يحكي فيلم “غدي” للمخرج اللبناني أمين درة والذي عرض مؤخرا في المهرجان الدولي للفيلم بمدينة الداخلة المغربية قصة رجل اسمه ليبا، يؤدي دوره الممثل جورج خباز، يعيش مع زوجته في حي شعبي. وما إن يُرزق بطفل اسمه غدي يعاني من متلازمة داون حتى تبدأ مشاكله مع أهالي الحي الذين بدأوا يعانون من صراخ الطفل. ومع ذلك فالأب ليبا يحاول إقناعهم بأن ابنه هو ملاك يعاقب بصراخه الآثمين، وبمساعدة مجموعة من الأصدقاء يتحوّل غدي إلى ملاك حارس لأهالي الحي ويعيش الجميع بسلام واطمئنان. بطابعه الكوميدي والدرامي، يخوض الفيلم في بنية المجتمع اللبناني، ويعترض طريق الإشكاليات الاجتماعية والثقافية فيه، والتي تأتي دوما على هيئة إشكاليات يومية بسيطة تتبدّى في تصرفات وأحاديث البسطاء. يفتح فيلم “غدي” أيضا على الفضاء الفكري للإنسان في هذا المجتمع، ويكشف لنا مدى جاهزيته لاستيعاب أفكار غريبة وغير منطقية بهدف راحة البال والضمير، فهو بهذا يشير إلى الجهل بوصفه عنصرا شريكا في حياة أبناء المجتمعات العربية عموما. إرباكات مجتمعية التركيز على الإرباكات الدينية والاجتماعية التي تعيق تفكير البشر في حي “المشكّل”، هي ذاتها العقدة المفصلية التي أسست قوة سيناريو العمل، ولعلّ هذه الإضاءة يمكن اعتبارها ورقة نقدية تقوم على مجموعة من الأسس المستوعبة لتاريخ المكان والزمان، وأيضا الحال التي أوصلتهما إلى منطق تفكير نمطي. يتأكد مع تتالي الأحداث أن الفيلم قد وضع الشخصيات في قوالب نمطية موجودة فعلا على أرض الواقع، لكنه في الوقت نفسه حاول أن يمنح كل واحدة منها خصوصية واضحة. المشاهد تأخذ إيقاعا سريعا في بداية الفيلم وتمتاز بسلاسة تكثف الفكرة ضمن لقطة واحدة بسيطة، لكنها مكتملة العناصر. فتعرض مجموعة لقطات ومشاهد متفرقة من حياة الأب ليبا حين كان طفلا، تلخّص واقع المجتمع من حوله. وتسلط الضوء تحديدا على وجوده الغريب في المدرسة، حيث جميع الأصدقاء يسخرون منه عدا طفلة واحدة، وهي لارا التي يحبها ويتزوجها لاحقا، ووجوده المتعب في المنزل، حيث والده المتسلّط يضطهده باستمرار. سرعة الإيقاع ربما يقترب الأسلوب الدرامي في “غدي” من الأفلام الإيطالية في أواخر القرن الماضي، والتي اتسمت بروي القصص من خلال ذات الإيقاع مثل فيلم “مالينا” للمخرج جيوزبي تورنتوري. جمالية عالية يمتلكها “غدي” في مشاهده، وقد خلقت كاميراه مناخا من الحنين والشفافية اللذين استوطنا مختلف الأجزاء في الفيلم، حتى أن اللون كان شريكا فاعلا في خلق الحنين وخاصة في تلك المشاهد الأولى التي تروي قصص ليبا مع أصدقائه وعائلته. خاصية الروي التي اعتمدها جورج خبار في دور ليبا منذ البداية، جذبت المتفرج أكثر إلى الفيلم، حيث استطاع أن يضعنا في إطار درامي تشويقي مهّد للفكرة الأساسية واحتضنها.