أخيراً قام رئيس الوزراء بإعادة افتتاح واحد من أعظم القصور الملكية فى مصر، ولعل مايميز مهمة إعادة الحياة الى هذه التحفة المعمارية والتاريخية هو تسجيل دور قومى مهم لأحد عناصر المجتمع المدنى والثقافى فى بلادنا، إذ أتاحت الدولة الفرصة لمشاركة جمعية أطلقت على نفسها اسم «أصدقاء متحف قصر المنيل » يقودها الأمير عباس حلمى، وهو أحد أمراء الأسرة المالكة السابقة، حيث تمثلت هذه المشاركة فى قيام أعضاء الجمعية بجمع الأموال للمساهمة فى الترميمات وترتيب لقاءات ثقافية وإقامة حفلات بغرض جمع التبرعات، والتعاون مع إدارة المتحف فى نشر معلومات عن القصر ومتاحفه فى المدارس والجامعات وشركات السياحة، وأدت هذه المساهمة فى توفير أجهزة الترميم المستعملة بواسطة العاملين بورشة الترميم القائمة داخل متحف القصر.. كما ساهمت هذه الجمعية فى ترميم وصيانة إنارة المتحف والحديقة الرائعة، وإضافة الكثير من الكشافات مما أعطى رونقاً لهذه المناظر الفريدة التى تضمها حديقة هذا القصر. ولعل حرص «الأهرام» على إبراز الدور القومى المطلوب من عناصر المجتمع المدنى فى بلادنا.. هو إتاحة المزيد من الفرص لمثل هذه الجمعيات للقيام بدور قومى سبقتنا إليه عديد من الدول والمجتمعات. وكان القصر الفريد فى موقعه الأخاذ فوق بقعة جميلة على فرع النيل الشرقى بجزيرة الروضة، والذى يتكون من مجموعة سرايات قد تعرض لضربات موجعة.. وذلك من عوامل الزمن، بجانب الإهمال فى صيانة هذه الكنوز.. مما دعيا وزارة الآثار إلى البدء فى خطة ترميم شاملة لجميع بنايات القصر، والذى يعد من أجمل وأهم المتاحف التاريخية فى بلادنا، والذى أنشأه الأمير محمد على ولى عهد مصر.. وذلك عام 1901 على مساحة 61 ألفا و711 متر مربع، على طراز إسلامى مقتبس من المدارس الإسلامية الفاطمية والمملوكية، وشاعت فيه أيضا الروح الفارسية والسورية والمغربية، كما بدت فى زخارفه ومبانيه روح الطراز العثمانى. ويعد من وجهة نظر المعماريين مدرسة فنية جامعة لعناصر الفنون الاسلامية المختلفة، وقد كان الأمير محمد على صاحب القصر وصياً على عرش مصر بعد وفاة الملك فؤاد.. وظل وليا للعهد حتى أنجب الملك فاروق ابنه الأمير أحمد فؤاد عام 1951. وقد انعكست صفات الأمير على قصره الفريد ووضع الأمير فى اعتباره عند تشييده للقصر أن يكون متحفاً يحمل اسمه، كما جاء فى وصيته التى كتبها عام 1925. والرحلة داخل هذا القصر تنقل المشاهد بين فنون العمارة وزخارفها، وكنوز الجواهر وبريقها وثروة فريدة من السجاد..وقاعات تنوعت وتشكلت والزائر يصطدم نظره ببرج عظيم على نمظ أبراج الأندلس والمغرب وضع ساعة فى أعلاه ثم تجد »السبيل« ويقع بين البرج والمسجد محاط بشريط عليه زخرفة كتابية عبارة عن كلمة »زمزم« مكررة. وبجوار السبيل المسجد.. ورغم صغره فإنه تحفة معمارية وزخرفية لا مثيل لها. ويتكون المسجد من ايواءين يفصلهما عمودان من المرمر.
