناحية المعمارية والتشكيلية والوظيفية، ولتوجيه النظر نحو المخاطر التي تواجهها قاعات العرش واتباع كل السبل للحفاظ عليه، ولتوثيق هذه القصور تاريخيًا وتثقيف وتوعية الجمهور بما نمتلك من كنوز مهملة تتمثل في قاعات العرش بالقصور الملكية بعدما تعرض الكثير منها لدمار وإهمال قضى على البعض منها وهناك من يلفظ أنفاسه الأخيرة وأخرى في طي النسيان. بعض القصور تعرض للإهمال والدمار خاصة القاعات الأثرية المهمة كما تعرض البعض منها إلي الفقد النهائي والاندثار وهو ما كان السبب الرئيسي والدافع لي لمحاولة للاجتهاد في عمل توثيق علمي وتقني و تاريخي لهذه القصور والوصول إلي دراسة جيدة لما لها من قيمة فنية وتاريخية في مجال تصميم العمارة الداخلية ،ودور مصمم العمارة الداخلية في المجتمع المصري والعوامل المؤثرة علي هذا الدور ومسئولياته في قضايا الدولة المعنية بالعمارة والعمران الأثري ومواجهة تطور العولمة وتوفير قاعدة بيانات متكاملة صحيحة من خلال الدراسة الوثائقية والمقارنة والتحليل للحفاظ عليها. تشكل قاعات العرش، التي أصبح البعض منها قاعات استقبال رئاسية حاليًا أهم الحيزات داخل تلك القصور، ولكي يستطيع مصمم العمارة الداخلية ممارسة عمله والاستفادة من مفردات العمارة الداخلية ودراسة تاريخ هذه القصور لتحقيق هذا الدور والنجاح فيه لابد من أن تتوفر له المعلومات الموثقة والبيانات الخاصة بهذه القصور سواء كانت قديمة أو حديثة، وهو ما كان الهدف الرئيسي والدافع للباحثة للاجتهاد في عمل توثيق علمي وتقني وتاريخي لهذه القاعات في القصور والوصول إلى دراسة جيدة لمفردات عمارتها الداخلية لما لها من قيمة فنية وتاريخية في مجال العمارة الداخلية، وإظهار البعد الثقافي لفنون العمارة الداخلية في قاعات العرش. ويعتمد منهج البحث علي دراسة تطور التصميم المعماري لقاعات العرش في القصور الملكية والتاريخية وأثر ثقافات العالم المختلفة عليها بدراسة ميدانية تحليلية لرصد وتوثيق العمارة الداخلية لقاعات العرش في القصور الملكية بمصر، وتوضح بهذه الدراسة الرخاء الاقتصادي ومركز مصر بالنسبة لدول العالم في القرنين التاسع عشر والعشرين . تحويل بعض القصور لفنادق واستخدامها في أغراض أخرى أنقذها من الإهمال، هذا ما توصلت له الباحثة، كما حدث مع فندق قصر الجزيرة الوسطى ( ماريوت) وطالبت عبير بتدخل منظمة اليونسكو لترميم هذه القصور والاهتمام بها وإنقاذها من الإهمال بإضافتها إلى قائمة التراث العالمي لأن تراث الأمم والشعوب لا يعني المنشآت والمباني القديمة والآثار التي تعكس الماضي فقط ولكنه أيضًا يمثل ذاكرة الشعب ورصيده الحضاري والفكري. بعض قصور مصر الملكية أعيد تشكيله، وأصبحت قصورًا رئاسية تابعة لإدارة الدولة وديوان الرئاسة والبعض الآخر ظل في طي النسيان وتعتبر ثروة قومية تحمل قيمًا اقتصادية وسياسية، كما تعد مرجعًا ذا قيمة معمارية وحضارية وأيضا ذات قيمة فنية وجمالية على النطاق الإنساني والمحلي والعالمي . ويمكن إحياء هذه القصور وإعادتها إلى الحياة لتصبح مصدرًا للدخل القومي إذا ما استخدمت حدائقها فقط على سبيل المثال في تنظيم الاحتفالات أو المناسبات للمصريين والأجانب، فقد أجرت الباحثة دراسة اقتصادية عما يمكن أن تدره حديقة واحدة كحديقة قصر الأمير محمد على توفيق بالمنيل، فقد بلغ إجمالي ما يمكن أن تحققه حديقة القصر 400 مليون جنيه في السنة ولك أن تتخيل حجم ما يمكن أن تحققه هذه المناسبات من رواج سياحي لمصر وتسويقها لو تم تنظيم حفلات خاصة أو عامه للأجانب والعرب وسوف يتم تشغيل فنادق وأسلوب جذب سياحي وتذاكر طيران ...إلخ بخلاف تأجير الحديقة نفسها مما لا يخل بالأثر نفسه معماريًا وفنيًا. هل غير الملوك والأمراء عروش قصورهم؟ سؤال طرحته الباحثة وأجابت عليه في رسالتها حيث تم تغيير قاعات العرش وخاصة كراسيها لتتناسب مع طول كل ملك أو أمير، فقد كان كرسي العرش في قصر الجوهرة بالقلعة قريبًا من الأرض، لقصر الوالي محمد علي باشا، وكرسي عرش الخديوي إسماعيل والملك فاروق تغيرت قطاعات الأخشاب بعد أن كانت سميكة من الموسكي إلي خشب الزان وقطاعات لأصغر بكثير. وتميز كرسي العرش بوجود كراسي للوزراء حوله برز فيها طراز عمل الدولة، فقد صمم قصر عابدين بالطراز الأوروبي وقاعات العرش بالطراز الإسلامي الجديد أو الطراز البيزنطي( الرومي التركي) وهو الغالب علي طرز وعناصر العمارة الداخلية بمصر وفيه استعملت الخامات المستوردة في جميع أعمال العمارة الداخلية للقصور فتميزت بالفخامة والعظمة والأبهة وخاصة داخل قاعات العرش ولاهتمام الملوك والأمراء بالعمارة. وتقديرًا لجهود المصممين والمنفذين فقد وضعت لوحة بقصر الأمير محمد علي توفيق تضم أسماء العمال والفنانين الأتراك الذين قاموا بزخارف سراي الاستقبال والقاعة الذهبية وقاعة العرش تقديرًا وتكريمًا لهم. اهتم الملوك والأمراء بالقصور والفن المعماري كما تقول عبير خاصة الخديوي إسماعيل الذي كان يريد مصر أن تصبح قطعة من أوروبا، فجعل قاعة العرش بقصر عابدين وأثاثها نسخة من قصر فرساي. لكن الأمر يختلف تماما مع القصور الموجودة في محافظات مصر للأمراء والتي أهملت وأصابها التلف كقصر الأمير يوسف كمال بنجع حمادي ومن حسن الحظ أن للمرأة دور في الحفاظ على العمارة والفن المعماري والتراث كالأميرة فاطمة إسماعيل صاحبة قصر المجوهرات بالإسكندرية وصاحبة فكرة إنشاء جامعة القاهرة. كما أن الخديوي إسماعيل كان محبًا ومشجعًا ومقدرًا لدور المرأة فالدخول لقاعة العرش المسماة ( قناة السويس) بقصر عابدين يتم من باب الملكة أوجيني ملكة فرنسا التي دعاها الخديوي لحضور حفل افتتاح قناة السويس في عهده. ثم قام الملك فؤاد بتصميم وبناء قاعة العرش الموجودة حاليا ونقل مقتنيات قاعة عرش قناة السويس إليها( مكتب الرئيس). وتضيف عبير للأسف هناك قصور لبعض رجال الحكم العثماني لم يكونوا من الأمراء إلا أنهم اهتموا بإنشاء القصور على نفس فخامة الحكام مثلما فعل إسماعيل باشا المفتش الذي لم يكن أميرا، لكنه كان يعيش في قصر لا يقل فخامة في طرازه عن قصور العائلة الحاكمة( وزارة المالية الآن) وهناك قصر الأميرة شويكار وغيره من قصور الأمراء الذين كان لديهم ذوق فني عال وهو ما انعكس على الشعب نفسه، ففي تلك الفترة كان المصريون محبون للفن والثقافة. مما ساعد في الحفاظ على بعض القصور الملكية كما تقول الباحثة، اهتمام الملوك والأمراء بالفن ودراستهم في أوروبا وإرسالهم للبعثات ووجود جاليات وإنشاء ورش عمل واتفاقيات مع ورش أثاث بأوروبا على تدريب المصريين على الطراز الأوروبي مما ساهم في بناء القصور وقاعات العرش . وهناك وثائق مهمة تم حرقها في قصر عابدين قبل أن يغادر الملك فاروق مصر. على يخت المحروسة وبمناسبة يخت المحروسة فقد كان من ضمن القصور الملكية العائمة للدراسة وقد أشرت إلى أهميته، وأعاد استخدامه الرئيس السيسي