سراى العرش على ان أكثر مايثير الإبهار خلال الرحلة داخل هذا القصر هى القاعات العديدة وبالذات قاعة العرش والتى تدخلت عمليات الترميم لإنقاذها باعادة تركيب السقف الأثرى.. وكان الأمير ولى العهد قد صمم هذه القاعة على أمل حصوله على عرش مصر نظراً لعدم إنجاب الملك فاروق لابن ذكر.. وعاش الأمير محمد على هذا الحلم سنوات طويلة حتى ضاع الحلم بإنجاب الملكة ناريمان للابن الذكر أحمد فؤاد الوريث الشرعى لملك مصر..
سراى الاستقبال ويموج القصر بالسرايات والحجرات والقاهات.. وتقع سراى الاستقبال فى أعلى مدخل القصر، ومخصصة لاستقبال الضيوف الرسميين ويتضمن حجرة للتشريفات بها دفتر التشريفات.. ودولاب متعدد الزخارف فيه »خورفقات« ومحراب بمقرنصات ودلف محلاه ببلاط قاشانى، وأخرى بالنحاس المشغول على شكل زخارف نباتية.. ثم حجرة أخرى لاستقبال كبار المصلين وكان الأمير يستقبل فيها كبار الشخصيات التى تحضر الى القصر لصلاة الجمعة فى مسجد القصر. وداخل سراى الاستقبال أيضا قاعتان.. الأولى هى «القاعة الشامية» وجميع جدرانها مغطا» بخشب جلبه الأمير من بيت «العظم» الأثرى بسوريا وتعتبر تحفة رائعة.. ويتدلى من شعفها نجفة نحاسية على بدنها دوائر على كل دائرة كلمة «الله» يليها دائرة أخرى بها كلمة «محمد» ومناضد كتب عليها «سلامة الانسان فى حفظ اللسان» أما «القاعة المغربية» فقد صممت على الطراز المغربى، فالسقف من المرايات والجدران مغطاة بالقاشانى وبالقاعة أرائك خشبية ملاة بزخارف الأرابيسك. وهناك أيضا «المتحف الخاص» ويتكون من خمس عشرة قاعة يتوسطها فناء به حديقة مبعدة، وتضم هذه القاعات كنوزا من المعروضات من نفائس الفنون الجميلة والتحف الثمينة.. ومعروضات من المخطوطات النادرة والمصاحف.
الحديقة ضحية الفندق ثم يأتى الحديث عن حديقة القصر.. ويصنفها الخبراء بأنها الوحيدة من نوعها فوق أرض مصر.. وتعد متحفاً نباتيا نادراً.. وقد جمع الأمير فيها العديد من النباتات الغريبة عن البيئة المصرية واستطاع ان يؤقلمها على التربة المصرية .. وتضم 55 نوعاً من الصباروالصبير.. بجانب أشجار التين الهندى »النيكس« والنخيل الملكى ذو الجذوع البيضاء وشجر الجوز والبن والبرتقال واليوسفى والليمون والمانجو والجوافة والبامبو.. وقد استيلت هذه الحديقة بانشاء فندق بداخلها أدى الى تدهورها بشكل مريع ومأساوى، وقد تضمنت خطة التطوير انقاذ هذه الحديقة بكل ماتحويه من كنوز نباتية نادرة. ونعود للحديث عن جمعية أصدقاء متحف قصر المنيل التى نرحب بدورها القومى.. فقد امتد دورها لتفجر مطلباً مهماً بضرورة افتتاح الجزء المتبقى الذى يضم مجموعة من أهم وأندر السجاد فى العالم من طرز مختلفة من صناعة آسيا الصغرى (جورديز ومبلاس وكولا وكير شهر) وغيرها من أعظم المراكز العالمية والتاريخية فى صناعة السجاد، وفى سبيل تبادل الخبرات وقعت هذه الجمعية منذ أيام مذكرة تفاهم مع الجمعية الوطنية للمحافظة على »البتراء« الأردنية بحضور الأميرة رانا فراس نائبة رئيس الجمعية لتحديد الأنشطة التى تكون محل مشاركة وتنظيم أنشطة مشتركة.. وأن تقدم الجمعية الأردنية خبرتها فى تنظيم المتاحف والترويج لها ووضع خطط لادارة وحماية مواقع التراث الثقافى فى مصر.