في حفل قناة السويس بعد 146 عامًا من إحالته إلى التقاعد. الأعمال الدرامية أو الفنية أضرت القصور الملكية وشوهت بعض الشخصيات التاريخية مثل الخديوي إسماعيل في المسلسل التليفزيوني سراي عابدين فركزت مؤلفته الكويتية هبة مشاري حمادة على حياة الخديوي الاجتماعية مستغلة القصر في الإبهار فجاء التركيز على المغامرات النسائية والحريم ليكون المسلسل كحريم السلطان بالنسخة المصرية دون التركيز على شخصية الخديوي وإنجازاته بما يليق بتلك الشخصية أو بالقصر كعمل فني ومعماري فقد اعتمدت مؤلفة العمل على معلوماتها وقراءتها في إخراج العمل رغم أنني استغرقت في رسالتي أكثر من سنة ونصف لتخرج إلى النور ما بين تصاريح من وزارة الآثار والسياحة والثقافة ومبنى الوثائق ومدير المتاحف واللجنة الدائمة للآثار، والهيئة العامة للكتاب، ومكتبات القصور ومركز المعلومات في القلعة لأتمكن من إجراء رسالتي والتصوير داخل القصور الملكية في الوقت الذي سمح لمؤلفة العمل باستخدام القصر واستغلاله في تصوير سراي عابدين. وتدعو عبير لاستغلال الطبيعة التي حباها الله لمصر على كورنيش النيل في عرض ما تمتلكه مصر، وتجديد كورنيش النيل حتى أسوان وإبراز القصور والعوامات الموجودة على النيل واستغلالها سياحيًا واقتصاديًا لزيادة الدخل القومي. توصيات خرجت بها الباحثة تدعو الدولة ليكون لها سياسة عامة تستهدف وتحافظ على التراث الثقافي الذي تعبر عنه القصور الملكية في القرن التاسع عشر والعشرين فنيًا ومعماريًا ووضع جزء من هذا التراث في مناهج التخطيط العام، والمحافظة عليه وحماية هذا التراث الثقافي لينتقل لعامة الشعب والأطفال. ويتيسر لجميع فئات المجتمع الدخول في هذه القصور في فترات معينة محددة مما لا يخل بالأمن العام وكما هو الحال في القصور العالمية مثل فرساي وبكنجهام. ودمج التكنولوجيا مع العمل اليدوي ((HANDMADE & TECHNOLOGY )) وليكن قسم الديكور في كليات الفنون الجميلة رائدًا للفكرة ومنفذًا لها بجميع الخامات المستخدمة في عناصر العمارة الداخلية. وضرورة التوثيق المعماري الفني للآثار بتكنولوجيا حديثة ومتطورة وعمل تحديث للوثائق الموجود بمبني الوثائق القومية والمعرضة للتآكل والتحلل لقدمها. وتوصلت الباحثة في رسالتها إلى أن قاعات العرش تتميز بعمارة داخلية مميزة عن باقي فراغات القصر الملكي لما لها من أهمية وظيفية متميزة ، كما تعكس الطراز المحلي للدولة، كما تعد عناصر العمارة الداخلية ومحددات الحيز لقاعة العرش في قصر عابدين بالقاهرة وقصر رأس التين بالإسكندرية في الفترة الزمنية نفسها والمحددة بالرسالة (من1805م-1952م) نسخة طبق الأصل بأقسام وفراغات معينة وبأثاث من قصر فرساي بفرنسا وقصر بكنجهام بإنجلترا. يُذكر أن الرسالة ناقشها الأستاذة الدكتورة علية عبد الهادي مقررًا، الأستاذ الدكتور محمد سيد سليمان، أستاذ العمارة الداخلية بقسم الدكتور بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، مشرفًا، الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد حسن أستاذ العمارة الداخلية بقسم الديكور كليه الفنون الجميلة ووكيل الكلية سابقاً-جامعة الإسكندرية، مناقشًا. الجدير بالذكر أن الباحثة ستقوم بإصدار رسالتها في كتاب من 3 أجزاء، الأول يتحدث عن العمارة الداخلية لقاعات العرش في القصور الملكية بمصر والثاني يتحدث عنها في العالم العربي والجزء الأخير يتحدث عنها في العالم.